الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هذول ناس غير ناس

23 أغسطس 2008 23:54
''لا أستطيع أن أمضي بقية العمر وأنا أحنُّ إلى الذين غابوا، لكن ماذا أفعل، كلما رأيت هؤلاء أمامي وكلما سمعتهم أجنُّ حنيناً إلى الذين مضوا، أو أجنُّ ضيقاً بالذين بقوا، ما العمل''؟!· الكاتب الصحفي سمير عطاالله كلنا نعلم بأن لا أحد يمكن أن يحِلُّ محلَّ أحد، لكن، ومع هذا اليقين، يبقى الأمل بمصادفة البديل أو الشبيه يوماً ما أمر وارد، ''ولا لي حيلةٍ غير التمني''، كشكل من أشكال التعويض· من الجائز أن تسوقك الأقدار وتصادف في يومٍ ما، شبيه ذلك الذي تحنُّ إليه وتفتقده، وقد تتقاسم معه الملامح والهيئة، وما إن ''تلاغيه'' أو تكلمه حتى تكتشف بأن الروح مختلفة تماماً، ''وين هاذي ووين ذيك''؟!· في مثل هذه الأحوال، يخالجك شعور كمن ''أكل راشدي''!، ثم تُحدث نفسك قائلاً: ''يا الله كم يتشابه هؤلاء الناس في ظاهرهم، وكم يختلفون في دواخلهم''!· أمي تقول دائماً: ''يُمَّه الناس ساترتها ثيابها، ولا يغرّك المظهر''!، كناية عن غموض الناس وصعوبة استكناه دواخلهم، وهي مُحقة في قولها الذي ينمُّ عن نظرة ثاقبة وخبرة في الحياة، فيكفي ''أم محمد'' نظرة ''السكاننج'' العجيبة لتكشف الخطوط العريضة لأي أحد وهي واقفة، وكأنها تنافس بهذه المهارة ''مشروع البصمة'' الذي تلجأ إليه وزارات الداخلية!· فالخبرة في الناس ومعرفة أخبارهم و''مخابرهم'' وأجناسهم، وهي بالطبع لا تأتي من فراغ، قد توازي موهبة الفراسة عند البعض· أحيانا أتردد في الكتابة عن شيء خاص، بيد أنني عندما أجد بأن بعض الخاص أتشاركه أو أتقاطع به معكم أتراجع عن موقفي، لأرفع عني كل هذا الحرج غير المطلوب، وأُفصح وضميري ''فروزن''!· لا أُخفيكم سراً بأنني فتاة مولعة بكبار السن من العجائز و''الشيّاب''، أحب ''سوالفهم'' ودفء ترحابهم، وحنوَّهم الآسر في أوقات ''القحط'' والانكسار، وبالمقابل تأسرني مسحة الوقار التي تتجلى في مُحيّا البعض منهم، وكأني بهذه المواصفات أنشد الأمان والحكمة التي طالما كنت شغوفة في سبر أغوارها، واكتشاف مواضعها، وفيهم بالتحديد دون غيرهم· لا أعلم سرَّ هذا الانجذاب، ربما كان نوعاً من التعويض لشيء أفتقد إليه في الغالب!· هؤلاء البرَكة أمدَّ الله في أعمارهم، لهم أحياناً ''شطحات'' قد لا تخطر في بالك أنت الصغير، لتبقيك مذهولاً ومشدوهاً تبتغي تفسيراً!، وتقول في نفسك: ''والله هذا الشيبة خطير مبْ هيّن''!· أنا قلتها في يوم ما والرجفة تعتصر جسدي، عندما اكتشفت أن عنصر السنِّ لم يكن صمام الأمان لي للمضي في تواصل حسبته يوماً جميلاً مع من يكبرني سِناً، حينها، تبيَّن بأن ليس كل كبير كبيراً، ولا كل مُسنٍّ بالضرورة مُؤتمناً، أو صاحب حكمة وتجربة، والعكس صحيح!· لك أن تتخيل، عزيزي القارئ، تلك اللحظة، لحظة فقدان الشعور والإحساس، وكأنك ''بعيد الشر''، نُقلتَ في أقل من ''فانية'' واحدة، من محيط دافئ إلى ثلاجة الموتى ''الله يجيركم''، فلا ترى سوى غمامة سوداء قد غشتك بلا نَفس، ثم تفيق لتقول: ''أنا فين؟ أنا مين؟ هو في إيه''؟!· ولماذا نذهب بعيداً، باختصار، يبدو الموقف كمن ''إنهَفْ راشدي'' على حين غرَّة، وسُكِب عليه ''سطل'' ماء بارد في آن واحد· هذه هي الحال!، وأعتقد أنكم بهذا الوصف الدقيق استطعتم أن تستشفّوا حالتي الفيزيولوجية والنفسية وكأنكم رأيتمونني حينها، فحالة الخذلان ومشهد السقوط من أعلى القمة إلى أسفل القاع وبأسلوب دراماتيكي مثير أبلغ من أي وصف· الفقد طعمه مُرّ لكن الأشد مرارةً منه هو فقد الأمان وثقتك في الآخر، وأيّ آخر؟!· العجيب أنني بعد هذا التحوّل الراديكالي في أسس تقدير الآخرين، والنظرة التي يفترض بي أن أغيرها، والحسابات الجديدة بعد تلك الصدمة، لم أتخلَّ عن تقديري وانجذابي لكل قامة كبيرة في أي حقل وفي أي موقع، وأبقى ألتمس فيها الخير كله وليس جزءاً منه، وألتمس لها العذر في حال زلّت في لحظة ضعف، أوانحرفت عن الطريق، لأننا بشر، نحتمل قليلاً من الصواب وكثيراً من الخطأ· لم أفقد ثقتي في نفسي ولا في كل ''الآخر''، لكنني بتُّ بعد هذا ''الراشدي الذي صفعتني به يد الحياة'' أكثر حذراً ووعياً من ذي قبل، وتعلّمت عملياً أن أردد تلك الحكمة الشعبية: ''صدق هذول الشوّاب ما يِنْعَطونْ ويْه أبَدْ''!· ؟ همسة: تبقى بعض الصور أجمل عن بُعد· f_a0006@yahoo.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©