الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أم سلطان تبدع بيتها من سعف النخل

أم سلطان تبدع بيتها من سعف النخل
23 أغسطس 2008 23:36
وهب الله الصحراء النخلة، هذه الشجرة المباركة التي كانت ولا تزال من أهم مصادر الرزق للأبناء مثلما كانت للأجداد والآباء· بيد أن فوائد النخلة، كما تقول الجدة أم سلطان، لا تكمن في التمور فقط، بل توجد في جذعها، وسعفها، وفروعها التي يستفاد منها في الصناعات البيئية والشعبية وغيرها مما تظهره هذه الرحلة في أعماق الوطن· زاوية داخل البيت وفيها تظهر مجموعة من الأدوات التراثية التي كان الناس يستخدمونها في الماضي، مثل: ''السرود'' حصيرة مستديرة الشكل أو مستطيلة تصنع من سعف النخيل وغالباً ما تكون ملونة، و''الخرس'' وهو جرّة كبيرة لحفظ الماء، والقدر النحاسي للطبخ، و''الفنر'' أو الفانوس الذي يتدلى من السقف ويستخدم في إنارة البيت تبعد مدينة زايد في المنطقة الغربية، قرابة ساعتين عن العاصمة أبوظبي، لكن الذاهب إليها لا يشعر بطول الوقت والسيارة تسير به في ''أوتوستراد'' حديث، ترتفع على جانبيه شاخصات المرور لتوضح للمسافر معالم الطريق الذي اخترق رمال الصحراء· وتبرز على جانبي الشارع أنواع من الشجيرات أبرزها أشجار النخيل التي تحمل ثمارها الذهبية محفوظة في أكياس من ''الشبك'' مخصصة لحمايتها من الحشرات· لم يكن منزل السيد محمد سعيد المرر بعيداً عن أول المدينة، فبعد إشارتين، ظهرت على اليمين البيوت الحديثة تتخللها غابة من الأشجار، وفي المقابل ''الفلل'' المبنية على نحو يتناسب مع البيئة الصحراوية· وهناك على اليسار يقبع منزل أم سلطان، المرأة التي رافقت النخلة منذ الطفولة، وتعرف أسرارها وفوائدها وكل خصائصها· الضيافة العربية يصعب على من يزور أم سلطان، ألا يذكر الحفاوة التي تستقبله بها، والضيافة العربية الأصيلة التي تتجلى في المنزل العامر بأهله، وبمجموعة من السيدات والشابات من بناتها وزوجات أبنائها، وبعض الأقرباء، إلى جانب أحفادها الذين يرتدون أزياءهم التراثية التي ينبغي ترسيخ قيمة الحفاظ عليها وعلى العادات والتقاليد في نفوسهم، كما تشير أم سلطان، وتضيف: ''إن وجود الأطفال يدربهم على استقبال الضيوف والترحيب بهم، ويعرفهم إلى تقاليد الضيافة وأصول استقبال الزائرين''· تمتد المفارش في ''الليوان'' أو المجلس على الأرض مباشرة، وفوقها المساند أو ''الركايات'' مرتبة، تغطيها ستائر منسقة الألوان· وفي الجانب الآخر من ''الليوان'' طقم كنبات تتوسطه طاولة وضعت عليها أنواع من المأكولات التراثية: البلح، والتمر المعجون أو المهروس، وبجانبه مسحوق الأرز المحمص والعصائر بأنواعها، ومن بينها أكلة ''أم بريق'' التي قالت أم سلطان ''أنها تعمل من روب الغنم، أو البقر، أو الجمل''، وفي بلاد الشام تسمى ''المحلاية'' أو ''المهلبية''، إلى ذلك، هناك مصب وفناجين القهوة العربية، وهي من أصول الضيافة عند العرب، وفي الخليج بشكل خاص· تقاليد الزواج تستعيد أم سلطان ذكريات زواجها، وتذكر أنها تزوجت في عمر خمس عشرة سنة، بعد أن أخذ الأهل رأيها ووافقت، وتقول: ''سألني والدي: ''ولد خالك يريدك، توافقين؟''، فأجبته: ''الشور شورك'' يعني ''الرأي رأيك''، وهذا الجواب يعني الموافقة· وتواصل أم سلطان حديثها عن الكيفية التي كان الزواج يتم بها في الماضي: ''بعد الاتفاق يتم توجيه دعوة للعشاء، يطلق عليها حفلة ''حربية'' تذبح فيها ذبيحة أو أكثر حسب الحالة المادية والاجتماعية للعائلة، ويرقص فيها الشباب باالسلاح العربي، والبنات ينعشن بشعورهن، حيث يحرِّكنه بشكل فني يمينا ويسارا''· وتضيف أم سلطان: ''لم يكن فستان العرس ثوباً أبيض كما هي الحال في هذه الأيام، بل كان ''كندورة'' ملونة بألوان زاهية، ومزينة بأشكال الطيور والأزهار وتسمى ''أم طيرة''، ولم يكن ثوبا واحدا بل عدة أثواب، ويتولى العريس وأمه وأخته شراء ما يلزم، أما العروس وأهلها فلا يتدخلون في المشتريات حسب العادات المتعارف عليها''· وتسترسل أم سلطان مع تقاليد العرس القديم، فتقول: ''كان الفرح أجمل حيث عفوية الناس ومحبتهم لبعضهم كانت تتجلى أكثر في الأعراس والأعياد والمناسبات، على ضوء ''الكاز''، البنات ''ينعشن'' والشباب ''يحوربون''، وكذلك ''الركاب'' أي سباق الخيل في حفلات الأعراس، والفائر جائزته أن يصبوا الزعفران والمحلب على رأس فرسه· لم تكن تكلفة العرس مرهقة وكل حسب استطاعته· كان (المهر) 4000 درهم، بينما نسمع اليوم عن مهور تصل إلى 200 ألف درهم''· تهز أم سلطان رأسها وهي تقول: ''لم يعد عند الناس قناعة، وأصبحت المظاهر هي الأساس في الزواج، رغم أنها ترهق العروسين وتغرقهما بالديون''، لكن السيدة فاطمة البنت الكبرى لأم سلطان تختلف مع أمها في طقوس الاحتفالات بالأعراس، فهي ''بنت اليوم وترى في فستان الزفاف الأبيض حلم كل فتاة، وكذلك الحفلات في الفنادق الراقية، كما أن المهر الغالي شيء ضروري مع فرق قيمة العملة''· وتشير فاطمة إلى أن الإنفاق على العرس ضروري، ولكن ضمن حدود الوضع المادي للعائلة· وتوضح قائلة: ''جرت العادة لدينا بأن يتضامن الأقارب والأصدقاء مع ''المعرس'' أي العريس، ويقدمون ''الواجب'' وكأنهم يد واحدة، والأعراس الجماعية شيء من هذا التضامن، وهي خطوة جيدة واقتصادية''· وتؤكد فاطمة أن الأفراح يجب أن يصرف عليها، ليبقى العرس صورة حية جميلة في الذاكرة· وتضيف: ''إن التطور لا يعني أن نبتعد عن تراثنا وعاداتنا· أنا أقيم في أبوظبي وفي برج حديث، ولكنني أزور البادية كل أسبوع وفي العطلات، وأعلم أولادي ركوب الخيل والجمل، وأعرفهم على العادات البدوية من حلب الإبل والغنم وخدمة النخل، وجذاذ النخل أي ''قصُّه''· طقوس الولادة لدى أم سلطان، ثمانية أولاد؛ ثلاثة شباب وخمس بنات، وهي لا تزال تتمتع بالهمة العالية والشباب الدائم، وقد أنجبتهم، حسب قولها، قبل وجود المشافي والأطباء والقابلات، وتحملت - مثل غيرها من الجدات- أعباء إدارة الأسرة والتربية في زمن غياب الأب لفترات زمنية طويلة للغوص أو التجارة، أو رحلات ''الركاب'' التي تقوم إلى مكة المكرمة بمناسبة موسم الحج، وتستمر حوالي شهرين· وعن عملية الولادة قديماً تقول أم سلطان: ''كانت الولادة تتم بمساعدة امرأة مختصة ''داية''· صحيح أنها غير متعلمة ولكنها كانت جيدة في عملها نظرا لخبرتها الطويلة· وبعد أن يتم الوضع بالسلامة تقوم ''الداية'' بربط الحبل السري، ثم تقصه بعد مسافة معينة تقيسها بالشبر، وتحمم المولود بالماء الدافئ الذي يكون محضرا لذلك، ثم تلتفت إلى الأم لتقوم على رعايتها حيث تشد بطنها بشال أو قطعة قماش قوية، لتكون مثل ''زنار'' عريض، يسند الظهر ويحمي عضلات البطن من الترهل والاسترخاء''· وتتابع أم سلطان: ''كانوا يستعملون محلول الملح بالماء الدافئ لتعقيم الأم والولد لمدة عشرة أيام، ويستمر دهن جسم الطفل بالزيت والريحان لمدة أربعين يوما· وبعد ذلك يكون الخطر قد زال عن الأم والمولود، فتقام حفلة ''الأربعين'' بتحضير وليمة كبيرة تضم الأهل وأبناء الحي· أما في غياب أبو سلطان فكانت تساعدني أمي و''حرمة'' عمي لأنهما كانتا عندي في البيت· وكان يوجد تضامن متين بين الأخوة والأخوات، الجدة والجد يشرفون على تربية الأولاد، يقصون لهم الحكايات القديمة، ويعلمونهم الصناعات اليدوية، ومنهم من كان يتعلم قراءة القرآن الكريم''· أنا والنخلة وتروي أم سلطان حكايتها مع النخلة فتقول: ''كنا ''نقيظ'' أي نسقي شجر النخيل من الآبار عند ارتفاع الحرارة في شهور الصيف، وللرطب عدد من الأسماء والأنواع، والنخل منه الأنثى والذكر، لذلك أنا أوجه العمال في ''تنبيت'' النخل (وهي عملية تتضمن قص الشجرة من الأعلى ووضع جزء صغير من شجرة أخرى تحمل الثمر)، ويسمى هذا الجزء ''فحال'' يربط على النخلة لتصبح من الأشجار المثمرة''· وتمتد خبرة ام سلطان أبعد من ذلك، ''فعندما تظهر أي أعراض غير طبيعية على الأشجار أو أمراض أوجههم إلى العناية بها ومعالجتها''· وتضيف: ''في زمان أجدادنا وآبائنا كان التمر واللبن و''البوش'' مصدراً من أهم مصادر الرزق''· ووفق أم سلطان، فهي تمتلك ناصية كل الفنون التراثية، وتستطيع تصنيع كل الأدوات التي تصنع من شجرة النخل، وتغزل في المغزل الخيوط المأخوذة من صوف الغنم ووبر الجمال، وتصنع منها حقائب ومفارش، كما تصنع من السعف ''الخوص'' أنواعاً عديدة من السلال مثل: ''الجفير''، و''المزماة''، و''القفة''، و''المسف''، و''المهبلة'' أو ''المهفة''، والسمة أو ''الحصير'' و''السرود'' أو غطاء الطعام وغيرها من الأدوات· وتلفت إلى أنها متميزة في صناعة ''العريش''، وهو المنزل الذي كان يسكنه الناس في الصيف، ومن صنع يدها أبدعت مختلف الأشغال الجميلة التي يضمها بيت تقليدي أقيم في الصحراء، على بعد ربع ساعة بالسيارة من منزلها، وصنع من جريد النخيل المشبوك مع بعضه، وتقول عن بناء البيت: ''يبدأ البناء بحفر مواقع تشكل أركان البيت، ثم تغرز في داخلها ''اليدوع'' أي الجذوع المأخوذة من جذوع النخل، وهي بمثابة الدعائم، وتثبت في الأرض، ويتم وصل الدعائم ببعضها البعض بـ ''المزقن''، وهو قطعة من جريد النخل تشكل جدران البيت، وتنشر قطعة أخرى من ''المزقن'' فوق الجدران لتكون سقف البيت، وفي واجهة البيت توضع ''ردة'' وهي أيضا من جريد النخل، كما يدعم خلف البيت بقطع أخرى من الجريد· ينبع حب أم سلطان لشجرة النخيل والتراث من حبها لهذه الأرض، حسب تعبيرها، ومن حبها لوطنها الذي أحبه المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن ســــلطان آل نهيان ''رحمه الله'' وبنى دولته الحديثة على أرضه، وهي تعمل بتوجيهات صاحب الســـمو الشـــيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ''حفظه الله''، وبتوجيهات الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، والتي تقضي بضرورة حماية التراث، وحفظه، وإحيائه·
المصدر: المنطقة الغربية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©