الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإعدام لا يكفي

الإعدام لا يكفي
14 ابريل 2011 20:19
«شعبان» شرير بطبعه لا يستطيع أن يعيش ولا تحلو له الدنيا بلا مشاجرات، والمشاكل غذاؤه المفضل ولا يعرف إلا أصدقاء السوء الذين هم على شاكلته وضع على وجهه قناع الحمل الوديع. عندما تقدم لخطبة «نادية» وهي لا تعرفه من قبل ووافقت على الزواج منه رغم تحفظات أهلها ولكنها أصرت على موقفها للهروب من المعاملة السيئة من زوج أمها الذي اقترنت به بعد وفاة أبيها لكن «نادية» خرجت من حفرة لتجد نفسها سقطت في بئر لأنها بعد الزواج انتقلت للإقامة في بيت أسرة زوجها. ولقيت من حماتها صنوفا من العذاب والتبكيت وسوء المعاملة وبعد عدة اشهر أصرت على أن يدبر لها مسكنا مستقلا لتنجو ولأنه يحبها استجاب لرغبتها واستأجر لها غرفة حسب إمكاناته المحدودة فهو مجرد عامل يتحصل على رزقه يوما بيوم ولم يكن ذلك يزعجها ولا تفكر فيه لكنه تخلى عن مهامه ومسؤولياته واصبح يبحث عن ملذاته وسهراته. فشلت «نادية» في تقويم زوجها وإصلاحه ومع ذلك تحملت سوءاته ليس رغبة فيه ولا حبا في الحياة معه وإنما حفاظا على طفليهما وكي لا تعود مرة اخرى إلى رجل أسوأ منه هو زوج أمها ورغم هذا البؤس وما ارتضته منه لم تسلم من آثار مشاكله معها ومع الآخرين فلا يكاد يمر يوم بلا معركة أو مشاجرة أو مشكلة وكانت الخلافات هذه المرة مع واحد من أصدقائه المقربين لأن الصداقة وهمية في منبت سوء وأوكار مشبوهة وتم القبض عليه وصدر حكم بحبسه ستة اشهر تم تنفيذها على الفور وان كانت مضت عليه بطيئة ثقيلة فقد مضت عليها مثل عدة ساعات لأنها استراحت منه خلال تلك الفترة ومضت الأشهر وخرج بعد فترة العقوبة وبدلا من أن يكون السجن إصلاحا وتهذيبا وتأديبا زاده قسوة وشراسة بل أصبح يتباهى بأنه من أرباب السجون والسوابق وراح يفرض سطوته على من حوله بالإتاوات ويسرق ما يستطيع ان تصل اليه يداه. ضاقت الدنيا أمام «نادية» وهي في هذه الأجواء حتى تم القبض عليه مرة ثانية في قضية سرقة وأخلت النيابة سبيله لحين انتهاء التحقيقات وإحالته إلى المحاكمة وقبل أن يتم ذلك امتدت شروره إلى أسرتها فقد حاول التعدي على أمها بالضرب بعد أن تطاول عليها بالسباب والشتائم من قاموسه الخاص وتدخل خالها معاتباً له ودعاه لمراعاة صلة المصاهرة والقربى فاستل سكينا وطعنه في صدره طعنة كادت تودي بحياته لولا انه مازال في عمره بقية وألقي القبض على «شعبان» وتم حبسه وصدر ضده حكم بالسجن خمس سنوات. كانت «نادية» بين نارين فهي زوجة لبلطجي محبوس استراحت من شروره مؤقتا ومازالت تواجه آثار تصرفاته ومسؤولية الطفلين فبحثت عن عمل للإنفاق عليهما وعلى نفسها إلا ان وجدت فرصة كحارسة لاحدى البنايات رغم أن هذه المهنة لا يصلح لها إلى الرجال غير أنها استطاعت أن تقوم بها وتؤدي الخدمات للسكان كما يجب. وفي أحد الأيام قام ملثمون وعصابات على شاكلة «شعبان» باقتحام السجون في ظل الانفلات والغياب الأمني فهرب «شعبان» مع من هربوا إذ انه لم يمر من فترة عقوبته سوى أشهر قليلة ومازالت الأيام طويلة امامه وفي كل الأحوال استغل الفرصة وهرب عائدا إلى زوجته وأولاده. لم تكن «نادية» سعيدة برؤيته ولا تريد طلعته لكنها أمام أمر واقع لا اختيار لها فيه وهي تعرف انها لا تستطيع التأثير عليه لكن لم تقبل تصرفه وطلبت منه أن يعود إلى محبسه ليقضي العقوبة، بدلا من المزيد من العقوبات، فرفض وبالغ في عناده، وحسم موقفه بأنه لن يعود إلى الزنزانه الضيقة والحرية المقيدة مرة أخرى بعد أن نجا من كل ذلك، ووصل الخلاف بينهما إلى طريق مسدود، وأبلغته صراحة بأنه إن لم يترك الصغيرين وشأنهما فربما تضطر إلى أن تبلغ عنه. وللمرة الأولى منذ عشر سنوات هي فترة زواجهما يتفقان على شيء، وكان هذا الشيء هو «الطلاق» مقابل أن يتركهم ولا يتحمل نفقاتهم، فقط من حقه أن يرى ابنيه مرة كل أسبوع بالتراضي بينهما، وبعد مرور شهر واحد من الانفصال، عاشته «نادية» هانئة هادئة، جاء ليطلب منها أن تعود اليه، وما كان لها أن تقبل بهذا بعد أن تخلصت من حمل ثقيل، ورفضت حتى مجرد النقاش في هذا الأمر، فلم تكن هناك ميزة واحدة تجعلها تعود اليه، بل يكفي أنها تخلصت منه. على مدى شهر ثان وهو يتنقل متخفيا هنا وهناك، ويتحرك ليلا ويختفي نهارا خشية وقوعه في أيدي رجال الشرطة، لم يمل من تكرار طلبه، ولا يجد إلا نفس الرد بلا هوادة ولا لين، فلجأ لأسلوبه وطريقته في القسوة والتهديد والوعيد بأنه سيقتلها، فلم تخف ولم تغير موقفها، ربما لأنها ترى أن الموت أكثر رحمة وراحة من الحياة معه. اليوم هو الموعد الأسبوعي للقاء ابنيه، توجه إليهما واصطحبهما معه ولكن قبل أن يعيدهما في آخر اليوم، اتصل بها ليخبرها بأنه ذبحهما وتخلص منهما انتقاما منها ليحرق قلبها عليهما، ويعاقبها لأنها رفضت مطلبه، لم تصدق قوله، واعتبرته مجرد ضغط وتهديد ليجبرها على أن تعود اليه، فلا يعقل أن يقتل إنسان طفلين في عمر الزهور، فما بالك وأن هذين ابناه وفلذة كبده، إلا أن قلبها اهتز وارتجفت لمجرد أنها سمعت هذه الكلمات. وبدأ الخوف يتملكها أكثر بعد ما جاء المساء ولم يعد إليها الولدين كالمعتاد في المرات السابقة، وفوجئت عندما اتصلت به بأن هاتفه مغلق باستمرار ولا يرد ومضت ليلتها تضرب أخماسا في أسداس، حائرة لا تدري كيف تتصرف. في الصباح بحثت في كل مكان فلم تجد له ولا لهما أي أثر، فاضطرت لإبلاغ الشرطة وحررت محضرا بتفاصيل ما حدث، وبدأ البحث عن الثلاثة الغائبين، وجاءت نتيجة اليوم الأول بلا نتيجة تذكر، وفي اليوم الثاني كانت المفاجأة التي لا يصدقها عقل ولا علاقة لها بالواقع، فقد عثر على جثتي الصغيرين تحوم حولهما الكلاب الضالة في منطقة نائية مهجورة مذبوحين، مشهد يدمي القلوب القاسية، وتنهار الأم وتسقط مغشيا عليها عندما ترى هذين البريئين وآثار الطعنات والذبح في جسديهما الضعيفين. وبدأ البحث عمن لا يستحق أن يطلق عليه لقب الأب، إذا لم يصل حتى إلى مرحلة الحيوانات والكلاب والقطط التي تموت دفاعا عن صغارها بينما طاوعته يداه وذبحهما بلا ذنب، وأخيرا عثر عليه يغط في نوم عميق في مكان بعيد، وعندما ألقي القبض عليه لم تهتز منه شعره ولم يكن الأمر مفاجأة له، بل ظل متماسكا ثابتا يدلي باعترافاته بكافة تفاصيلها وكأنه يروي قصة خيالية بعيدة عن الواقع ولا علاقة له بها، واستمر كذلك حتى وهو يمثل جريمته وكيف ارتكبها وأعادوه إلى نفس المكان، وتقع عيناه على أثار الدماء فكأنها ماء، ويتم اقتياده لتنفيذ العقوبة السابقة لحين محاكمته في هذه القضية وصدور حكم عادل هو الإعدام، والإعدام ايضا لا يكفي ولا يشفي غليل «نادية» التي لا تتوقف دموعها، ولم تصدق الموقف كله حتى الآن وتعتقد أنها في كابوس ثقيل تتمنى لو أنها استيقظت منه.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©