الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«أحبّ النساء واليهود وفرنسا!»

«أحبّ النساء واليهود وفرنسا!»
10 ابريل 2013 20:40
كلّ كتاب يصدر في فرنسا ويكون موضوعه الإسلام، يلاقي اهتماماً كبيراً من الإعلام والنقاد لغايات شتى، بعضها موضوعي سعياً لفهم دين أصبح هو الدين الثاني في بلاد الغال، وبعض الآخر بغية التشويه والانتقاد. ففي فرنسا اليوم يعيش ويقيم 6 ملايين مسلم يحملون الجنسيّة الفرنسيّة أو من ذوي الجنسيات المزدوجة، وأكثرهم من أصول عربيّة، وتحديداً من تونس والجزائر والمغرب، وهي الدول التي استعمرتها فرنسا سابقاً. وتزداد باستمرار أعداد الكتب الصادرة في فرنسا أو بالفرنسية التي تهتم بالإسلام والمسلمين، وتلاقي دائماً اهتماماً من النقاد ورواجاً لدى القراء، والمؤكد أن هناك عدداً من الكتّاب والمفكّرين والصحفيين الفرنسيين لا همّ لهم في كلّ ما يكتبون إلاّ التخويف من الإسلام الذي غالباً ما يلصقون به نعت «التطرف» والتهويل لكل موقف أو رأي له صلة بالديانة الإسلامية، كما أنّ هناك نخبة من الأكاديميين والمفكّرين ـ وهم قلة ـ يحلّلون كل ما له صلة بالإسلام برصانة وموضوعية. حسن الشلغومي، مؤلف هذا الكتاب، هو إمام جامع في إحدى المدن الفرنسية، وهو من أصل تونسي وقد اشترك معه في تأليف الكتاب دافيد بوجاداس وهو فرنسي يهودي و»نجم» تلفزيوني يقدّم النشرة الإخباريّة الرئيسيّة في الثامنة ليلاً بالقناة الفرنسيّة العموميّة (فرانس2). وهذا الكتاب الذي جاء في قالب سؤال وجواب بين حسن الشلغومي والصحفي، هدفه «تلميع» صورة الشلغومي وإرجاع شيء من الجميل له، مقابل الخدمات الكثيرة التي قدمها للسلطات الفرنسية وإلى اليهود الفرنسيين. والإمام يقدّم نفسه كرجل مسلم معتدل يدعو إلى إسلام وسطي، وقد جاء في الكتاب على لسانه حرفياً: «إنّي أحبّ النساء واليهود وفرنسا!». وعنوان الكتاب هو: «فلنتحرّك قبل فوات الأوان»، وتحته عنوان فرعي هو على الأرجح من وضع الناشر للترويج للكتاب يقول: «تحدي إمام». والكتاب لاقى هوى لدى النقّاد حتّى أنّ أحدهم وصف الإمام بأنّه «الإمام المثالي» الذي يمثّل ما يسميه النقاد «إسلام الأنوار»، الذي يمكن أن تكون فرنسا مختبراً له على حدّ تعبير الناقدة إليزابت ليفي وهي يهوديّة مثلما يدلّ عليه اسمها. علاقات مشبوهة والإمام المؤلف يدعو في كتابه هذا بإلحاح وحماس إلى ضرورة «التحرّك» السّريع حتّى لا ينشأ أبناء الفرنسيين المسلمين على كره فرنسا ويصبحون أعداء لها، وله في ذلك برنامج هو في جوهره برنامج السلطة الفرنسية. والمؤكد أنّ حسن الشلغومي أصبح ـ بتبنيه لمثل تلك الأفكار والآراء ـ «نجماً» يتهافت الصحفيون وكاميرات القنوات التلفزيونيّة على استضافته، لأن «آراءه» ومواقفه لاقت هوى في نفس السلطة ولدى جانب من الرأي العام الفرنسي، في حين أنّ جانباً كبيراً من الفرنسيين المسلمين تناولوا آراءه في هذا الكتاب بكثير من الحذر والشك. بل إنّ البعض لم يجد حرجاً في وصف مؤلف هذا الكتاب بـ»إمام اليهود». وإذا كان حسن الشلغومي يحظى بشعبيّة كبيرة في الإعلام الفرنسي الباحث دائماً عن الإثارة و»المختلف»، فإنّه محلّ ريبة لدى المسلمين الفرنسيين بل ومحل نقد لاذع، وهو متّهم بأنّه قريب جدّاً من «السلطة» وأنّه يعمل على خدمة السلطة وتنفيذ أوامرها ونشر مواقفها وآرائها بتبنيه لها وتمريرها بوصفه إمام مسجد. والملاحظ أنّ المسلمين الناشطين في فرنسا هم منقسمون مللاً ونحلاً، وكلّ مجموعة تتبع إمّا لبلادها الأصليّة أو موالية لجهة من الجهات، في حين أنّ أغلب المسلمين هم يؤدون واجباتهم الدينيّة دون تعصّب أو تشدّد أو موالاة لأيّ جانب أو جهة مهما كانت، علماً بأنّ الشؤون الدينيّة للمسلمين تابعة إدارياً لوزارة الداخليّة الفرنسيّة، والإمام حسن الشلغومي مؤلف هذا الكتاب ربطته علاقات طيّبة جدّاً مع نيكولا ساركوزي وهو اليوم تربطه علاقات ممتازة مع وزير الداخليّة في الحكومة الاشتراكية الحالية، ومعروف لدى الجميع أن وزير الداخلية الفرنسي هذا متشدد إزاء الإسلام والمسلمين وله تصريحات في هذا السياق أثارت زوبعة، والحقيقة أنّ المؤلف يتودّد كثيراً في كتابه هذا لليهود الفرنسيين ويقدّم نفسه على أنّه صديق لهم. ولأنّ اليهود في فرنسا يمثلون «لوبي» قوياً يتحكم في قطاع الإعلام المكتوب والمسموع والمرئي، فقد صنعوا من الإمام حسن الشلغومي «نجماً»، وقد اغترّ الرجل بالمكانة التي صنعها له الإعلام وأصبح مستمتعاً بهذه النجوميّة، ولأنّه أصبح مقرباً من «السلطة»، فقد امتلكه الإحساس بأن له «نفوذ»، بل إنه يعتقد أن بإمكانه أن يلعب دوراً وربما يقع تكليفه رسمياً بمهمة أو يتقلد بعض المسؤوليات، وفي هذا السياق جاء تأليفه لهذا الكتاب لمزيد من تلميع صورته تزلفاً للسلطة ولجانب من الرأي العام الفرنسي، وتقرباً من اللوبي اليهودي في فرنسا. واللافت أنّ هذا الإمام زار إسرائيل مرّات عدة، كما زار أيضاً الأراضي الفلسطينية المحتلّة. ولتلميع صورته لدى الإعلام الفرنسي، فإنّ الإمام حسن الشلغومي لم يخف «انشغاله» بفوز حركة «النهضة» ذات التوجه الإسلامي في الانتخابات التونسيّة التي جرت في أكتوبر 2011. وهو يدعو في كتابه إلى ما يسميه «إسلام فرنسي»، وهو تعبير عزيز على النخب الفرنسيّة المعادية للعرب والمسلمين، وهي نخب عادة إما تنتمي إلى اليهود الفرنسيين أو مقربة منهم. الشجرة والغابة وعلى امتداد كل فصول الكتاب، فإنّ المؤلف يتودّد بشكل مبالغ فيه إلى اليهود الفرنسيين وإلى السلطة الفرنسيّة، ويسعى لنيل رضاهم واستحسانهم، على الرغم من أنه لا يمتلك نصيباً كبيراً من العلم، ولا إشعاع له حتّى بين التونسيين المقيمين في فرنسا الذين يرون فيه «نموذجاً لمن يريد أن يكون ممثلاً للدين الرسمي». وقد عمد عدد من المسلمين الفرنسيين إلى وضع «فيديو» على موقع «يوتيوب» يعري حقيقة الشلغومي الذي قدّم شكوى للقضاء، متّهماً أصحاب هذا «الفيديو» بالإساءة إليه. وإمام المسجد يبدو أنّه «مستمتع» بهذه الشهرة، فهو ما فتئ يستفزّ المسلمين الفرنسيين من خلال تقديم نفسه مسلماً «معتدلاً» مقارنة بمن يسميهم المسلمين المتشدّدين. وآخر «المبادرات الاستفزازيّة» لهذا الإمام، سعيه في فرنسا يوم 4 فبراير 2013 لوقفة تضامنيّة مع عدد من أئمة المساجد في فرنسا، تضامناً مع ضحايا «المحرقة» اليهوديّة، ولم يستجب لهذه المبادرة إلاّ عدد قليل جدّاً من «الأئمّة»، وكانت محلّ نقد من كثير من الأطراف. وما زاد في «استفزاز» المسلمين الفرنسيين هو اغتنام وزير الدّاخليّة الفرنسي هذه المناسبة لشنّ حملة على الإسلام وتأكيده أنّه دين لا يتلاءم مع «قيم الجمهوريّة» في فرنسا. والمؤكد أنّ الإمام قد تعرّض لمحاولات كثيرة لطرده من إمامة المسجد في مدينة «درانسي»، ولكنّه وبسبب ما يحظى به من دعم رسميّ، فقد نجح في المحافظة على إمامته، بل إن الدولة الفرنسيّة سخرت له «حماية» دائمة وحراسة مشدّدة درءاً لأيّ خطر قد يهدّده. وتتولى العديد من الأوساط القريبة من اللوبي اليهودي الفرنسي الترويج لمواقف وآراء هذا الإمام وتلميع صورته، ووصلت إلى حدّ الادّعاء بأنّه يمثّل «الغابة»، وأنّ الآخرين كلهم يمثّلون «الشجرة» لإيهام الناس بأنّ حسن الشلغومي هو «الناطق» باسم المجموعة الكبيرة الصامتة من المسلمين الفرنسيين. والمؤكد أنّ ممثلي الإسلام «الرسميين» في فرنسا تبرّأوا منه واتّهموه جهراً بأنّه رجل يدفعه «الطموح الشخصي» لاتّخاذ مواقف في هذا الكتاب لا تحظى بالإجماع، ولكن الإعلام «المتصهيّن» يصرّ على القول إنّ المهمّ ليس حسن الشلغومي في حدّ ذاته ـ حتّى وإن كان مرفوضاً ومكروهاً ـ بل المهمّ هي الآراء والمواقف التي يبثها سواء في هذا الكتاب أو في منابر أخرى دينية كانت أو إعلامية، ومن هذه الآراء التي وردت في الكتاب الدعوة إلى «إسلام فرنسي»، يرى جلّ مسلمين فرنسا أن فيه طمساً لهويتهم، ويصرّ اللوبي اليهودي على أنّ حسن الشلغومي ليس هو «المشكل»، بل إنّ «آراءه» هي «الحلّ»! عنصرية ملتبسة وهذا اللوبي يريد أن يشيع لدى الرأي العام الفرنسي أنّ «الإسلام» هو دين عنف وجهاد، وأنّه يمثّل «خطراً» على فرنسا والفرنسيين!، والمطالع للكتاب ينتبه بسرعة إلى «التواطؤ» المفضوح بين الصحفي والشلغومي من خلال أسئلة الصحفي الموجهة وأجوبة إمام المسجد المتوقعة لإظهار هذا الأخير في مظهر العالم بشؤون الدين والمتبحر فيها. ورغم محاولاته لتحليل مفهوم «الجهاد»، متظاهراً بالدفاع عن الدين الإسلامي، إلاّ أنّ مساعيه باءت بالفشل، لأنّ «النوايا» ـ كما يقول النقاد ـ غير بريئة وغير صادقة وغير نزيهة. والشلغومي في الكتاب يهاجم «الإخوان» وينتقد طارق رمضان المفكّر الإسلامي المقيم في أوروبا. ويذكر الشلغومي المناظرة التلفزيونية التي جمعت منذ أعوام بين طارق رمضان والرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، وينتصر الإمام الفرنسي لآراء ساركوزي ويهاجم رمضان، متهمّاً إيّاه بأنّه وفيّ لقناعة «الإخوان» القائلة إنّ الإسلام هو في صراع مع الغرب. ويجادل إمام المسجد آراء طارق رمضان المدافعة عن الشبان المسلمين في فرنسا الذين يعانون التمييز. و»يفضح» الشلغومي ضعف حجّته عندما يهلّل لفرنسا التي قال إنّها «تفتح أبوابها للجميع»، وعندما سئل عن العنصريّة التي يكنها بعض الفرنسيين للعرب وللمسلمين، أجاب: «العنصريّة موجودة في كلّ بقاع الأرض»، وضرب مثلاً بأنّ سكّان شمال المغرب العربي هم «عنصريون» إزاء الجنوب في بلدانهم ذاتها، مضيفاً: «أنا متأكدّ أنّه لو طلب المسيحيون في تونس أو الجزائر تخصيص أماكن لأداء صلواتهم لكان الأمر معقّداً». وتناسى الشلغومي أن في قلب تونس العاصمة كنيسة كبيرة يؤمها المسيحيون لأداء صلواتهم في دعة وأمان، وأنّ كنائس أخرى كثيرة للمسيحيين واليهود موجودة في تونس، ولكنّ المؤلف يغالط الرأي العام الفرنسي تزلفاً وكذباً. محاولاً دون توفيق التنظير بسطحيّة للائكية، مكرّراً آراء السلطة ومجتراً لمفاهيم بالية ولم تكن له القدرة على التعمّق فيها أو تفكيك رموزها، مكتفيّاً بترديد عموميات سطحيّة تنمّ عن ثقافته المحدودة رغم محاولات الصحفي الذي لا شكّ تكبّد معاناة إعادة تحرير الأجوبة إصلاح ما يمكن إصلاحه. واللافت أنّ الشلغومي يكرّر في كتابه معارضته الشديدة لبناء الصوامع في المساجد بفرنسا بحجّة أنّ «الصومعة» تثير ردود فعل سلبيّة لدى غير المسلمين، تصل حسب رأيه إلى حد «الصدمة»، وللاستدلال على صواب رأيه ضرب مثلاً بما حصل في سويسرا، قائلاً إنّ السويسريين أجروا استفتاء بيّن أنّ المواطنين يمانعون بناء الصوامع في بلادهم. والشلغومي في هذا الكتاب يرى أنّ الإصرار على بناء الصوامع في فرنسا هو «استفزاز» لمشاعر غير المسلمين. ولا يخفي الصحفي الفرنسي دافيد بوجاداس المشترك في تأليف الكتاب من خلال إلقاء الأسئلة على الإمام الشلغومي، أنّ هدفه هو «تقديم رجل لا بدّ لفرنسا أن تعترف به، لأنّه يدافع عن قيم الجمهوريّة»، والحقيقة أنّ دافيد بوجاداس سعى أيضاً إلى جرّ حسن الشلغومي إلى فخاخ كثيرة، فقد سأله مثلاً: «أنت أب لخمسة أطفال وكلّهم مسجّلون ويدرسون في مدارس كاثولوكيّة، لماذا؟»، ولم يجد الشلغومي من جواب إلاّ القول إنّ تلك المدارس الأفضل والأحسن! والغريب أنّ الشلغومي «المهاجر» يرى أنّه على فرنسا تكوين «أئمة» في هياكلها الإدارية، وعدم السمّاح لمن يسميهم «الأجانب من الجزائريين والسعوديين والمغاربة» لممارسة الإمامة في المساجد الفرنسيّة! والكتاب صدر يوم 14 فبراير 2013 وتضمن في كل فصوله دعوة حسن الشلغومي الفرنسيين إلى «اليقظة» من المسلمين المقيمين في فرنسا، والانتباه إلى من يسميهم المتشددين، مؤكداً أن الشباب من العرب والمسلمين المولودين في فرنسا والحاصلين على الجنسية، تنقصهم النخوة والفخر بالانتماء إلى فرنسا. ويجد إمام المسجد متعة في تكرار في كل صفحة تقريباً: «وطننا فرنسا».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©