الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

.. ما ينفع الناس!

.. ما ينفع الناس!
10 ابريل 2013 20:34
تميزت الأيام الثلاثة الأولى من مهرجان أيام الشارقة التراثية في دورته الـ 11 بحضور كبير للجمهور، بخاصة الأطفال، وقد غصت ساحة «منطقة التراث» بأشكال متنوعة من العروض: ألعاب، ومحلات للأطعمة وللملبوسات، ومسارح، ونماذج لحارات ولأزقة وطرقات وبيئات صحراوية وبدوية وزراعية، علاوة على صالات للندوات وللشعر والغناء والرقصات إلخ.. بعبارة واحدة بدا المكان، المطبوع بطراز معماري تقليدي، كرنفالياً بكل معنى الكلمة. هذا الملمح المرئي شديد التنوع، كان مصحوباً بأصوات متباينة ايضاً، وهي صادرة من أمكنة مختلفة هنا وهناك عبر مكبرات الصوت المنتشرة في كل بقعة تقريباً؛ ثمة أشعار وأغنيات وأهازيج وموسيقى، وبينها الصوت البشري الفخيم ثمة الرقيق.. هناك صوت جماعي وآخر فردي إلخ.. ولا يمكن ان نغفل هنا الروائح العطرية الذكية السابحة في فضاء المكان، والتي تمتزج أحياناً بالنكهات القوية للأكلات والمشروبات الشعبية، بحلوها ومالحها، باردها وساخنها، والتي انتشرت مطابخها في صف طويل (درب الطيبات) على المدخل الشمالي وقد تعددت مسمياتها لجذب أو لفت نظر المارة من أمامها. إذن، صُمم فضاء المهرجان في معظمه على هيئة سوق متعددة المبيعات وهو أمر له جذر في الذاكرة التراثية، إذ ان ما كان يجمع الناس قديماً، في معظم الحضارات، هي الأسواق أكثر من أي شيء آخر؛ فالسوق هي مكان الاجتماع والاستنفار والأشعار، بكلمة هي مكان الجماعة؛ إلى جانب كونها ساحة للبيع والشراء بالطبع. من هنا، تجد في ساحة المهرجان ان الأكشاك الصغيرة المتراصة لعرض وبيع الملبوسات الشعبية توازي المسرح المخصص لعرض الأزياء، وثمة ساحة أخرى لعرض وبيع الألعاب الشعبية، يوازيها المسرح المخصص لمسابقات وعروض طفولية، كما توازي أسواق البحر والزراعة والطب الشعبي صالات وأمكنة تعرّف بمفرداتها ومتعلقاتها. هو مهرجان ثقافي في الأساس، وهدفه إحياء أو استعادة الأشكال والمضامين الفنية والاجتماعية للتراث الإماراتي، ولكن إدارته تقدم ذلك بحساسية اقتصادية عالية، إن جاز القول، فأغلب المعروضات هي للبيع بدءاً من المشروبات كالشاي بالحليب إلى المنسوجات اليدوية والعطور وأدوات الحرف التقليدية الأخرى؛ ولعلها لو لم تكن كذلك لما كان لها ان تستمر وتعيش في النبض اليومي لحياة الناس، أزمنة تلو أزمنة. فما يباع ويشترى ويظل محتفظاً بقابليته على العرض والطلب، يمكن له ان يعيش أكثر دائما، تلك هي القاعدة التي يمكن ان تخرج بها حين تطوف أجنحة المهرجان المختلفة؛ فما يبقى هو ما ينفع الناس في مأكلهم ومشربهم ومزاجهم وعلاجهم وأفراحهم وأتراحهم وأسمارهم! ما يجدر ذكره هنا ان إدارة المهرجان تستضيف في الدورة الحالية العديد من المؤسسات والمراكز وتنشط معظمها في الساحة الخاصة بالمنتجات الشعبية ومن بينها سوق «أول فال» وهي مخصصة لدعم المشاريع الجديدة للشباب والناشئة الإماراتيين، وهناك سوق» خوصة بوصة» لدعم مشاريع الأطفال من عمر 6 إلى 10 سنوات. أماكن في المكان لكل تظاهرة مكانها، دينية كانت أو رياضية ام فنية. وحين نفكر بذلك في إطار هذا المهرجان الذي شاءت إدارة التراث بدائرة الثقافة والإعلام في الشارقة ان تنشط فعالياته في «ساحة التراث»، فإن ما يلفتنا هو ان المهرجان لم يكتف باللمحة الشعبية التي تتميز بها الساحة ببيوتها وباحاتها وأزقتها؛ فثمة لمحات مكانية جديدة أرتأت إدارة المهرجان تصميمها، لمزيد من الخصوصية، إذ نجد في البيئة الصحراوية، على سبيل المثال، دائرة واسعة من الخيام وقد ارتفعت أمامها كثبان رملية محدودة ومحددة، وفي البيئة الزراعية ثمة «اليازرة» وهي تقنية سقاية لمزارع النخيل، وتمتد في مساحة طويلة لافتة؛ وفي البيئة البحرية ثمة مراكب وسوق صغيرة لبيع أغراض الصيد إلخ.. لا بد من التذكير بحقيقة تتصل بعلاقة أمكنة المهرجان الجديدة وساحة التراث؛ فالساحة تضم بيوتات الأعيان والشيوخ وهي بيوت قديمة ولكنها مدنية وحديثة قياساً إلى بيوت البدو في تلك البيئات المتنوعة التي تضمها خارطة الإمارات؛ بهذا المعنى كان لا بد من إضافة بعض الأماكن والساحات الجديدة الخاصة باقتراحات المهرجان. أصالة ومعاصرة وفي الإطار ذاته، لا بد من الإشارة إلى انسجام بعض الأعمال الفنية الخاصة ببينالي الشارقة في دورته الحالية والتي توزعت في منطقة التراث، انسجامها مع الطابع العام للمهرجان التراثي. استلهمت إدارة البينالي ثيمة عروضها هذه السنة من المكان الشعبي نفسه وتتعلق بمفهوم «الفناء/ الباحة» وكيفية استثمارها بأشغال هندسية وفنية لفائدة سكانها، وعلى هذا الأساس تم إنجاز قطع فنية في هيئة مظلات ونوافير وجلسات وحدائق حملت الكثير من خصائص المكان؛ ولقد لاحظنا ان العديد من زوار المهرجان تعاطوا معها على أساس إنها امتداد لذاكرة الإمارات التراثية! وملمح المعاصرة تجلى في مواضع أخرى عديدة من ساحة المهرجان الذي جاء هذا السنة تحت شعار «المعارف الشعبية عماد التراث»؛ ثمة شاشات العرض ومسامع الموسيقي الحديثة بخاصة في برامج المسابقات الموجهة للأطفال ولم تخل المطابخ من منتجات ذات ماركات عالمية إلخ.. كما إن المهرجان ضم صالات لعرض كاميرات كلاسيكية وهي من المقتنيات الشخصية لأحد المهتمين بالتراث، وثمة جناح يقدم تعريفا بسيارة قديمة على ان ذلك لا يبدو طاغياً جداً مقارنة بالحضور القوي للمنتجات التقليدية. تراث وفكر وخصص المهرجان ملتقاه الفكري لموضوعي «التعليم في الشارقة» و»دور التراث الشعبي في تقارب الشعوب» بمشاركة 75 من الإمارات ودول خليجية وعربية؛ وكامتداد للاحتفاء بالتعليم كوسيلة نهضوية مهمة عرفها مجتمع الإمارات منذ نحو 110 سنة خصصت إدارة المهرجان جناحا خاصا حمل اسم «المعارف» ويتعرف الجائل فيه بشكل مفصل على مسارات حركة التعليم في الشارقة والإمارات بشكل عام؛ ويضم الجناح صالة واسعة تنتشر فيها اللوحات المعرفة بالمدارس والمدرسين وأشكال التعليم البدائية إضافة إلى أدوات كانت تستخدم قديماً. ومما يبدو ملفتا في قاعة المعارف هذي تخصيص لوحات مقروءة للتعريف بعلاقة الإماراتيين بالنخلة وثمارها التي منها: البرحي، والخصاب، اللولو، النفال إلخ.. وكذلك تعرف القاعة الدور الكبير الذي تلعبه الإبل في حياتهم وثمة نصوص تعريفية بـ»قفر الأثر» حيث كانت تلك طريقة البدو في كشف العديد من الأمور الغوامض بخاصة الجرائم، وهناك أيضا نص معرف بـ»الغوص»، وآخر يعرف بالعلاجات الشعبية مثل: المسح، العلاج بالماء، الحجامة.. ومعرض للأدوات التي كانت تستخدم فيها، وهناك أيضا تعريف بتقنية الاهتداء بالنجوم وطرق ترميم المباني وسواها. ويستضيف مقهى الدريشة الثقافي اليومي نحو 40 ندوة تغطي كافة القضايا المتصلة بالتراث في علاقته بالفنون والمعتقدات والأمكنة والقصص والألغاز الشعبية والشعر إلخ.. هنا تحضر أسماء ثقافية وإعلامية واكاديمية معروفة وتتفاكر بصفة مفتوحة حول موضوعات الجلسات وقد صُمم المكان بحيث يعطي الانطباع بالمقاهي الشعبية في تلك الأزمنة العتيقة. أطفال التراث الأطفال وألعابهم في كل مكان تقريبا، ثمة مسرح «ملتقى المشاهير» حيث تطرح الأسئلة المتعلقة ببعض الألعاب والألغاز الشعبية؛ وهناك مدينة جبلية للرعب وكذلك ثمة مشاوير على الجمال والأحصنة وعربات تجرها الحمير إلخ.. وهذا المشهد الطفولي أضفى مسحة جمالية ملفتة أغرت هواة التصوير وحاملي كاميرات التلفزة فركزوا عليه دائماً؛ وفي ذلك دلالة على حنين ما لذلك الزمان بالطبع ولكن فيه دلالة أيضا على هيمنة المدينة الحديثة علينا لدرجة أن ما كان ماضياً قريباً نعيشه بات بعيداً وغريباً أو على الأقل ملفتاً للنظر! مشاركات خارجية وانفتح المهرجان هذه السنة على تراثات بلدان مثل قطر والمغرب، كما حفلت ساحته بجنسيات أفريقية وآسيوية وغربية، وقد خصصت إدارة المهرجان مرشدين ومعرفين بالمعروضات باللغتين العربية والانجليزية، فالمهرجان بقدر عنايته بالأجيال الحديثة من الإماراتيين حيث ينبغي ان يلموا بتراث أجدادهم، بالقدر ذاته من المهم بالنسبة للمهرجان ان يطلع الآخرين على المكونات الأولى لهذا المكان، على عمقه التاريخي وذاكرة ناسه الأوائل. معرض للكتاب التراثي وإلى جانب نشرة ورقية تصدرها لجنة الإعلام بالمهرجان ثمة معرض للكتب يضم عناوين مهمة ناقشت قضايا مختلفة في موضوع التراث وهي لأعلام وباحثين إماراتيين وعرب، وتضم المكتبة العديد من الإصدارات التي أمكن لمهرجان أيام الشارقة التراثية ان يقترحها في السنوات الماضية وهي توثق الفعاليات المختلفة التي نظمتها إدارة التراث بالدائرة التي يرأسها الباحث الفلكوري عبد العزيز المسلم، ويشهد المهرجان الذي يستمر إلى يوم 18 ابريل توقعيات لكتب تراثية صدرت حديثاً كما سيوثق الندوات التي ينظمها بصفة يومية في كتب تصدر لاحقاً.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©