الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جورجيا··· ذاكرة الخوف والأمل

جورجيا··· ذاكرة الخوف والأمل
23 أغسطس 2008 01:37
ليس في وسعي أن أكفّ عن القلق المستمر إزاء ما يحدث في جورجيا· فابنتي ونجلي الأكبر هما الآن في العاصمة تبليسي، ويعمل زوج ابنتي ساندرو كيفاتشفيلي وزيراً للصحة والخدمات الاجتماعية· ولست أدري مدى خطورة عمله، وما إذا كان لا يزال عرضة لإطلاق النار عليه أثناء سيره في الشوارع العامة، وما إذا كان قادراً على مساعدة اللاجئين الذين شردتهم الحرب، بعد أن أغلقت روسيا معظم الطرق المطلوبة لنقل المساعدات الإنسانية للمتضررين· وعلى رغم أن ابنتي تتبادل معي الرسائل الإلكترونية، وتطمئنني دائماً على هدوء الأحوال نسبياً في العاصمة تبليسي، إلا أنني لاحظت انقطاع رسائلها من حين لآخر بسبب انقطاع خدمة الشبكة الإلكترونية، وهذا ما يزيد من قلقي وتوتري حتى وإن انتظمت تلك المراسلات معها· وتعود علاقات عائلتي بجورجيا إلى تاريخ قديم· فقد كان والدي نيو جوردينيا هو أول رئيس منتخب لجورجيا الديمقراطية· إلا أنه أرغم على اللجوء السياسي منها في عام ،1921 بسبب غزو الجيش الأحمر السوفييتي لجورجيا وضمها عنوة إلى جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق· وكنتُ قد ولدت في فرنسا ومنها انتقلت لاحقاً إلى الولايات المتحدة الأميركية، حيث أقيم الآن في نيويورك· ومنذ ذلك الوقت لم تتمكن عائلتي من العودة الآمنة إلى موطنها الأصلي، إلا عقب انهيار الاتحاد السوفييتي· ومع ذلك لم تنقطع مطلقاً علاقتي بأرض أجدادي··· جورجيا· فحين كنت تلميذاً صغيراً في فرنسا، كان أصدقائي هم أطفال عائلات اللاجئين السياسيين من جورجيا· ولم يكن يمر يوم واحد على حديثنا اليومي، دون أن يرد فيه ذكر وطن أجدادنا جورجيا باستمرار· ولكثرة ما حدثني والدي عن قرية ''لانشخوتي'' مسقط رأسه هناك، بدت لي تلك القرية أكثر إلفة من الضواحي والمناطق الأخرى المحيطة بأجواء طفولتي في فرنسا· ومن حسن المصادفات أن تاريخ ميلادي هو 26 مايو، وهو اليوم الذي يصادف الإعلان عن استقلال جورجيا· وحين كبرت وعرفت المزيد عن تاريخ بلادي وثقافتها، خيل لي أن الغزو السوفييتي لها في عام ،1921 بل واحتلالها من قبل القيصر في عام 1805 كانا حدثين عشتهما أنا بالفعل، وليسا مجرد حكايتين من حكايات التاريخ المروي· وكانت زيارتي الأولى لجورجيا في عام ،1990 حين كانت تعيش أوج مدها الثوري ضد الهيمنة السوفييتية· وكانت المظاهرات الشعبية تملأ الساحات كلها، بينما تراجع الحزب الشيوعي الجورجي إلى خانة الدفاع· ثم جاءت أهم لحظة وأشدها انفعالاً في حياتي حين بلغت سن التاسعة والستين· عندها كانت قد وجهت إلىّ الدعوة لمخاطبة البرلمان الجورجي، باعتبار أن تلك المخاطبة ستكون رمزاً لتواصل التقاليد الديمقراطية بين جمهورية 1918- 1921 وجمهورية جورجيا الحرة المستقلة الناشئة للتو· وكنت قد كتبت في مفكرتي بُعيد مخاطبتي للبرلمان المنتخب مباشرة: ''لقد بذلت جهداً واعياً في ألا أطلق العنان لانفعالاتي حتى لا تسيطر عليّ نتيجة أي ضعف أبديه في لجمها، ثم تحدثتُ بلغتي الجورجية المكسرة، فاستقبلت كلمتي بترحيب حار· ولكنني لم أدرك إلا لاحقاً أن مصدر كل ذلك التصفيق والترحيب، لم يكن الكلمة التي ألقيتها بالذات، وإنما وجودي هناك لحماً وعظاماً أمام برلمان حر انتخب نوابه وأعضاؤه ديمقراطياً للتو''· وقبلها لم يكن وارداً مجرد التفكير في إمكانية أي انتخاب ديمقراطي حقيقي لنواب البرلمان الجورجي، قبل أشهر فحسب من انهيار الاتحاد السوفييتي· والذي يثير قلقي الآن هو أن تلك الحرية التي نالتها جورجيا قبل 18 عاماً فحسب، بدت الآن عرضة للوأد من قبل موسكو مرة أخرى، مع العلم بأنها هي العاصمة الروسية ذاتها التي واصلت احتلال وقمع بلادنا وخنق حريتها لما يقارب 200 عام· وللذكرى، فإن ما يسمى بالقوى الغربية العظمى حينها، لم تفعل شيئاً لوقف الاحتلال الذي تعرضت له جورجيا من قبل القيصر الروسي في عام ،1805 ولا لوقف الاجتياح السوفييتي لجورجيا في عام ،1921 عدا الاحتجاج اللفظي على ما حدث· غير أن الموقف الغربي تبدل هذا العام كثيراً، إذ وقف كله بقيادة كل من فرنسا والولايات المتحدة الأميركية ضد الاجتياح الروسي الأخير· وبدلاً من مجرد الاحتجاج اللفظي، تدخل الغرب هذه المرة للتوصل لإبرام اتفاق لوقف إطلاق النار وتقديم المساعدات الإنسانية لضحايا الحرب· وإنني لأتفاءل بأن تؤتي الجهود الدبلوماسية أُكلها وأن يبقى الجورجيون أحراراً آمنين في بلادهم·· غير أن التاريخ لم يقف إلى صفنا دائماً· وهذا ما يزيد حقاً من قلقي ومخاوفي· ريدجب جوردينيا كاتب أميركي من أصل جورجي ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©