الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الصين قادرة على زعزعة الاقتصاد العالمي

الصين قادرة على زعزعة الاقتصاد العالمي
23 أغسطس 2008 01:36
بسبب هوس الأميركيين بالمقارنات وتنظيم التراتبيات، فإنه من المرجح أن ينظروا إلى أولمبياد بكين الحالية باعتبارها وجهاً آخر للسؤال الأكثر إثارة لقلقهم: هل تحل الصين محل أميركا باعتبارها أكبر اقتصاد عالمي؟ رداً على هذا السؤال أقول للأميركيين: دعوا عنكم هذا القلق، إذ من المؤكد أن الصين ستتفوق على بلادنا اقتصادياً· ففي الوقت الحالي، لا يزيد حجم الاقتصاد الصيني عن ربع الاقتصاد الأميركي الذي تقدر قيمته بـ14 تريليون دولار· لكن بالنظر إلى معدلات النمو الاقتصادي في كلا البلدين، فمن المتوقع أن يتجاوز حجم الإنتاج الصيني نظيره الأميركي بحلول العشرينيات من القرن الحالي، وفقاً لتكهنات ''جولدمان ساكس''· ومع ذلك فإن القلق الحقيقي إزاء الصين ليس في احتمال تحقق هذه التكهنات، ذلك أن غنى الصين وتفوقها على أميركا من حيث الثروة، لن يجعل من هذه الأخيرة أكثر فقراً· وبحكم تفوق الصين على أميركا من حيث الكثافة السكانية، فمن المرجح أن يكون متوسط معيشة الصينيين أقل مما هو عليه متوسط معيشة الأميركيين· بل المرجح أن يبلغ متوسط معيشة الأميركيين ضعف نظيره الصيني بحلول عام ·2050 وهذا ما يدعوني مجدداً إلى القول إن مصدر القلق لا يكمن هنا، وإنما في قدرة الصين على زعزعة الاقتصاد العالمي· وضمن هذه القدرة يتوقع أن تشوه بكين النشاط التجاري العالمي، وتحدث خلخلة هائلة في التوازنات المالية، إلى جانب إطلاقها حمى الصراع بين الدول على المواد الخام النادرة· والملاحظ أن أعراض زعزعة الاستقرار العالمي هذه قد بدأت بالفعل، وفيما لو ازدادت، فمن المتوقع لها أن تلحق أضراراً بالجميع بمن فيهم الصينيون أنفسهم· وعلى حد قول الاقتصادي ''سي· فريد بيرجستين'' من معهد بيترسون، فقد بدأت الصين تتحدى بعض المبادئ الأساسية التي يقوم عليها النظام الاقتصادي العالمي· وليس هذا بالأمر الذي يمكن الاستهانة به· ذلك أن تزايد النمو التجاري، وتزايد انتقال التكنولوجيا والمهارات الإدارية عبر حدود الدول، قد ساهما بقدر كبير في حدوث أكبر ازدهار اقتصادي شهده تاريخ البشرية· وبالنتيجة فقد ارتفعت ارتفاعاً صاروخياً مستويات معيشة الأفراد منذ عام 1950 بما يعادل 10 أمثال ما كانت عليه في اليابان، و16 مرة في كوريا الجنوبية، و4 مرات في فرنسا، و3 مرات في الولايات المتحدة الأميركية· ومن المهم القول إن هذه المكتسبات الاقتصادية تحققت دون أي نزاع سياسي جدي بين الدول· وإذا ما استثنينا النفط، فإنه يمكن القول إن الاقتصاد العالمي إجمالاً قد اتسع على نحو هادئ وسلمي· وفي المقابل، ظلت مصادر النزاع الدولي الرئيسية هي الأيديولوجيات والنزعات الوطنية، إلى جانب النزاعات الدينية والعرقية· إلا أن المتوقع الآن أن ينضم الاقتصاد نفسه إلى قائمة مصادر النزاعات هذه· والسبب هو التغيير الحادث في موازين القوى· فقد كانت الولايات المتحدة المهندس الرئيسي للنظام العالمي الحالي، بينما يتصاعد نجم الصين ودورها في هندسة النظام العالمي الجديد· والملاحظ أن نهجي البلدين في هندسة النظام العالمي يختلفان أشد الاختلاف· فبحكم هيمنتها الاقتصادية في أعقاب الحرب العالمية الثانية، تمكنت الولايات المتحدة من تحديد مصالحها الاقتصادية في الوقت الذي كانت تدفع فيه بمصالح الدول الحليفة لها· وكان الهدف من وراء ذلك هو مكافحة الشيوعية والحيلولة دون حدوث كساد اقتصادي جديد· وكان على الدول أن تقدم تنازلات تجارية ثنائية فيما بينها· ولم يكن في وسع الدول التلاعب بعملاتها سعياً لتحقيق مكاسب اقتصادية تخصها· وبالقدر نفسه كانت المواد الخام متوافرة دون أي تمييز بين الدول من ناحية الأسعار· وكان الاتجاه العام يميل إلى احترام هذه الأعراف، رغم انتهاك بعض الدول لها أحياناً، مثلما فعلت اليابان حين تلاعبت بعملتها لبضع سنوات· أما الأهداف السياسية للصين فتختلف اختلافاً بيناً عن هذه الأعراف الدولية· فالقصد وراء النمو الاقتصادي المرتفع وتزايد إنشاء الوظائف الجديدة هناك، هو استيعاب العمالة الريفية المهاجرة كلها في المدن الصينية المتسعة باطراد· وعلى سبيل المثال يقدر الاقتصادي ''دونالد سترازهايم'' من مجموعة ''روث كابيتال بارتينرز'' حجم تدفق العمالة الريفية المهاجرة إلى المدن الصينية بحوالي 17 مليون نسمة سنوياً· وحسب رأيه، فإن الصين ظلت تنظر إلى نموها الاقتصادي الذي تقوده حركة الصادرات، باعتباره مصدر الجاذبية الرئيسي للاستثمارات الأجنبية والتكنولوجيا الحديثة والمهارات الإدارية· وفوق ذلك، فإن الازدهار الاقتصادي هو الأداة الرئيسية لحفظ النظام والاستقرار في الصين، إلى جانب كونه أداة احتكار الحزب الشيوعي الصيني الرئيسية للحياة السياسية هناك· وفي بادئ الأمر سعت الصين إلى تحقيق طموحاتها هذه من خلال النظام الاقتصادي الدولي القائم، ودعمت الولايات المتحدة بقوة انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية في عام ·2001 لكن ما أن نما اقتصادها وازدادت ثراءً حتى بدأت بكين تتجاهل أعراف النظام الدولي القائمة، على حد تعليق بيرجستين· وضمن هذا التجاهل، تعمدت الصين الإبقاء على قيمة عملتها الوطنية منخفضة دائماً، وهذا ما يحفز نموها الاقتصادي المعتمد على الصادرات· وبالنتيجة، قفز فائض حساب الصين التجاري خلال الفترة 2000-2007 من نسبة 1,7% من إجمالي الناتج المحلي إلى 11,1%· والمتضرر الأكبر من هذا النمو ليس الولايات المتحدة الأميركية، وإنما الدول النامية التي انخفضت قيمة صادراتها بدرجة مريعة· وإلى جانب ذلك، يواجه الاقتصاد العالمي تحديات وتهديدات أخرى، منها استمرار التدفق النفطي، وكذلك تدفق الأموال· وهذه هي التحديات التي تطالب الرئيس الأميركي الجديد بالتصدي لها بالجدية اللازمة· روبرت جي· سامويلسون محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©