الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ما بعد «أسطول الحرية»

14 يونيو 2010 21:35
ما وقع مع "سفن الحرية"، التي جابت البحار، بهدف فك الحصار عن قطاع غزة أعاد فلسطين إلى الواجهة، وأمد القضية الفلسطينية بطاقة على الحياة والبقاء. الكارثة التي وقعت مع "أسطول الحرية"، وأدت إلى مقتل تسعة نشطاء أتراك وجرح عدد آخر، كشفت الحقيقة التي يعرفها كل من تعرض للاحتلال والاقتلاع الذي تمارسه إسرائيل. وبينما كانت تركيا بالأمس من أقرب حلفاء إسرائيل، وإذا بها اليوم في قيادة التصدي لحصارها لقطاع غزة ولاحتلالها للقدس والضفة الغربية والجولان. كما أن التحالف الذي نشأ بين عشرات المنظمات الإنسانية ومنظمات المجتمع المدني العالمي مع ناشطين عرب وأتراك يمثل تحالفاً دولياً لأجل إنصاف القضية الفلسطينية. وقد عادت الكويت بقوة إلى صلب القضية الفلسطينية من خلال مشاركة 18 متطوعا ومتطوعة. ما وقع مع قافلة الحرية يشير إلى أهمية بناء التحالف الدولي المدني والتمسك بالدعم التركي والعربي، وضرورة إدخال إسرائيل في وضع تدفع من خلاله ثمن سياسي ومالي واقتصادي وإعلامي ودولي واستراتيجي من جراء حصارها واحتلالها. ما وقع أشار لأهمية المساعي الإيجابية ذات الطابع المدني التي يكسب الشعب الفلسطيني منها تعاطفا دولياً منقطع النظير، وتساهم في عزلة إسرائيل بين أشد أنصارها في الغرب. لهذا على الفلسطينيين مواجهة إسرائيل حيث نقطة ضعفها المركزية: الرأي العام العالمي، الدعم الأميركي، المجتمع المدني الإنساني في العالم، تحريك القوى اليهودية والإسرائيلية المناهضة للاحتلال وصولا لفرض العقوبات على إسرائيل أسوة بما حصل مع جنوب إفريقيا عندما عارضها العالم على عنصريتها وتميزها ضد سكان البلاد الأصليين. لنتذكر أن العالم يشعر بالضجر من إسرائيل والتضامن الدولي أمر قائم، ومن أهم أسبابه التطرف الإسرائيلي. من جهة أخرى أكدت المواجهة حول "أسطول الحرية" أن الشارع العربي يريد موقفاً أكثر قوة في تعبيراته تجاه فلسطين، وذلك في إطار بحثه عن ميزان جديد. لهذا يتطلع العالم العربي إلى تركيا لتغير ميزان القوى. فتركيا التي تتزعم القوة المعارضة لإسرائيل هي حليف حتى الأمس القريب لإسرائيل وجزء أساسي من النظام الدولي والنظام العالمي والنظام الأوروبي ومنظومة "الناتو"، لكن تركيا اكتشفت أن الاستقرار في الشرق الأوسط الذي تنتمي إليه لن يتحقق إلا بالسلام العادل. لقد امتدت تركيا اقتصاديا وحداثياً وتطورت قدراتها، فهي أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط، وهي ليست كإيران تعاني من مقاطعة أميركية، وليست دولة راديكالية كفنزويلا أو كوبا، بل شعبها في أغلبيته مسلم، وهي أقرب لأن تكون دولة أوروبية في اقتصادها وانفتاحها وارتباطها بأوروبا والعالم. وتمتلك تركيا المقدرة على أن تطرح مشروعاً للسلام وآخر للمواجهة وثالث للتنمية في منطقة الشرق الأوسط. لتركيا مصلحة عضوية في تحويل قوتها لصالح ازدهار المنطقة، وهي في هذا تعيد روابط استمرت لمئات السنوات بين العالم العربي وتركيا. أنقرة بدأت تعي بأن شروط الاستقرار والتنمية والتجارة الحرة وحقوق الإنسان والتطور الديمقراطي في الدول العربية مرتبطة ارتباطا كبيرة بإنجاز عملية تاريخية، مفادها تحقيق الحقوق الفلسطينية في تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية. ستبقى قوة إسرائيل في سيطرتها الكبيرة على الكونجرس الأميركي وتأثيرها الكبير على سياسة واشنطن تجاه الشرق الأوسط. إنها بالفعل قوة كبيرة عسكرية وسياسية واقتصادية. وإسرائيل في النظام الدولي "دولة أوروبية عصرية وديمقراطية" لكنها في الممارسة عنصرية، تضطهد شعبا آخر، وتسعى كل يوم لسلب أراضيه وأخذ ممتلكاته وطرد عائلاته وسجن شبانه وشاباته. في الممارسة لا علاقة بين الصورة الإسرائيلية الحقيقة وبين الصورة الإسرائيلية الوهمية. ردة الفعل العالمية والمظاهرات في دول العالم الإسلامي والعربي والغربي تـؤكد بان الصورة بدأت تتغير. وتبين ردة الفعل أيضا أن العمل السلمي في ظل التحالف الدولي والموقف الواضح بإمكانه أن يحرج إسرائيل ويهدد احتلالها، ويظهر وجه إسرائيلي طالما تجاهله العالم. دخول تركيا على الخط الساخن بأسلوبها الجديد الفعال يثير التفاؤل وسط الضياع العربي، لكن توحيد الاستراتيجية الفلسطينية هو شرط استراتيجي لاستكمال شروط التحرر الفلسطيني. د. شفيق الغبرا أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت ينشر بالتعاون مع «مشروع منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©