السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«أفريقيا الوسطى».. نزاع ديني عرقي

21 ابريل 2014 23:51
كريس شتاين بودا - جمهورية أفريقيا الوسطى بعد ثلاثة أيام على اختطاف والدة «ساليو يايا» أثناء مرافقتها لزوجته إلى الحي المسلم في بودا، تم العثور عليها مقتولة جراء تعرضها لضربات بوساطة السواطير وسط الأدغال خارج هذه البلدة التي تمزقها الحرب. ويقول «يايا» إن المليشيات المسيحية سألت والدته، التي كانت مسيحية الديانة، بعد أن قبضت عليها: «لماذا تتحدثين مع المسلمين؟ لماذا ذهبت إلى حي المسلمين؟». في الماضي، كانت الجسور التي تربط بين المسلمين والمسيحيين في هذه البلدة المنجمية الواقعة جنوب غرب جمهورية أفريقيا الوسطى تغص بالناس. وقد كانت عائلة «يايا» من العائلات التي عبرت الخطوط الدينية: حيث كانت والدته المسيحية متزوجة بمسلم، بينما هو متزوج بمسيحية رغم أنه مسلم. أما اليوم، فقد أدى هجوم لمقاتلين مسلمين موالين لحكومة سيليكا السابقة إلى تسوية الحي المسيحي في بودا بالأرض. ورداً على ذلك، قامت ميليشيات مسيحية ترغب في الانتقام، وتعرف بمليشيات «أنتي بالاكا»، بمحاصرة حي المسلمين. ولكن الدمار هنا ليس سوى مثال واحد لما تسببت فيه سنة من العداء وإراقة الدماء من معاناة للنسيج الاجتماعي لجمهورية أفريقيا الوسطى، الأمر الذي يرسم خطوط معركة دينية وعرقية وسياسية بين مجموعات كانت تعيش في سلام وانسجام. والواقع ألا أحد يعرف عدد الأشخاص الذين قُتلوا، ولكن مليون شخص تقريباً نزحوا عن مناطقهم، وهو ما اضطر فرنسا والاتحاد الأفريقي لإرسال قوات لحفظ السلام. والأسبوع الماضي، وافقت الأمم المتحدة على مهمة لحفظ السلام من أجل إخماد النزاع الديني العرقي المتواصل الذي لا يبدي أي مؤشر على قرب انتهائه. غير أنه في بلدات مثل «بودا»، يستعد مسلمون كثيرون لمغادرة منازلهم للأبد. وفي هذا الإطار، يقول «عمر دجاء»، الذي يحمل ندوباً على كتفه وبقعا على بطنه جراء هجوم بالسواطير تعرض له من قبل رجال المليشيات أثناء فراره إلى «بودا»: «لقد ولدتُ هنا، وهنا ترعرعت. ولكن إذا كانت ثمة طريقة للرحيل، فسأرحل». «دجاء»، وهو مرب ماشية سابق كانت لديه ألف بقرة في الأدغال، لم يعد يملك شيئاً اليوم عدا الرداء الأزرق الذي كان يرتديه عندما فر، وهو واحد من 9 آلاف إلى 12 ألف مسلم لا يستطيعون مغادرة الحي. وعلى الجانب الآخر من الخور، يحتمي قرابة 10 آلاف شخص، معظمهم مسيحيون، من قساوة المناخ تحت أقمشة بلاستيكية وبعض منشآت أبرشية «سانت ميشيل» الكاثوليكية، وذلك بعد أن حوَّل المقاتلون المسلمون الموالون لحكومة «سيليكا» بيوتهم القديمة التي تقع عند نهاية الشارع إلى أنقاض. و«سيليكا» هي عبارة عن ائتلاف من المتمردين نجح في مارس الماضي في خلع الرئيس «فرانسوا بوزيزي» وتنصيب «ميشيل دجوتوديا» رئيساً. ولكن «دجوتوديا» كان غير قادر على السيطرة على العدد الكبير من المجموعات المتمردة والمرتزقة التي كان يتألف منها تحالف «سيليكا»، فعاث المقاتلون في الأرض فساداً لمدة 10 أشهر، حيث أعدموا شركاء «بوزيزي» المفترضين وقتلوا مدنيين دون خوف من العقاب. ورداً على ذلك، شرع المسيحيون في تسليح أنفسهم، فقاموا بإنشاء مليشيات «أنتي بالاكا». ثم احتدم القتال بين المجموعتين، مما دفع الاتحاد الأفريقي وفرنسا إلى نشر قوات لحفظ السلام. وفي يناير الماضي، أُرغم «دجوتوديا» على التنحي لمصلحة «كاثرين سامبا بانزا»، عمدة العاصمة بانجي. والواقع أن «بودا» سبق لها أن شهدت أعمال عنف من قبل تحالف «سيليكا»، ولكن لا شيء من ذلك يشبه ما حدث بعد تنحي «دجوتوديا». ففي يناير الماضي، فر مقاتلو «سيليكا» عبر البلدة. وفي الطريق، توقفوا ليسرقوا سيارة من الكنيسة الكاثوليكية. فتصدت لهم ميليشيات «أنتي بالاكا». ونتيجة لذلك، قام تحالف «سيليكا» بتسوية الحي المسيحي بالأرض، وأحرقوا المنازل وحوّلوا متاجر إلى أنقاض. ويقول «أديلينو برونل»، وهو قس بأبرشية «سانت ميشيل» كان شاهداً على العنف: «هنا بدأت المشكلة بين المسيحيين والمسلمين». والحقيقة أن ليس كل المسلمين كانوا يدعمون «سيليكا»، ولكن دجوتوديا كان أول رئيس مسلم للبلاد، والمجموعة كانت مؤلفة في أغلبيتها من مسلمين من أفريقيا الوسطى ومرتزقة من تشاد والسودان. وهكذا، بدأت ميليشيات «أنتي بالاكا» في بودا استهداف جيرانهم المسلمين، ثم وجهوا أنظارهم إلى قطعان مربي الماشية من مجموعة «البويل» العرقية مثل دجاء، وفي يوم واحد قتلوا 10 مسلما بوساطة السواطير، كما يقول الأب برونل. وقد ساهم وصول قوات حفظ السلام الفرنسية والأفريقية في فبراير الماضي في وقف أعمال القتل. ولكن المسيحيين مازالوا يشعرون بالمرارة بشأن فقدان منازلهم، في حين بدأ الطعام ينفد من المسلمين الذين يخشون هجمات من «أنتي بالاكا» الذين يتسللون إلى منطقتهم. ويقول برونل إن مليشيات «أنتي بالاكا» انقسمت إلى مجموعتين، واحدة منهما فقط تؤيد المصالحة. أما أولئك الذين يريدون مواصلة أعمال القتل، فيمكن العثور علهم في أطراف المخيم حول الكنيسة الكاثوليكية. زعيمهم، دوبان فيرمن، طالب جامعي من بودا، ولكنه تخلى عن دراساته حتى يقود ما يسميه «مجموعة ثورية». ولكن المسلمين ليسوا الهدف الوحيد لمليشيات «أنتي بالاكا». ذلك أن زوجة يايا المسيحية تعرضت أيضا للضرب من قبل مليشيات «أنتي بالاكا» عندما حاولت زيارته في الحي المسلم؛ وهكذا، قررت والدته مرافقتها أثناء عبور الجسر شخصيا.. ويقول يايا إنه لم يعتقد أن المليشيا ستقدم على قتل والدته. ولكن رغم موتها، فإنه غير مهتم بالانتقام حيث يقول: «أن أقوم بالانتقام لأنني جد غاضب ليست فكرة جيدة»، مضيفا «إننا سنصبح أمام حلقة مفرغة!». ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©