الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

إبراهيم الحيْسن ينبش في ثقافة قبيلة البيضان الصحراوية

إبراهيم الحيْسن ينبش في ثقافة قبيلة البيضان الصحراوية
12 يناير 2014 23:19
محمد نجيم (الرباط)- في كتابه الجديد «السلطة والجسد.. مقاربة للممنوع في ثقافة البيضان» يبحث الناقد الجمالي المغربي إبراهيم الحيْسن، عميقا في إشكالية الممنوع في ثقافة قبيلة البيضان الصحراوية المغربية، من خلال النبش في نمط العيش واللباس، والعادات، وحركات المشي، والنظر والكلام، إضافة إلى تسليط الضوء الكاشف على الموروث الشعبي وغوصه في مكونات هذا الموروث الصحراوي العريق. إن الجديد في موضوع هذا الكتاب، الصادر عن منشورات جمعية أصدقاء متحف الطنطان في المغرب، حسب الدكتور بحراوي، الذي قدم للكتاب، «هو الانزياح النسبي عن عمل التجميع والتحليل لمكونات الموروث الشفوي بحصر المعنى، أو الإحاطة بالمشغولات اليدوية والإبداعات الفطرية.. والانتقال بدلا من ذلك في قفزة نوعية إلى الاشتغال على الجسد كموضوع سوسيولوجي تُمارس عليه سلطة أيديولوجية أو أخلاقية تهدف إلى كبح جماحه والحدّ من انطلاقه والسعي وراء كسب ولائه اللامشروط لانتماء اجتماعي وإثني مفروض» ويتابع «وطالما أن الجسد، أي جسد، يعيش على التفاعل والدينامية والتغيّر فقد بات من الصعب التحكم في حركته أو محاولة تدجينه وتشكيله على هيئة معلومة يُفترض أنها الملائمة اجتماعيا وأخلاقيا.. ومن هنا ازدهار المحظورات والمحاذير التي تقوم حاجزا من دون تحرر الجسد وإطلاق طاقاته الكامنة خاصة في مجتمع تستفحل فيه قيم المحافظة وأنماط الطابوهات والسلوكات ناقصة الملاءمة». ومن هنا يأخذ الكتاب على عاتقه تصوير هذه المنازلة الوجودية التي يخوضها الجسد الصحراوي في مواجهة القيود الاجتماعية التي تكبّله والأغلال الأخلاقية التي تغرس في طريقه أشواكا لا طاقة له على انتزاعها اللهم باصطناع مواقف متطرفة أو ذات تأثيرات جانبية على هذا القدر أو ذاك من الأهمية. ويقدم هذا العمل نفسه كجهد ميداني من طراز متميز حقا لأنه يعتمد على وسيلتين اثنتين: - استثمار الملاحظة العينية المستمدة من صميم الحياة اليومية وتغليبها على المعرفة المرجعية العالمة (على فرض توفرها بشكل كاف)، وقد قادته هذه الملاحظات إلى وضع اليد على مظاهر طريفة تخترق المجتمع الحسّاني وتسِمه ببصمتها، التي تبدو لأسباب تاريخية وثقافية، غير مألوفة في عموم الأوساط المغربية من قبيل (تسمين الفتاة بقصد الزواج«التبلاح») و(التضايق من المرأة التي لا تلد سوى البنات) و(التشجيع على الزواج من أجل الإنجاب) ونبذ التعدد الذي تناهضه المرأة الصحراوية بكل قوة إلى غير ذلك مما يتوقف عنده الكتاب بمزيد من التفصيل والاستدلال المفيد. - اعتماد الموروث الشعبي كالأمثال الدارجة والمرويات والمرددات لتشخيص هذه الظواهر وتقديمها بمظهر الشيء القائم في الواقع والمستمر في الوجود رغم انخراط المجتمع الصحراوي في راهنية متواصلة.. وهنا نجد الباحث يكدح طويلا من أجل توظيف ذاكرته الشخصية والجماعية سعيا وراء تقديم مدونة غنية ومتنوعة يقيم عليها تحليله ويبني عليها افتراضاته ومصادراته، وهو بذلك قد حقق نتيجة أولى هي تمكيننا من متن لا يقع تحت أيدينا، وثانية هي اقتراح معالجة منهجية تجنح نحو التأويل السوسيولوجي والانتربولوجي. ومن وجهة نظر المقدم فإن أهم لحظات هذه التجربة البحثية تتصل بالحديث الذي ساقه الكاتب بكل تفوّق حول غرض الغزل في الشعر الحساني كمصدر من مصادر صراع الجسد الصحراوي مع عوامل الإكراه والوصاية التي يروّج لها فكر طهراني مسيطر. فبعد أن أفاض الباحث في استعراض ألوان التشبيب بالمرأة والتغزل بمفاتنها بتلك الطريقة الحسّانية الفريدة التي تتخذ من الحكمة جوهرها ومن الإيقاع قالبا لها، تسنح له الفرصة لكي يصحبنا في سياحة رائقة يجوب بنا خلالها عوالم الأهواء ومجرّات الافتتان التي يغرق فيها أرباب العشق الصحراوي. ثم إنه يعرّج على نمط فريد من الشعر الغزلي يسمونه «التبراع» وتنظمه النساء سرا في مَن يتعشّقنه من الرجال ويقمن بتداوله في دائرة متكتّمة بعيدا عن أسماع الملأ حفاظا على الحشمة والوقار الذي تفرضه عليهن قيم مجتمع محافظ أبا عن جد.. وهو يطيل إلى حد ما في تعريف هذا الشعر النسوي وتوزيع أنواعه وأوزانه وطرائقه الملتوية في التعبير عن المشاعر والصدع بالعواطف المكبوتة، مما يشهد على نوع من الإغراء تمارسه الشواهد الشعرية على الباحث.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©