الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«نزهة ساحلية» بالكاميرا في البحرين

«نزهة ساحلية» بالكاميرا في البحرين
13 ابريل 2011 21:01
الصورة اليوم ليست مجرد ألبوم لجمع الذكريات المتراكمة، وليست لحفظ الذكريات فقط، إنها متنفس للإنسان يريح بها هذه الذكريات كي تعيش وتحيا فيها بقايا آلام مختلجة من أمكنة مر فيها وشعر بحنين إليها، خصوصاً تلك الأمكنة القديمة التي تملك إمكانات في إشاعة مناخات حميمية، فلكل منا مجموعات من الصور تعشش في داخله ويتمنى لو التقطها في لحظات محددة، فحين يعود إليها تصدمه التحولات التي تحدث بمرور الزمن عادة، ولكن من غير الممكن بالطبع توثيق كل الأمكنة التي مررنا أو نمر بها. وللبحر خصوصية في هذا الإطار، وفي دول الخليج بعامة يظل البحر أحد العناصر التي تمتلك ذاكرة ثقافية واجتماعية خاصة، إلى جانب الجبل والصحراء والقرى الأولى، والبحر هنا يعني السفن التجارية والمراكب والصيد والغوص على اللؤلؤ والأدوات المستخدمة في ذلك. والبحر في دولة البحرين ليس استثناء، بل هو زاخر بهذه الأدوات والمفردات التي تجتذب الفنانين عموماً لرسمه أو تصويره، وهو ما جذب كاميرا الفنان اللبناني كميل زخريا ليتوقف عند هذا العالم ويقوم بــ”توثيقه” في مجموعة من الصور الفوتوغرافية ضمن مشروع أسماه “نزهة ساحلية” أو “فسحة بحرية”. يستخدم الفنان، الذي ولد عام 1962 في طرابلس، لبنان، ويعيش حالياً ويعمل في المنامة، البحرين، كاميرته كأداة لتوثيق الرحلة التي شرع بها منذ رحيله من لبنان في عام 1985 في أعقاب الحرب الأهلية. وهو في عمله يستكشف قطاعات من أنشطة حياته اليومية، بينما يعكس في بعض أعماله القضايا الأوسع نطاقاً المتصلة بمفاهيم الهوية والوطن والانتماء في سياق الشرط المعولم. والنتيجة هي الآلاف من الصور الفردية التي تشكل لبنات بناء أكبر أن المواضيع، الناس والأماكن والمدن تقترب من الهندسة المعمارية والتصميم الداخلي. وكما يقول زخريا فإن “الأشخاص الذين مروا أمام عدسته يمثلونه، ويحكون له ما حل بواقعهم بطريقة أو أخرى”. وعن إحدى الصور يقول “هذا الكتاب هو عبارة عن ألبوم من الصور صنعته بنفسي، فهو كالدراسة الموثقة لحالات الأفراد أو دراسة شخصية تؤرخ الأمكنة، والكتابات التي تملأ بياضه باللغة الفرنسية، هي أشعار لفنانة أرمنية من أصل لبناني، التقطت لها صوراً، فأرسلت لي شعراً تتحدث فيه عن ظروفها القاسية، وكيف كانت تحلم ببيت مغمور بالزهور عوضاً عن الركام الذي عاشت فيه. للمناطق الساحلية المختلفة في المملكة. وتوضح حافظته التصويرية، تباين المشهد الساحلي الطبيعي. وتتراوح مواضيع الحافظة من الكئيبة كالتي تتناول الآثار البيئية لعمليات الردم إلى الخفيفة كالتي ترصد أسلوب تطويع المناطق الساحلية من قبل مستخدميها”. عالم البحر هو الأفق الذي يتحرك فيه الفنان الفوتوغرافي اللبناني (الكندي الجنسية، البحريني الإقامة) كميل زخريا، وذلك عبر اثنتين وثلاثين صورة يقارب من خلالها ثيمة البحر وعوالمه في عدد من مدن البحرين، ملتقطاً مشاهده في أمكنة وأزمنة مختلفة، ما يجعل معرضه الذي يطلق عليه عنوان “نزهة ساحلية” ويقام حالياً في غاليري آرت سوا في دبي، مدونة لمعالم تنتظم ضمن سياق فني وموضوعي واحد. المعرض الذي افتتح أواخر فبراير الماضي ليس توثيقياً بالمعنى الحرفي للكلمة، لكنه ينطوي على قدر من التوثيق لبعض عناصر الذاكرة المكانية، خصوصاً ذاكرة البحر، فهو يذهب باتجاه مفردات عدة تتصل بهذه الذاكرة، وخصوصاً الكوخ الملاصق للبحر، أو الكوخ الممتد داخل المياه والموصول بجسر خشبي يطول أو يقصر. والكوخ جزء من ذاكرة الصيادين، والفنان يلتقط معالمه من الداخل ومن الخارج، ومن زوايا عدة. الكوخ والجسر مفردتان متلازمتان، والمشترك هو هذا الخشب العتيق الذي يدل على مرور الدهر عليه، فالجسر ليس سوى ألواح من الخشب موصولة ببعضها بعضاً، وفي نهايته يقوم الكوخ على جسر من الخشب مغروسة في الماء. لكن ثمة كوخاً مفرداً بجوار الماء، في لوحة، وهناك مركب قديم شبه مهدم في لوحة أخرى. ورغم واقعية الصورة هنا، إلا أن زاوية تناول المشهد، والتركيز على بعض تفاصيله، وتصوير حركة الماء، والاهتمام بثنائية الظل والنور، هي ما تمنح الصورة أبعادها الجمالية. من الداخل يبدو الكوخ عبر الفرش العربي الذي يؤثثه، الفراش والوسائد والمساند المزركشة، الفراش العربي بجمالياته، والانفتاح على الماء من زوايا ضيقة، يجعل من الصورة عملًا فنياً يقارب لوحة ويبتعد بها عن جمود التوثيق. ومن الخارج، تبدو الصورة مع قدر من التدقيق منطوية على قدر من التفاصيل التي تحيل على عالم الصيد واحتياجاته، من خلال بعض الأدوات التي يستخدمها الصيادون. في جانب من المعرض ترتسم صورة بعض البيوت القديمة في تجاورها مع البحر، بيوت تلتصق بالماء حتى إذا فاض غسل جدرانها. مجموعة من البيوت تقع على الحافة تماماً، بيوت من طابق أو طابقين، بطراز معماري قديم. وأحد هذه البيوت باللون الأخضر الفاتح، وتنعكس صورته في الماء فنرى صورة واقعية لكنها على قدر من الجمال. بيوت أخرى تفصلها عن الماء شجيرات صغيرة خضراء، وأعشاب برية، في مشهد مفتوح على أفق واسع. أفق تحضر في خلفيته البعيدة وبصورة باهتة أبراج وبنايات حديثة. ثمة ملحوظة أساسية مهمة يلحظها من تابع المعرض، وتتمثل في شبه غياب للبشر وكذلك لأي وسائل حديثة في المشهد، فباستثناء السيارة البيضاء التي تتوغل في البحر عبر قطعة برية، ووجود اثنين من الصيادين قريباً منها، ووجود رجل كهل يبدو صيادا، وكذلك يمكن أن نشاهد اللاقط فوق أحد الأكواخ، وباستثناء هذه المشاهد يغيب الإنسان وأية مظاهر أخرى عن صور زخريا، لكنه غياب مقصود منه التركيز على هذه العناصر البحرية، عناصر تقف وحيدة معزولة عن العالم المحيط، لكنها تحتوي على أدوات “النزهة البحرية” التي يصطحبها المتنزهون من ألعاب مختلفة وأواني الماء والطعام.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©