الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

مقاهي العولمة في سوريا تثير جدلاً اجتماعياً

مقاهي العولمة في سوريا تثير جدلاً اجتماعياً
31 أكتوبر 2009 00:28
بعد الانفتاح الاقتصادي والاجتماعي الذي بدأته سوريا منذ عدة سنوات، لم يعد مشهد انتشار زبائن المقاهي الحديثة في دمشق وهم يستخدمون كومبيوتراتهم المحمولة حدثا يثير الانتباه. وأصبحت “مقاهي العولمة” تستقطب معظم جيل الشباب الجامعي. وشريحة أخرى هي موظفو الشركات الكبيرة كالمصارف والتأمين أو شركتي الهاتف النقال وبعض شركات الإعلام، وبالتأكيد العائدين من الاغتراب ومعظم الدبلوماسيين الأجانب والعرب. ويدفع يوميا آلاف من هؤلاء الزبائن ثمنا لفنجان قهوة يوازي ما يدفعه أي مواطن في باريس أو روما أو أمستردام. وبعد سنوات قليلة أصبحت مقاهي العولمة مثار جدل اجتماعي. وتشير إحصائيات إلى وجود أكثر من 300 من هذه المقاهي، التي تسمى أيضاً “مقاهي سناك” (مقاهي الوجبات الخفيفة)، في شتى أنحاء العاصمة، والتي توفر خدمة الإنترنت اللاسلكية. ويقول سامر الطالب في السنة الثالثة في كلية الهندسة “أشعر بإنسانيتي كثيرا عندما أرتاد هذه المقاهي، لأن كل شيء فيها يوحي بحرية الاختيار والحركة واحترام الآخر، أعتقد أنها نوع من الوعي الحضاري، فهناك خيارات فيما تقدمه من مشروبات ومأكولات سريعة. وهي أيضاً نظيفة جدا وتسمح بالاتصال بالعالم”. وأضاف “لم يعد الأمر كالسابق مجرد شاي وقهوة وروائح كريهة أو أوامر من النادل العبوس”. ولكن هناك من لا يشاطرون سامر الرأي، وتقول سمر محمد هذه المقاهي “جلبت لنا الغلاء والحرية الزائدة للشباب والشابات. وكثيرا ما تجد كل اثنين منهم يتمدد بقرب الآخر على الأريكة ويعملان سويا على جهاز كومبيوتر بحجة أنهما متحضران”. وتضيف الشابة السورية التي تخرجت قبل عام من كلية اللغة العربية وتعمل بإحدى المدارس الخاصة في دمشق “أنا لا أقول إنها ليست مقاهٍ جيدة، لكن علينا أن نستفيد من إيجابياتها مثل خدمة الإنترنت وحرية التصرف بما لا يؤذي مشاعر الآخرين”. ويجد زوار دمشق من الأجانب والعرب ضالتهم في هذه المقاهي الجديدة، وهي مكان معتمد لدى الدبلوماسيين في سوريا. وينتشر هؤلاء الدبلوماسيون في المقاهي المتمركزة في أحياء أبو رمانة والمالكي العريقة، ويتجهون أحيانا إلى حي المزة الراقي. ويشرح الموسيقي السوري المعروف معن خليفة الذي يعتبر من أبرز عازفي وملحني أعمال الفرقة السيمفونية السورية وجهة نظره، قائلاً “بعد قضائي عدة سنوات في فرنسا، أستطيع القول إن ما يميز الحياة الثقافية الفرنسية على سبيل المثال هو مفهوم المقهى الذي يعد في صلب الحياة اليومية لكل فرنسي. ولكل مقهى خصوصيته التي تجذب زبائنه. وأعتقد أن مقاهي العولمة التي سمح بها في السنوات الأخيرة في عموم سوريا، إنما هي نتيجة تطور منطقي للمجتمع، يحمل معه بطبيعة الحال سلبياته وإيجابياته”. ويقول موريس عائق وهو صحفي من رواد المقاهي الحديثة “إن هذه المقاهي تذهب بنا بعيدا حتى من ناحية الكراسي والأثاث، فهي تحاول أن تؤمن كل الراحة لزبائنها وكأننا في منازلنا. وأعتقد أن معظم الأصدقاء الذين أعرفهم والتقي بهم يشعرون بكثير من الراحة النفسية والحميمة في هذه المقاهي”. ومن النقيض إلى النقيض يقول حامد، وهو مدرس متقاعد، “في مقهى الكمال الصيفي أجد أصحابي والناس الذين يشبهونني، أما في المقاهي المودرن فلا أحد يشبهني”. أما أبو محمد والذي كان يتسوق من أمام أحد أصحاب المحال التجارية في سوق الشعلان المعروف بوسط دمشق، فيرى حسب وجهة نظره أن هذه المقاهي غير ملتزمة بآداب الـدين والمجتمع المحافظ. وهو لا يشجع أيا من أبنائه أو بناته الجامعيـات على ارتيادهـا، لا بل إنـه تدخـل ذات مرة ليطلب من جـاره أبو عماد أن يلزم أبناءه وبناته غير المحجبات بأن يواظبوا جميعا على تلقي العلوم الدينية بدل الضياع الذي هم فيه على هذه المقاهي على حد وصفه. وفي المقابل، لا تستغرب سارة الدبلوماسية الغربية عدم تقبل هذه المقاهي من قبل بعض فئات المجتمع السوري. وعبرت عن خشيتها من اتساع مساحة التشدد. وتقول سارة” أنا أعرف سوريا منذ سنوات وفي السنوات الأخيرة شعرت أن الانفتاح الاجتماعي بدأ يتقلص، أو أن المنفتحين بدأت أعدادهم تقل، أو ربما هم ينحصرون في أماكن وأحياء معينة. ولا أعرف إن كان غيري يشاركني الرأي أو يراقب هذه الظاهرة. وأضافت “هذه المقاهي هي مقاهٍ عامة وعادية لا يوجد فيها أي شيء يثير المجتمع، ثم إن الحياة أصبحت مفتوحة على كل الاحتمالات، الإنترنت والفضائيات والسفر وغيرها، المهم هو تحصين الإنسان بالقيم الصحيحة وليس الحل بالمنع أو المحاربة العشوائية”. وقالت غادة إحدى السيدات التي كانت تتسوق في سوق الحمرا الشهير “أنا أنتمي لأسرة متوسطة الحال، ولأنني سيدة منزل ولا أعمل، فإنني أذهب مع ابنتي أحيانا لتناول القهوة في هذه المقاهي الجميلة الجديدة ولا أجد حرجا أو أي أسباب تمنع ذلك، على العكس ربما من المفيد أن نطالب بأن يكون هناك نماذج عائلية من هذه المقاهي، ففي سوريا لا يوجد عدد كاف من الأندية العائلية. كما أن كثيرا من الأحياء لا تتوفر فيها خدمة الإنترنت”. وعلى أية حال، أثرت مقاهي العولمة على المقاهي الشعبية، ومن بينها مقهى الروضة المشهور وسط العاصمة دمشق. وهو مقهى يمتد عمره إلى عقود من الزمن وترتاده مختلف الشرائح الاجتماعية. واضطر مقهى الروضة مؤخرا لتطوير خدماته وأضاف خدمة الإنترنت اللاسلكية قبل فترة، ما أثار دهشة كبيرة بين رواده.
المصدر: دمشق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©