الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إنها واقفة هناك··

إنها واقفة هناك··
20 أغسطس 2008 22:38
أمام المرآة ترمقها بشيء من الضجر والتعب الجسمي، والواضح في ملامحها منذ فترة ليست بالقصيرة·· وضعت بعض البودرة تحت عينيها، حتى تخفي ذلك السواد الذي بدأ يتزايد بصورة مرعبة في الأيام الأخيرة، مرضها المفاجئ، شعورها بالغثيان والدوار الذي بدأ يلف بها·· كانت تنظر إلى وجهها في المرآة، تتأمله بصورة جدية، فهو لم يعد فتياً كالسابق، منذ فترة طويلة لم تقف أمام المرآة، كانت تغلق على نفسها الباب، وتطفئ الأنوار حتى لا ترى وجهها، عقدتها في الحياة المرآة، لأول مرة تقف وتتأمله في إمعان، كيف تركت تلك التجاعيد تغزو ملامحها بهذه السرعة ؟ لقد كانت امرأة تقدس الحياة بصورة مطلقة، لقد تربت تربية دينية بحتة، بحيث إنها لم تخلع الحجاب يوماً، هالها منظر الحزن والألم في وجهها وعينيها، لابد وأن جميع من حولها شعروا بذلك الحزن الداكن الذي يسكنها منذ طفولتها·· استيقظت بغتة من شرودها اللانهائي، على صوت يناديها، فتأففت في ضيق، إنه يناديها، لابد وأنه على عجلة من أمره، إن زيارة صديق وزوجته، أمر يضايقها، لماذا اختار هذا الوقت بالذات حتى يزوروهما، إنه على علم بذلك المرض الذي يضايقها من فترة، لقد نصحها الطبيب بعدم إجهاد نفسها في العمل وتناول الطعام حتى تستعيد قواها بسرعة، إنها تتقيد بمواعيد الدواء المقدسة، ولا تحاول أن تنساه··· تتذكر في طفولتها كيف كانت تؤدي واجباتها بصورة مستمرة ؟ والمرة الوحيدة التي نست ذلك، تعرضت لعقاب وضرب مبرح على يديها، لقد ظلت طوال اليوم تبكي، في الطريق بين المدرسة ومنزلها، كانت تبكي بصوت عال·· ولم تكررها أبداً·· كانت دفاترها نظيفة، مرتبة، وخطها جميل، وكانت هذه الدفاتر مطلباً لجميع الفتيات في صفها، ولكنها في نفس الوقت لم تكن تفقه شيئاً، وربما هذا الشيء هو الذي جعلها لا تطيق رؤية وجهها في المرآة حتى لا تنتقد نفسها·· عاد صوته مرة أخرى ينادي عليها، ولكن هذه المرة بصوت أعلى، نهضت من مكانها، وارتدت حجابها في صمت مهيب، وفي استسلام واضح، سوف يقومان بزيارة صديقه، هو يحبه ويحترمه كثيراً، رغم انها وزوجها لم يكونا من الذين يحبون الاختلاط بالناس· زوجها هذا لا تعرف كيف شاءت الظروف أن يتزوجها، لقد ولدت في بيت عادات وتقاليد، والدها رجل صارم، قاس، لم يكن يسمح لهم بالخروج من المنزل إلا نادراً لشراء ما يحتاجونه من لوازم ضرورية، وهي مع الوقت أصبحت لا تحب الخروج، حياتها كلها في غرفتها، كانت تعشق هذه الجدران، ربما لأنها تحميها من العالم الخارجي كما كانت تتخيل وعن كوارثه العديدة· لم يكن لديها طموح أبداً، حتى فكرة الزواج كانت أكبر من أي حلم رأته· ليلة زفافها كانت عادية، لم تتزين كثيراً، ولم تضع الكثير من المكياج، وقفت تتأمل نفسها في خجل أمام المرآة، ثم ابتعدت عنها وكأنما اعتبرت أن هذا الأمر محرم عليها، ومن المفروض إلا تفعل ذلك· لقد وافقت عليه، لأنهم لم يشاوروها في الأمر، لقد قرر والدها وبعد أسبوع زفت في صمت· كان الأمر يبدو وكأنه ميتم· ومرت عشر سنوات على زواجها، لم تسأله حتى ان كان يحبها أم لا، ولكنها لاحظت مع الوقت انه لم يعد يهتم فيها، وكلما جلست بجواره أو جمعهما السرير، تشعر بأنه يتجاهلها، أو نسيها، كانت تتحرك في المنزل، وتؤدي عملها في صمت، ولايحاول أن يتحدث معها، أو أي أمر آخر، بل الصمت هو المسيطر عليهما، ربما الحزن الدفين المرتسم بخطوطه العريضة على وجهها الأسمر الصغير، يرجع سببه الرئيسي انها لم تنجب له طفلاً·· تتذكر كيف كان هذا الغثيان ملازماً لها طيلة حياتها معه؟ وكانت في بداية الأمر متفائلة· ومع الفحص، شخص الدكتور مرضها على أنها تعاني من مرض مزمن في المعدة، يسبب لها هذا الغثيان، ولكنها كل يوم تحاول أن تتفاءل·· ربما إذا أنجبت طفلاً، سوف تختفي نظرة التجاهل في عين زوجها وعين الآخرين·· انتزعتها هذه المرة صرخة زوجها، حتى غضبه لا يقارن بغضب باقي الرجال، إنه يصدر صوتاً حاداً، فيه برودة ولامبالاة، سوف تصاب حتماً بالسأم كعادتها، فزوجة صديقه، امرأة تتحدث كثيراً، وتمارس شخصيتها القوية على زوجها المسكين، كذلك منزلها رغم أناقته واتساعه إلا انها لا تختار أثاثه إلا بما يناسب أذواق الآخرين·· هنا الفرق بينهما، وهذا ما يصنع هوة سحيقة بين الطرفين، وكعادتها ركبت سيارة زوجها وجلست بجواره صامته، وهو يتأمل جسدها الضخم، وثوبها الأزرق الواسع، ثم يهز رأسه يمنة ويسرة، إنها تعلم بأنه لم يعجبه جسدها خاصة في الآونة الأخيرة، حينما تركته دون اهتمام، ولكنه لن يتحدث ولن يعلق، سوف يكتفي بالتحديق، وينزل من السيارة إلى بيت رفيقه وهي تتبعه، وتجلس على المقعد تتناول الكعك وتشرب الشاي، وتترك رفيقتها تعلق، وتتحدث وتلقي النكات، أما هو فسوف يتحدث عن عمله بافتخار شديد، وسوف يناقش مواضيع الأخبار السياسية، وحتى إطارات سيارته القديمة، وأموراً أخرى، آه لسانه هذا لا يتحرك ولا يمل في حضرة رفيقه العزيز، أما عندها فهو والصخر سواء، إنه ينسى وجودها معه، ولا يفكر فيها بتاتاً·· وزوجة رفيقه هذه من اللواتي يتعب المرء معهن حينما يبدأن في فتح أي موضوع، إنهن مملات، ومتعبات، لا يهتممن سوى بالمظاهر، والمجاملات، والحديث الذي يحتوي على الكثير من الإطالات·· لا تحب مرآتها، لقد أظهرت اليوم كافة تفاصيل جسدها، ذلك الجسد الذي لم يحاول زوجها يوماً تأمله أو الوغول في أعماقه··· هاهما كعادتهما يتمشيان معاً بجوار البحر، نادراً ما كانت أصابعهما تتشابكان معاً، كل واحد على حدة، لابد وأنهما يريدان أن يتحدثا، أن يناقشا حياتهما معاً، أن يقول أحدهما شيئاً عن الآخر، ولكن الصمت ذاته يعتريهما·· وسوف يستمر هذا الصمت طويلاً، بحيث إنهما سوف يتعبان من الشيخوخة·· سوف تتعب هي من النظر في المرآة طويلاً، وسوف يتعب هو من التحديق في ثوبها الأزرق وجسدها البدين·· قاصة إماراتية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©