الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ارتباك واضطراب في المنهج والتطبيق

ارتباك واضطراب في المنهج والتطبيق
13 ابريل 2011 20:51
تضعنا محاولة نبيلة أحمد علي في كتابها “الحلم الأسود: قراءة للشخصية النسوية” التي تتناول فيها بالدراسة منجز القصاصات في المشهد الإماراتي، أمام مجموعة من الأسئلة المنهجية التي تتعلق بالاختيارات النقدية التي أرادت أن تنطلق منها في تلك الدراسة، وبالمصطلح النقدي الذي استخدمته في تلك الدراسة التي وزعتها على أربعة فصول اعتمدت فيها على قدم التجربة والأعمال التي نشرتها كل قاصة، أوحداثتها ولغتها النسوية أو أسليب الطرح الجديدة. وقبل أن نناقش حالة التناقض والارتباك التي وقعت فيها الباحثة كنا نتمنى لو أنها وهي المتخصصة في علم الاجتماع المعرفي استخدمت المنهج السوسيولوجي في تلك المقاربة نظرا لصلتها المباشرة بطبيعة اختصاصها، بحيث تعفي نفسها من الوقوع في المطبات المنهجية التي وقعت فيها في هذا الكتاب، وإن كنا نلاحظ استنادها إلى معطيات هذا المنهج في دراستها لشخصيات بطلات قصص الكاتبات وأنماط سلوكهن ومواقفهن المختلفة وردود أفعالهن على الواقع الذي يضطهدن ويثرن عليه. محاور الكتاب على الرغم من توزيع تجارب القاصات على أربعة فصول، تناولت في الفصل الأول منها تجارب القاصات اللواتي أسسن للتجربة النسوية في المشهد القصصي في الإمارات، إلا أننا لا نعثر على أي اختلافات مهمة يمكن لها أن تشكل علامات فارقة تميز هذه التجارب عن تلك اللهم إلا من حيث الطرح والمعالجة والرؤية السردية التي تنطلق منها القاصة في صياغة عالمها القصصي واختيار موضوعاتها أو التطور الفني والتعبيري في قصصها، الأمر الذي جعل الباحثة تقع في إشكالية منهجية لأن ما حاولت أن تتجنبه في تلك التجارب على أساس تاريخي يتعلق بقدم التجربة وحداثتها كان هو المنهج المتبع فالفصل الأول الذي تناولت فيه تجارب شيخة الناخي في مجموعتيها “الرحيل” و”رياح الشمال”، وسلمى مطر سيف في مجموعتها “عشبة”، ومريم فرج جمعة وسعاد العريمي وظبية خميس وباسمة يونس، تمثل فيه هؤلاء القاصات الجيل المؤسس والذي تلاه مباشرة، في حين أن الفصل الثاني والثالث والرابع كان للتجارب الأحدث فهل تكون الباحثة في هذا التوزيع قد تجاوزت المنهج التاريخي في دراستها، أم أنها خضعت له على الرغم من محاولتها نفيها لهذا الاختيار في منهج البحث والدراسة؟ وليس بعيدا عن هذا الاختلاط في المنهج وجدنا أنها لا تخرج في دراستها عن رؤية واحدة تركز على موضوع الشخصية النسوية، كما أشارت إلى ذلك في العنوان الرئيس الإضافي، وما تطرحه القاصات من الجيل الجديد من اختلاف على مستوى طرح قضايا الهامش والمسكوت عنه، أو تجديد الخطاب النمطي القديم وكل ذلك ينضوي ضمن ما يسمى بالنقد الموضوعاتي على خلاف المنهج الذي تشير إليه في مقدمة الكتاب والذي يعنى بدراسة مكامن وأبعاد اللغة الأدبية والصياغات التعبيرية الفكرية النسوية، أي النقد الأسلوبي الذي يركز على إظهار الخصوصية التي تتمتع بها لغة السرد النسوي والصيغ التعبيرية المعبرة عن خصوصية تلك الكتابة النسوية، وهو ما لم تقم به في دراستها، وكان يتعارض مع ما جاء في العنوان الرئيس الذي يحدد مجال القراءة في الشخصية النسوية، وليس للشخصية كما جاء في الصياغة المثبتة على الغلاف، لأن ثمة تمايزا على المستوى النحوى بينهما. الرؤية السردية تبدأ الباحثة دراستها بقراءة في تجربة شيخة الناخي التي تعد من مؤسسات القص النسائي في المشهد الإماراتي في مجموعتيها “الرحيل” و”رياح الشمال” التي ترى فيهما أن القاصة تهرب من خاصية المرأة إلى عامية المشاكل حيث تحاول في تلك القصص الكشف عن البنية الاجتماعية التي تسيطر على حياة المرأة في المجتمع، إضافة إلى معالجة القضايا القومية بحس وجداني شفاف ينتهي بطرح أسئلة حول نهاية تلك المآسي. كما تتناول تجربة سلمى مطر سيف من حيث الشخصية المريضة التي تعيش صراعها مع ذاتها وتخضع في النهاية لقوانين المجتمع. كما تشير إلى حضور البحر في قصصها وارتباط اللون بالدونية. وفي قراءتها في تجربة مريم فرج جمعة تتناول تفاصيل الحياة اليومية وسمات الشخصية التي تتميز بالفاعلية وعلاقتها بالمحيط الاجتماعي دون أن تكون المرأة هب بطلة قصصها. وترى أن شخصية المرأة في قصص سعاد العريمي تظهر من خلال نقلها من دائرة العطالة إلى دائرة الفعل، حيث تبدو واثقة من نفسها وقادرة على التحدي. أما على مستوى موضوعاتها فهي تنتقل من القضايا المحلية إلى القضايا القومية الأوسع والشخصية عندها مستمدة من الواقع وتعبر عنه. والقاصة الأخرى التي تتناول تجربتها هي ظبية خميس التي تتحلى شخصياتها بالقلق الذي تعيشه وبالبحث عن الأفضل تارة رغم كونها مأزومة ومنهارة، وتارة أخرى نجدها تجتاز خط المواجهة بقوة متحدية القوانين الجائرة. وتنهي هذا المحور بدراسة تجربة باسمة يونس التي تركز على موضوع جرائم الشرف حيث تشير إلى ما تتمتع به القاصة من جرأة في طرح قضايا المسكوت عنه في المجتمع. والغريب أن الباحثة تعود لتبرير عدم التزامها بالمنهج الذي اختارته كما ذكرت ذلك في مقدمة الكتاب حول دراسة موضوع اللغة والصيغ التعبيرية في هذه التجارب، لأنها أرادت أن تتناول الفكر النسوي وكيفية تجسيده في الفكر (القصصي؟!). اللغة النسوية في فصل عن “اللغة النسوية وتفكيك الخطاب الذكوري” تعود الباحثة للحديث عن اللغة النسوية وتفكيك الخطاب الذكوري مع العلم أن الدراسة تتناول أعمالا قصصية لكاتبات وليس دراسة للفكر الذكوري، فكان الأجدر بها أن تحصر البحث في مجال طبيعة الخصوصية التي يمكن أن تتمتع بها لغة السرد عند هؤلاء القاصات، وطرائق التعبير والمهيمنات عليها إلا أنها عادت كسابق عهدها إلى النقد الموضوعاتي الذي يتناول القضايا والموضوعات التي شكلت شواغل كل تجربة من هذه التجارب، كما هي الحال في تجربة فاطمة الكعبي التي ركزت على تجربة المهمشين والمعزولين في الواقع، وتجربة سارة جروان التي تخلص في دراستها لقصص مجموعتها أيقونة الحلم إلى أن القاصة تمتلك ناصية القص امتلاكا فنيا لا ينم إلا عن عزة وموهبة، أما كيف تحقق ذلك فهي تحاول أن تكشف عن تجليات من خلال قراءة تحقق هذا الكشف وتفصح عنه. ولا يختلف الأمر في الفصل الثالث الذي تتناول فيه تجارب محددة من خلال ما تطرحه من اختلاف على صعيد تناولها لقضايا الهامش المغيب، وما تقوم به تلك التجارب من إبراز للمناطق السوداء المسكوت عنها وكما لاحظنا فإن تلك المقاربات السردية لقضايا الواقع الاجتماعي والثقافي تناولتها في الفصلين السابقين ومن القاصات اللواتي تناولت تجاربهن فاطمة المزروعي وعائشه عبدالله محمد. وكان الفصل الأخير خاصا بالكاتبات الجديدات اللواتي كما ذكرت بأنهن يتميزن بأنهن يقمن من خلال تجاربهن الجديدة بتجديد الخطاب النمطي القديم عبر الطرح والحلول التي تؤكد على دونية المرأة. وكما يلاحظ القارئ فقد ظلت لغة الباحثة في إطار العموميات والتوصيف غير المدعوم بالشواهد، إذ كان يتعين عليها القيام بدراسة تطبيقية منهجية مجاله النص السردي، ما جعل الدراسة تبقى في إطار الاستنتاجات والتوصيفات ذات الطابع العمومي التي يجري تقديمها من خارج حتى الرؤية النقدية التي تتحدث عنها بداية كل فصل، ما يفقد القراءة فاعليتها والتزامها بتلك الرؤية وصدورها عنها، وبالتالي يكون الاضطراب والارتجال هو سيد القراءة وديدنها وهو ما أثر على أهداف الدراسة ونتائجها التي حاولت أن تغطي مساحة واسعة من إسهامات القاصات الإماراتيات وتجاربهن المختلفة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©