السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إنسانية التعامل مع المخطئ

13 يونيو 2017 14:41
يقتضي التعامل بميزان الإنسانية استيعاب فئات مختلفة يجمع بينها تعامل قلبي بالرحمة ومحبة الخير أولاً، ثم تعامل في الظاهر تحكمه قاعدة عدم التسبب في الإضرار بالآخرين من جانب، وتصويب الخطأ بمنطق الاستيعاب من جانب آخر. أي كيف نستوعب من يخطئ ويسيء عن قصد أو بإساءة التعبير والتصرف؟ لاحظوا كيف نتعامل في حياتنا اليومية وعبر شبكات التواصل الاجتماعي مع ما يبدو في الظاهر مخالفاً أو مقابل زلة لسان أو سوء تعبير، إذ سرعان ما تنصب له المشانق وتعلو الأصوات للمطالبة بإهدار دمه قصاصاً أو الحبس والاعتقال أو الاغتيال المعنوي ولو عبر الاجتزاء والتلفيق والإثارة وتحريض السلطات العامة. هذه النزعة في الانتقام والتشفي التي تذكرنا بحلبات المصارعة الرومانية قديماً، تعني أن إنسانيتنا اليوم في حاجة إلى إنعاش. والأخطر إذا تحولت تلك النزعة إلى تدين تحيل صاحبها عاشقاً للدم والأذى ولو باقتطاع واجتزاء نص وإخراجه عن سياقه. رأيت مشهداً لأحد شباب داعش داخل مسجد يتحدث فيه عن النحر، فيأتي بسكين وينصح بالتمهل حتى يتلذذ الشخص بذبح المخالفين، ويرى في هذا دين يتقرب به إلى الله تعالى! نعم في المشهد سوء فهم خطير للدين يحتاج إلى مراجعة، لكن المشكلة هنا أعمق من قضية جهل أو تحريف، المشكلة في غياب الإنسانية والآدمية في التعامل مع المخالف والمخطئ. لهذا استوقفني عهد الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه لمالك بن الحارث الأشتر لما ولاه مصر قال له فيه: «ولا تَكُونَنَّ عليهم سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ، فإنهم صِنْفَانِ: إِمَّا أخٌ لك في الدين، وإما نظيرٌ لك في الخلق، يَفْرُطُ منهم الزَّلَلُ وتعرض لهم الْعِلَلُ، ويُؤْتَى على أيديهم في العمد والخطأ، فَأَعْطِهِمْ من عَفْوِكَ وَصَفْحِكَ مثل الذي تحب أن يعطيَك الله من عَفْوِهِ وَصَفْحِهِ». وهذا معنى نجده في سيرته صلى الله عليه وآله وسلم، ومن ذلك التعامل مع جيش المسلمين العائد من مُؤْتَةُ، إذ تلقاهم رسول الله والمسلمون معه، وجعل الناس يَحْثُونَ على الجيش التراب ويقولون: يا فُرّارُ فَرَرْتُمْ في سبيل الله! فيقول الرسول الرحيم صلى الله عليه وآله وسلم: «ليسوا بِالْفُرّارِ ولكنهم الْكُرّارُ إن شاء الله تعالى». وكذلك قَبِل النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم في صلح الحديبية شروطاً رآها البعض مجحفة، بمنطق: ألسنا على الحقّ وهم على الباطل؟ أليس قتلانا في الجنّة وقتلاهم في النّار؟ فعلام نعطي الدّنيّة في ديننا؟ بل لم يستجيبوا لأمره صلى الله عليه وآله وسلم بالنحر والتحلل ثلاث مرات، فأخذ بمشورة سيدتنا أم سلمة إذ قالت: «يا رسول الله: اعذرهم، فقد حملت نفسك أمراً عظيماً في الصلح، ورجع المسلمون من غير فتح، فهم لذلك مكروبون. ولكن اخرج يا رسول الله وابدأهم بما تريد، فإذا رأوك فعلت تبعوك». ومن قصص الاستيعاب ما رواه معاوية بن الحكم السلمي إذ قال: بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أمياه، ما شأنكم تنظرون إلى، فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني، لكني سكت، فلما صلى رسول الله، فبأبي هو وأمي ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه، فوالله ما نهرني ولا ضربني ولا شتمني، قال: «إنَّ هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن». فالرجل حديث عهد بالإسلام والمسلمون غضبوا من تصرفه، إلا أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم توقف عند حد التعليم مستوعباً الرجل، وهو المعنى الذي سنبحث فيه في مقالات مقبلة بإذن الله تعالى.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©