الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الاغتراب سمة ثالث أيام «السينمائي التراثي»

الاغتراب سمة ثالث أيام «السينمائي التراثي»
9 ابريل 2013 20:50
لعل اغتراب الذات، وثقل وطأته على النفس هو أكثر شعور طغى على الأفلام المعروضة في ثالث أيام الدورة الثالثة للمهرجان السينمائي التراثي. فالمرأة التي صرخت وصاحت في أفلام اليومين الأولين تحولت إلى امرأة منكسرة وباحثة عن ذاتها ولاهثة وراء حلمها، جارفة معها كل ما يصادف طريقها. والمخرجة مرام عاشور التي شاركت في إخراج فيلم «عشر ساعات» تعود للظهور في اليوم الثاني بفيلم «المتنازلة» الذي تبحث فيه عن هوية ضائعة، عن المستقبل الذي يصبح ماضياً والحاضر الذي يصبح متلاشياً، مع رضوخ بطلة الفيلم للواقع بأعرافه وتقاليده، وتخليها عن أحلامها وجوهر كيانها. وهي صورة معاكسة لتلك التي جاء بها فيلم «الأركان» لمخرجه زكريا مصطفى. أما الفيلمان الألمانيان «شوريس وشيرين» و»نادا ريجلا نادا»، فهما يحلقان في آفاق السياسة والمآسي التي تتسبب فيها. وفي منتصف هذه الطرق، يقف فيلم «أمل» لمخرجته الإماراتية نجوم الغانم ويخطف الأضواء. فهو يوثق لحياة فنانة سورية تأتي إلى أبوظبي لتنفيذ مشروع عمره سنة، لتسرقها السنون بعد ذلك، وتعيش وهي الفنانة التي تعودت الأضواء في بلدها الأم حياة هامشية فيها قدر كبير من الهروب من النفس، ومحاولة البحث عنها في آن واحد. هشام أحناش (أبوظبي) - فرض فيلم «أمل» حضوره مرة أخرى في المهرجان السينمائي التراثي، وخطف الأضواء من بقية الأفلام، كما سبق له أن فعل في مهرجانات أخرى سابقة. تحدثت المخرجة الإماراتية نجوم الغانم وبطلتها الفنانة السورية المثقفة أمل حويجة عن إرهاصات فكرة الفيلم وحيثيات تنفيذه وإخراجه. تقول الغانم إنها وجدت توثيق حياة أمل حويجة أفضل من أي فيلم، وتقول أمل إنها وافقت على فكرة الفيلم للتعبير عن المغترب عموماً والفنان المغترب خصوصاً. فحياة المغترب في أبوظبي تتمحور حول عنصرين أساسيين، هما المال والعمل، إذ يعمل طوال الوقت ويؤجل الأحلام إلى بلاده. ولعل هذا أمر خبرته الغانم أيضاً خلال اغترابها في أستراليا وأميركا من أجل الدراسة، حيث عاشت في الظل، وهي الشاعرة والصحفية المعروفة في وطنها الأم. صناعة الأفلام في نظر الغانم ليست صنع كليشيه، وإنما رواية قصة لها أبعاد مختلفة وجذور وأرضية وشعور. وهو ما حاول الفيلم أن يوصله عبر الحديث عن الغربة والاستلاب والصمود والتغلب على العثرات، ليس في أبوظبي والشارقة اللتين جرى تصوير معظم مشاهد الفيلم فيهما فحسب، وإنما في كل بلاد المهجر والغربة بكثير من البقع حول العالم. أمل حويجة هي امرأة خارقة في نظر نجوم الغانم، لأنها صمدت طويلاً، لأنها مثقفة من طينة المثقفين الحقيقيين الذين لديهم فلسفة عميقة للحياة ومبادئها وقيمها، والذين تفتقدهم الساحة الثقافية العربية حالياً. وللغانم مؤاخذات عديدة على المشهد الثقافي في المنطقة العربية، إذ ترى أن كثيراً من المثقفين والكتاب والفنانين يمارسون على أنفسهم رقابة ذاتية لم يفرضها عليهم أي أحد ولا دفعهم إليها، وهذا أمر خطير، باعتباره يقتل شرارة الإبداع ويُحيل الإبداع إلى إنتاج متخم بالمجاملات ولا يمت للواقع بصلة، ولا يعكس مظاهره الحقيقية ولا نبض المجتمع وتقلباته، وهذه ظاهرة هدامة وغير صحية تنم عن عدم اكتمال نضج المشهد الثقافي العربي في الوقت الراهن، تضيف الغانم. وهي تعتبر أن صنع كل فيلم هو صناعة للتغيير، بل وأن كل فن هو إسهام حقيقي في تغيير الحياة إلى الأحسن. من جهتها، ترى أمل أن الثورة الجارية في سوريا شيء مؤلم ومشرق في الوقت عينه، تتمنى أن يصبح حلم أبناء سوريا مستقبلاً هو المكوث في وطن يعتزون به، وليس مغادرته. تحلم أن تحقق شيئاً جميلاً لوطنها سوريا، وتحلم بمستقبل أفضل لوطنها الذي قررت العودة إليه بعد غربة دامت خمس سنوات. تقول أمل إن أكثر ما راقها هو بوح كثير من المشاهدين في مختلف المهرجانات التي شارك فيها الفيلم منذ إطلاقه سنة 2011 بأن قصتها تحكي أيضاً قصتهم، وتلمس جزءاً كبيراً من همومهم وهواجسهم وأحاسيسهم. ميثاء وريجلا على الرغم من اختلاف النسق السردي في فيلمي «الأركان» و»نادا ريجلا نادا»، فإن لهما بعض القواسم المشتركة التي تتقاطع مع شعار الفيلم «نساء قويات». فميثاء امرأة إماراتية قوية تقرر شق حياتها بعيداً عن زوجها الذي خذلها بتضاؤل شعوره بالمسؤولية، واهتزاز ثقته بنفسه وبطالته، وريجلا بالمقابل مدربة سباحة كورية ذات شخصية قوية وعزيمة لا تخور تقرر السباحة من كوبا إلى فلوريدا، بعد أن خذلها القنصل الأميركي ورفض منحها التأشيرة. تحاول المستحيل من أجل اللحاق بابنتها فقط من أجل حضور مولد حفيدها المرتقب، لكن دون جدوى، ما يجعلها تضاعف تدريباتها استعداداً للسباحة من كوبا إلى فلوريدا، وتخوض تجربة هي أشبه بالانتحار منها إلى المغامرة. ومن جهتها، ترفض ميثاء العودة إلى زوجها ضعيف الشخصية رغم إلحاحه بلم الشمل مع ابنتهما، وتظهر جرأة وبسالة عندما تقبل بالعمل صرافة إلى جانب الفلبينيات لتعيل ابنتها، دون أن تكثرت بما يقوله المجتمع الذي يعتبر أن مثل هذه المهن لا تليق بالإماراتيات، تكسر هذه الصورة النمطية وتمضي قدماً في علاقاتها الاجتماعية، تدفع صديقتها المتزوجة التي ترغب في الإنجاب إلى مراجعة أكثر من طبيب لحل مشكلتها دون فقدان الأمل. نجح المخرج مصطفى زكريا في فيلمه «الأركان» نجاح حبكته التي وزعت مشاهد الفيلم إلى خمسة فصول، هي أركان الإسلام الخمسة في تناول زخم من المواضيع المهمة التي يشهدها المجتمع الإماراتي، وإيصالها إلى الجمهور دون اجترار أو ملل. نقل النسيج الاجتماعي الإماراتي بتشعباته وتعقيداته وقيمه وصوره النمطية بطريقة خفيفة الظل، عميقة المعالجة. الأخوان الكرديان ينقل فيلم «شوريس وشيرين» قصة طفلين كرديين عراقيين يقتل والداهما في حرب العراق، وتحضرهما منظمة إغاثة إنسانية إلى ألمانيا لتلقي العلاج، وتأويهما امرأة ألمانية وتعاملهما بحنان الأم، ثم تبذل كل جهدها من أجل إبقائهما معها. لكن جلسة واحدة مع أحد المحامين تقنعها أن جدهما الذي قدم لأخذهما بناءً على طلب حفيده الأعرج شوريس هو أولى بهما، وأن رفع قضية للاحتفاظ بهما هي معركة خاسرة. ترفض شيرين أن تعود مع جدها، وتأبى تغطية رأسها بخمار أمها الذي حاول الجد إلباسها إياه عند أول لقاء، تشاؤماً بأن يحل بها ما حل بأمها ونقمة على جدها الذي تحمله جزءاً من المسؤولية فيما حل بها وبأخيها. يجلب الجد خنجراً ويمنحه لحفيده كعربون توريث لمسؤولية العائلة بعد رحيله، وينتشي شوريس بهذه المسؤولية التي أشعرته برجولته وأهميته. تُوصل الألمانية الأخوين الكرديين إلى المطار وتتأهب لتوديعهما، لكن شوريس يفاجئ أخته شيرين، يكفكف دموعها ويمنحها ميراث جده (الخنجر) ويوصيها بأن تستخدمه للدفاع عن نفسها به، ويسمح لها بالبقاء في ألمانيا ويقنع جده بقبول ذلك، ليكون بذلك قد اضطلع بدوره مبكراً في تحمل مسؤولية أسرته قبل حتى أن يموت جده. ويصبح هو البطل القوي الحقيقي، وكأنه يخطف أضواء البطولة من أخته المتمردة على جدها والرافضة العودة إلى بلدها الأم العراق، حتى بعد أن وضعت فيه الحرب أوزارها. «المتنازلة» خارج السرب لعل الاستثناء الوحيد في أفلام اليوم الثالث للمهرجان السينمائي التراثي هو فيلم «المتنازلة». فمجريات أحداث الفيلم هو انعكاس حرفي لعنوانه. وهو نقيض شعار المهرجان «نساء قويات». فبطلة الفيلم تتخلى عن حماسها، عن شغفها بالحياة، عما تريد أن تكونه، وتتحول إلى كائن بارد ينتظر نهايته الفاترة، بعد أن فقد شعوره بذاته، وأضحى يترقب على كرسي هزاز مرور اليوم تلو الآخر، وهو يعاين تحولاته من فتاة تتدفق حيوية وطموحاً إلى زوجـة تقليدية، ثم إلى أم تكابد ملل الروتين وكمد «الاستقرار»، وإلى ما كانت تخشى طوال فترة شبابها أن تصبحه. ولعل مقارنة النسق السردي للفيلم الذي كان عبارة عن مونولوج مطرز بموسيقى تصويرية طوال مشاهد الفيلم، مع شعار المهرجان «نساء قويات» تجعل المشاهد يتساءل عن أية قوة قد تكمن في تنازل شابة عن كينونتها دون أدنى مقاومة أو نضال وسجن نفسها في حياة لم تكن ترغب فيها قط! ما يطرح التساؤل عن المعيار الذي اعتمدته لجنة انتقاء الأفلام لجعلها تجسد هذا الشعار وتتمحور حوله، اللهم إنْ كانت تختصر القوة في هذا الإظهار المزدوج للمخرجة مرام عاشور بفيلمين اثنين في مهرجان واحد.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©