الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

من يتحكّم بالعقول؟

9 ابريل 2012
طبعاً يمكن التحكم بالعقول، فالتاريخ حافل بالبراهين على ذلك إن قرأناه جيداً. وحتى في الحاضر، إذا تمعنت جيداً في مسار بعض الأحداث وما يحيطها من ضجيج ودعاية، سيكون بوسعك التنبؤ بردات فعل الناس، بل يُخيّل إلي أحياناً أن شريط هذا التحكم يمر أمامي وهو منطلق من مصدره، ماراً بما يلزم من عمليات وقنوات وصولاً إلى أبعد مُتلق في كل تجمع بشري أو حتى أصغر قرية نائية. هذا ليس صعباً، أليس كذلك؟ العلوم البيولوجية والحيوية قد تؤكد هذه الحقائق قريباً، فإذا توصل العاملون على تطوير علم الأعصاب لدرجة يمكن معها استبدال التالف أو تنشيط الخامل منها، فإن ذلك سيكون دليلاً ملموساً ساطعاً على إمكانية التحكم بعقول البشر ومعتقداتهم. وثمة الكثير من الشواهد حولنا التي يمكنها الذهاب بهذه الفرضية إلى حدود الواقع المحسوس. بل يمكن رصد حالات كاريكاتورية قصوى بهذا الصدد. مثلاً: كثيرون من حولنا في العالم يؤمنون بتأثير أشخاص عليهم إلى حد يصل إلى التبعية. هم يدركون ذلك وبعضهم يعترف به وبعضهم يتباهى به أيضاً (كحالة العشق والوله). صحيح أن بعض الحالات قد تكون مؤقتة واليقظة منها تحتاج إلى صدمة. لكنها موجودة أليس كذلك؟ قرأت أخيراً عن خدعة الرجل الهولندي الطائر، جارنو سميث، الذي ادعى أنه نجح في صناعة جناحين بطول 17 متراً أتاحا له الطيران مثل عصفور. أثار «إنجازه» الكثير من الضجة والأضواء، فتسجيل الفيديو الذي يصور طيرانه في حديقة هاج الهولندية لاقى إقبالاً عالمياً قبل أسبوع، وقفز عدد مرات مشاهدته على موقع يوتيوب فوق الثلاثة ملايين مشاهدة. وكادت الخدعة تصبح واقعاً في عقول الكثيرين، ومن المؤكد أنها أثارت لديهم أحلاماً وتخيّلات، وأثّرت في طريقة تفكيرهم وربما غيّرتها إلى حد بعيد أيضاً، إلى أن اعترف سميث في برنامج تلفزيوني بأن ما قام به ليس سوى خدعة صادقة النية استغرقت منه ثمانية أشهر، وأراد من خلالها اختبار آلية عمل وسائل الإعلام الجديد على شبكة الأونلاين. إطلالة سميث التلفزيونية كشفت عن هويته الأصلية فهو ليس سوى صانع أفلام يدعى لوريس هييك، وقد استطاع بمشروعه الاختباري هذا الكشف عن أن عموم الناس مستعدون لتصديق خدعة دبّرها شخص واحد عبر إنتاج بضع دقائق من فيديو - واحد - عرف كيف يتلاعب بأحلام البشر الأبدية في الطيران كالعصافير. ورغم التقدم الهائل في المعرفة - الجماهيرية - والعلوم والتكنولوجيا وحرية التواصل، لنا أن نتصور ضخامة تأثير الإعلام في العقول، وقدرته على بلوغ مستوى التحكم أحياناً (إذا ما تعاون مع أجهزة التوجيه الأخرى)، خاصة عندما تتمركز ملكية كل هذه الآلة الإعلامية التكنولوجية ـ العالمية الضخمة بيد قلة. هذا يحدث في أكثر من مجال، ويحدث أكثر لدى الشعوب الأكثر انفعالاً وعاطفية. أليس كذلك؟ barragdr@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©