الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

انتكاسة الديمقراطية··· موريتانيا نموذجاً

انتكاسة الديمقراطية··· موريتانيا نموذجاً
20 أغسطس 2008 21:34
في شهر مارس ،2005 كان الرئيس بوش قد حث دول العالم الحر قاطبة، على الوقوف بجانب قوى الديمقراطية والعدالة التي شرعت في إعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط· غير أن إدارة بوش قد زجت بنفسها في التزام تتزايد صعوبته يوماً بعد يوم في العراق، بينما تخلت عن دعمها للقوى الديمقراطية على مسافة تقارب الـ4000 ميل من بغداد· وكانت قوى الديمقراطية والعدالة هذه تنشط في موريتانيا، بشمالي القارة الإفريقية حينها· فبعد ستة أشهر فحسب من تصريح بوش المذكور أعلاه، أقدمت مجموعة من الضباط والجنرالات الموريتانيين على تنظيم انقلاب عسكري أطاح بالطاغية معاوية ولد الطايع، وأعلنت عن خطة طموحة مداها 19 شهراً للتحول بموريتانيا إلى نظام الحكم الديمقراطي· بدأ هذا التحول بإجراء استفتاء شعبي عام، لينتهي بالانتخابات الرئاسية التي شهدتهــا موريتانيــا في مارس ·2007 لكن وبسبب العزلة التي فرضها الاتحاد الإفريقي والغرب على انقلاب عام ،2005 ألقيت مهمة التحول الديمقراطي هناك بكاملها على عاتق المنظمات الطوعية غير الحكومية· وعندها وجدت نفسي هناك في العاصمة الموريتانية نواكشوط· ولأسباب تتعلق بأمني الشخصي، سأتحاشى ذكر المنظمة الطوعية التي كنت أعمل فيها هناك، وهي منظمة تنشط في مجال حفز الديمقراطية عالمياً· ومن جانبي فقد ساعدت في إدارة مهمة الرقابة الدولية على الانتخابات الرئاسية· وفي يومي 24 و25 مارس 2007 أجرت موريتانيا أول انتخابات رئاسية ديمقراطية حرة ونزيهة في تاريخها· وفي 19 أبريل من العام نفسه، أدى الرئيس سيدي ولد الشيخ عبدالله القسم على منصبه الرئاسي· وكان مثالاً صادقاً لقيادة التحول الديمقراطي التي حثــت إدارة بوش دول العالم الحر على دعمها والوقوف إلى جانبها في منطقة الشرق الأوسط· لكن وبسبب انشغالهـــا بحربها على العراق فيما يبدو، لم تقدم الإدارة دعماً ولا حتى تشجيعاً يذكر للحكومة الموريتانية الجديدة المنتخبة ديموقراطياً· وقبل نحو أسبوعين فحسب، أي بعد 15 شهراً من انتخابها، انتهت السلطة الجديدة في موريتانيـــا إلى ذات النقطـــة التي بدأت منها، إذ تمت إطاحتها عبر انقلاب عسكري جديد· وبالطبع فإنه يسهل جداً الحكم على التجربة السياسية الموريتانية باعتبار أن الأمر يتعلق ببلد يصعب فيه تجذير الديمقراطية، شأنه في ذلك شأن كافة بلدان العالم الإسلامي· غير أن لهذا البلد أسباباً أخرى وراء عدم تجذر نظام الحكم الديمقراطي فيه· فهو في غاية الفقر، وتزيد مساحته الجغرافية على مساحة ولاية تكساس، بينما يقل عدد سكانه عن سكان مدينة لوس أنجلوس· والأهم من ذلك أنه يفتقر لأي بنية تحتية تقريباً، ما يجعل بعض سكانه يذكرون جيداً إلى اليوم متى تم رصف أول طريق سريع فيه· لكن ليست كل هذه العوامل مجتمعة، سوى وجه واحد فحسب من وجوه الواقع الموريتاني· فرغم فقرها، تعرف موريتانيا باحترامها للأديان، وهي تتمتع بثاني أعلى نسبة لتمثيل النساء في الجهاز الحكومي على مستوى منطقتي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا· إلى جانب ذلك تعد موريتانيا ضمن دول عربية قليلة، تعترف دبلوماسياً بإسرائيل، إضافة إلى إلغائها للرق· وخلافاً لكثير من دول المنطقة العربية، يمكن للزوار والمقيمين الأجانب، الذهاب إلى المسجد أو الكنيسة، إضافة إلى ما ينعمون به من حرية شخصية كاملة لا يتعدى عليها شخص أو مؤسسة· وبدلاً من الركون إلى القول باستحالة رسوخ التجربة الديمقراطية في موريتانيا، بسبب عوامل ذاتية خاصة، فإنه من الواجب أن يؤخذ بالانقلاب الأخير الذي أطاح بالنظام الشرعي المنتخب ديمقراطياً هناك، على أنه مثال عملي على استحالة ترسيخ الديمقراطية في موريتانيا والدول الشبيهة بها، دون تقديم العون والدعم اللازمين لها من قبل المجتمع الدولي· ولعل أكثر الجوانب مأساوية في مأزق بوش العراقي، أن سياسته الخارجية إزاء منطقة الشرق الأوسط، فقدت معناها تماماً بسبب إهمالها عمليات التحول الديمقراطي التي شهدتها دول أخرى في المنطقة مثل موريتانيا، مع أنها من أكثر التجارب والعمليات تعبيراً عن جوهر سياسة التحول الديمقراطي التي وضعت من أجلها تلك السياسة الأميركية· ولهذا التضارب ما بين القول والفعل نتيجتان رئيسيتان؛ أولاهما وأخطرهما التقليل من شأن الديمقراطية ومغزاها، في ذات الدول التي أرادت لها إدارة بوش التحول صوب الديمقراطية··· ومنها موريتانيا بالطبع· وثانيتهما أنه وبدون الدعم المالي والسياسي القوي لتجارب التحول الديمقراطي الوليدة هذه -من قبل الغرب والمنظمات غير الحكومية، وبصفة خاصة من قبل الولايات المتحدة- فالأرجح أن تفقد الديمقراطية معناها، فينكمش التأييد الشعبي لها، ما يفتح الطريق أمام صعود الطغاة إلى سدة الحكم، وتقويض سيادة القانون في كل مرة· ورغم ما حدث في موريتانيا، فإنه لا يقلل من أهمية الديمقراطية، ولا يلغي حقيقة أنه من الأفضل لشعوب المنطقة العربية أن تحكمها المؤسسات وسيادة القانون بدلاً من أن يسودها قانون الطغاة· وبالقدر نفسه، فإنه من الأفضل للولايات المتحدة أن تعم الديمقراطية بلدان المنطقة، وهو ما لن يحدث ويقدر له النجاح، إلا بوقوفنا إلى جانب التحولات الديمقراطية التي تشهدها هذه البلدان· كارولين باكستر باحثة بكلية الشؤون الدولية والعامة في جامعة كولومبيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©