الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

انعزالية أميركية.. مقلقة للحلفاء

انعزالية أميركية.. مقلقة للحلفاء
20 ابريل 2014 23:28
مايكل شيرتوف وزير الأمن الداخلي الأميركي بين عامي 2005 و2009 عشية الحملة العسكرية ضد العراق في عام 2003 نصح الجنرال، جيمس ماتيس، الفرقة الأولى لمشاة البحرية، قائلاً: «أريدكم أن تثبتوا للعالم أنه لا صديق أفضل منكم ولا عدو أسوأ منكم»، وهو الشعار الذي يمكن القول إنه ظل الدليل الموجه لسياسة الأمن القومي الأميركي على امتداد سنوات عديدة، بما يعنيه من التزام أميركا بالدفاع عن أصدقائها وملاحقة أعدائها. لكن للأسف بدأ حلفاؤنا اليوم يشككون في هذه المقولة، وما إذا كانت الولايات المتحدة قد نكثت وعدها. فمنذ مغادرتي لمنصبي كوزير للأمن الداخلي في عام 2009، تحدثت إلى عدد من مسؤولي الدول الصديقة، سواء في آسيا أو الشرق الأوسط، وسمعت منهم على نحو متصاعد مخاوفهم حيال عدم استمرار أميركا كحليف موثوق به جدير بالاعتماد عليه في حالة تعرضهم لهجوم. هذه المخاوف تتطابق مع تصريحات أدلى بها قادة وزعماء في دول صديقة عبروا فيها عن قلق حقيقي من أنهم قد يُتركوا ليدافعوا عن أنفسهم في وجه التحديات الأمنية، أكانت من إيران أو الصين أو كوريا الشمالية. ولا ننس أن القيمة الردعية التي تمثلها التحالفات والمعاهدات الدفاعية تكمن في قدرتها على إقناع الخصوم المحتملين بأن الرد سيكون قاسياً في حال اعتدائهم على أحد الشركاء، وأن الأمر سيتم التعامل معه تماماً مثل الاعتداء على الولايات المتحدة نفسها. ولترسيخ هذا الردع وإكسابه المصداقية يتعين التقيد بتصريحات متزنة وحقيقية بإقران القول بالفعل، وهو أمر لم نعد نراه كثيراً في السياسة الأميركية. وحتى التدخل الأميركي بليبيا لم يندرج في إطار تحالف أو اتفاقية دفاعية تلزم واشنطن، بل كان لدواع إنسانية، مع إصرار المسؤولين الأميركيين على أن يتخذ هذا التدخل شكلاً متعدد الأطراف ولا يقتصر على الولايات المتحدة، لكن التدخل «من الخلف»، كما سُميت المشاركة الأميركية أثناء العملية الليبية، خلق انطباعاً وكأن واشنطن تسعى للاختباء وراء حلفائها، ليتكرس بذلك التصور عن السياسة الأمنية للولايات المتحدة القائمة على الخروج من العراق وأفغانستان وتفادي التدخلات العسكرية الكبرى، مكتفية فقط بعمليات محدودة تتم في أضيق الحدود. ولعل ما زاد من تكريس هذه الصورة، التعامل الأميركي مع الأزمة السورية التي يرى الكثيرون أنها مزيد من الوعيد غير المتحقق والانسحاب. ففي أغسطس 2011 أعلن أوباما صراحة بأن «الوقت قد حان لتنحي الرئيس الأسد»، لكننا لم نستثمر إلا قليلاً في المساعدات والدعم حتى يتحقق ذلك. وبعد سنة على التصريح، تكلم الرئيس أيضاً عن الخط الأحمر المتمثل في استخدام نظام الأسد للسلاح الكيماوي، وقد قام بذلك دون الحصول على موافقة الكونجرس، حتى إذا ثبت بما لا يدع مجالاً للشك تورط النظام في استخدام السلاح الكيماوي ضد شعبه، قرر أوباما فجأة أنه يتعين أولاً الحصول على ترخيص من المشرعين، وعندما أصبح الأمر صعباً انقض على المقترح الروسي بنزع السلاح الكيماوي، ليكرس بذلك حكم الأسد واستمراره في السلطة. وأشار مسؤول آسيوي تحدثت إليه خلال السنة الجارية إلى الموضوع السوري، باعتباره دليلاً آخر يدعم تشكيك الحلفاء في مدى استعداد أميركا للوقوف إلى جانبهم ضد الصين. هذا المسؤول استشهد أيضاً بمذكرات وزير الدفاع السابق، روبرت جيتس، الصادرة مؤخراً، ليتساءل عما إذا كانت إشاحة الولايات المتحدة بوجهها عن الصراعات المسلحة، تعني التخلي عن التزاماتها في منطقة خطيرة. بل حتى على الصعيد الداخلي، أفاد استطلاع للرأي أجراه مركز «بيو»، في شهر ديسمبر الماضي، بأن 70 في المئة من الأميركيين يشعرون بأن بلادهم أقل احتراماً في الخارج مما كانت عليه في السابق. ولا غرو إذن أن يكون الرئيس الروسي، فلادمير بوتين، قد تعامل مع السلبية الأميركية على أنها ترخيص لبسط سيطرته، إن لم يكن غزو جيرانه، بعد أن نقض مذكرة التفاهم الموقع عليها في بوخارست سنة 1994 التي تعهدت فيها روسيا، إلى جانب الولايات المتحدة وبريطانيا، بضمان أمن أوكرانيا والحفاظ على استقلالها السياسي ووحدة أراضيها بعدما تخلت عن ترسانتها النووية. لكن تجاهل أميركا للضمانات التي أعيد التأكيد عليها في عام 2009، شجع روسيا على التعاطي معها كوعود فارغة. وبالطبع ليس التراجع في مصداقية الولايات المتحدة مرده إلى سياسة الإدارة الحالية، فهناك ميل راسخ لدى بعد نواب الكونجرس الجمهوريين وبعض الجماعات الأخرى نحو انعزالية جديدة تقلل من قيمة الوقوف إلى جانب الحلفاء، أو تعرضهم للاعتداء، وهم الذين أيدوا اقتطاعات الموازنة التي تؤثر سلباً على القدرات العسكرية للجيش الأميركي وإمكانية حماية الحلفاء. وعلينا ألا نخدع أنفسنا، فعالم يشكك في قدرة أميركا على حماية حلفائها سيكون أكثر خطورة، فلو أن بلدان الشرق الأوسط وآسيا اعتقدت أننا مترددون في التزاماتنا الأمنية، فإنهم سيرتبون أوضاعهم دون الرجوع إلينا، ما يزيد احتمال الخطأ الذي يؤدي إلى الحرب، كما أن بعض تلك الدول قد تخلص إلى أن الطريقة الوحيدة لحماية نفسها هي بحيازة السلاح النووي. وعندما تؤمن الدول الحليفة أن خطوطنا الحمراء هي مجرد كلام فضفاض خال من المضمون، فإن احتمالات الحرب تتصاعد، تماماً مثلما حصل مع صدام حسين الذي أساء تقدير الموقف الأميركي في التسعينيات فغزا الكويت وجر على بلده كل هذه الويلات، لذا يستدعي تصحيح الاستراتيجية الأميركية إعادة تحديد الخطوط الحمراء والدفاع عنها، سواء باستخدام القوة الناعمة أو الخشنة، كما أن سياسة واضحة تجاه الحلفاء تدعمها أفعال صريحة هي الوحيدة القادرة على إعادة الاستقرار والأمن إلى مناطق عديدة حول العالم. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©