الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أفريقيا تستعرض عضلاتها والعالم يصفق

أفريقيا تستعرض عضلاتها والعالم يصفق
12 يونيو 2010 23:44
كان يوماً تاريخياً مضى بسرعة ولكنه سيظل محفوراً في الذاكرة إلى الأبد، فكل مشهد كان صورة وكل لقطة كانت تعبر عن معانٍ كثيرة، منذ اللحظة التي وصلنا فيها إلى أرض الملعب لحضور حفل الافتتاح والمباراة الأولى لنهائيات كأس العالم 2010 وكان ذلك قبل بداية المباراة بخمس ساعات، ومن خارج الملعب علمت أن الاحتفال قد بدأ ولن يتوقف حتى الحادي عشر من شهر يوليو القادم، لقد بدا الأمر كما لو كانت أفريقيا تستعرض عضلاتها وتتألق بينما العالم واقف ينظر مشدوهاً قبل أن يصفق. طوابير الجماهير كانت تقف أمامي، آتية من كل الاتجاهات للتجمع في نقاط معينة.. أليست هي أمة قوس قزح كما يطلقون عليها وهي فعلاً كذلك. وبينما أجواء من البهجة تسود المكان سألت أحد المنظمين: متى بدأ توافد الجماهير إلى الملعب؟ فقال لي منذ الثامنة صباحاً فهم لا يريدون أن يفوتوا دقيقة من هذا اليوم التاريخي علماً بأن أبواب الملعب افتتحت في الساعة العاشرة والنصف. وعلى الرغم من الشمس التي كانت ظاهرة في الأفق إلا أن الجو كان بارداً ومع ذلك لم يطفئ الطقس حرارة الحماس فكل الوجوه كانت مبتسمة وسعيدة وكل شخص حاضر بشكل وكأنهم ذاهبون إلى حفلة تنكرية فهذا يرتدي زي أحد زعماء قبائل الزولو وذاك يتوشح بلباس القيصر الروماني ويحمل سيفه كذلك ولكنه ليس سيفاً حقيقياً بل من ورق، فهذا المكان ليس للقتال ولكنه للاحتفال. وقبل الافتتاح من خارج الملعب كانت المباراة قد بدأت بين الجماهير المكسيكية الكبيرة والتي زحفت خلف أحفاد الآزتك وهم يرتدون قبعاتهم الكبيرة والوشاح الشهير يغنون وينشدون بلغتهم الإسبانية ما لم أفهمه سوى كلمة واحدة وهي “البافانا بافانا” وهو الاسم الرمزي لمنتخب جنوب أفريقيا وما فهمته من هذه الكلمة أنهم يرفعون شعار التحدي للمنتخب المضيف وجماهيره. أما النسبة الأكبر من الحضور ومن أصحاب المكان فهي جماهير “البافانا بافانا” فقد توافدت من كل مكان وهي ترتدي الزي الأصفر والأخضر، في أمواج بشرية بهذين اللونين تغمر المكان ولا تتحدث ألسنتهم سوى بكلمة “بافانا بافانا” ومعظمهم يحمل “الفوفوزيلا” آلتهم التشجيعية المفضلة والتي يعتقد بلاتر أنها جزء من الثقافة الأفريقية رافضاً حظرها في المدرجات بعد تعالي الأصوات المطالبة بمنعها نظراً لما تشكله من ازعاج للاعبين في أرض الملعب، وبالتأكيد فإن بلاتر لم يكن ماراً ونفخ أحد المشجعين بآلة “الفوفوزيلا” في أذنه وأفزعه كما حدث لي وأنا في طريقي إلى الملعب ولكنني أجد نفسي أقف في صف بلاتر هذه المرة وأتعاطف مع الجماهير التي تعشق هذه الآلة. وقبل الدخول إلى الملعب كان لابد من جولة في المناطق المخصصة للجماهير في الخارج حيث قمت بزيارة الخيمة التي أعدتها «طيران الإمارات» للجماهير ووضعت فيها شاشة كبيرة ولعبة الكترونية يقوم من خلالها بتسديد الكرات في مرمى حارس الكتروني يقف في الشاشة وسط حفاوة من مضيفات الشركة، ومعظم الشركات الراعية أقامت مثل هذه المناطق للترويج لنفسها عبر تقديم أنشطة ترفيهية للجمهور والحاضرين. وكانت لحظة دخول الملعب بعد أن اقترب حفل الافتتاح من بدايته وكان لابد من اللحاق بكل فقراته منذ البداية لأنها لحظة تاريخية لأفريقيا وللعالم، وبمجرد دخولي إلى الملعب اكتشفت أن المدرجات ممتلئة يطغى عليها اللون الأصفر وهؤلاء هم جماهير البلد المضيف والباقي تم تركه للخضر من جماهير المكسيك وعلمت فيما بعد أن عدد الجماهير الحاضرة اقترب من 85 ألف متفرج. جلست على مقعدي بحلول الساعة الثانية بالتوقيت المحلي وسرعان ما بدأ العرض وانطلق الحفل المبهر والقبائل الأفريقية بأزيائها التقليدية تجتاح الملعب في مشهد رائع أظهر للعالم امتنان جنوب أفريقيا باحتضان هذه البطولة الكبيرة. كانت الثقافة الأفريقية والتراث الذي تتميز به القارة السمراء حاضراً في الحفل وكانت الفقرات معدة بشكل لم يدع الملل يتسرب في نفوس الحضور كما هي العادة في حفلات الافتتاح التي تأخذ غالباً الطابع الرسمي، ولكن هذا الحفل كان مختلفاً وحمل التراث الأفريقي إلى جميع بقاع العالم ورسالة لكل من شكك في قدرة أفريقيا على أن تنظم كأس العالم فكانت البداية المبهرة وبانتظار المزيد. وبعد ساعة من العروض التي قدمها 1500 مشارك وبغناء مجموعة من المطربين الأفارقة انتهى الحفل وبدأت عملية إزالة مخلفاته من أرض الملعب استعداداً لنزول الفريقين لإجراء الإحماء وكان المنتخب المضيف هو الذي نزل أولاً لتستقبله الجماهير استقبالاً حافلاً وبالتصفيق وأصوات “الفوفوزيلا” التي عمت المكان، ثم نزل المنتخب المكسيكي ولاقى بدوره تشجيعاً حاراً من جماهيره والتي وإن كانت أقل عدداً ولكنها لم تقل عن جماهير “البافانا بافانا” حماساً. وقبل ربع ساعة من بداية المباراة نزل الفريقان إلى أرض الملعب ومن خلفهما الرئيس جاكوب زوما يرافقه الرئيس المكسيكي وجوزيف بلاتر وعيسى حياتو حيث ألقى بلاتر كلمة الفيفا قبل أن يعلن زوما رسمياً افتتاح البطولة، ثم قام الرؤساء بمصافحة اللاعبين قبل أن يخلو الملعب وتنتهي الإجراءات البروتوكولية والكلمات الرسمية وليحين دور كرة القدم لتقول كلمتها. اللحظة الحزينة كانت اللحظة الأكثر حزناً في حفل الافتتاح هي عندما أعلن الرئيس زوما للحضور غياب الرمز نيلسون مانديلا لظروف وفاة حفيدته ذات الثلاثة عشر ربيعاً، بعد خروجها من الحفل الموسيقي الذي أقيم في سوهيتو ليلة الافتتاح، وسادت لحظة من الصمت الرهيب عند حديث زوما وتعازيه لمانديلا ولكن سرعان ما عاد الجمهور إلى حيويته المعتادة عندما نقل لهم زوما رسالة مانديلا بضرورة ألا تتوقف اللعبة وأن يستمتع الشعب بكل لحظاتها. توتو «نوبل» يرقص في الافتتاح جوهانسبرج (الاتحاد)- ديسموند توتو ولمن لا يعرفه فهو رمز من رموز جنوب أفريقيا فهو الحائز جائزة نوبل للسلام عام 1984، ويعد رمزاً يحظى بحب واحترام من جميع شرائح المجتمع في جنوب افريقيا. توتو كان حديث الناس في مباراة الافتتاح عندما تخلى عن وقاره ولم يستطع أن يمنع نفسه من الرقص على أنغام موسيقى الافتتاح الأفريقية وهي الصورة التي تناقلتها شاشات التلفزيون للرجل البالغ من العمر 69 عاماً. وتوتو نفسه كان حاضراً في الحفلة الموسيقية التي أقيمت ليلة مباراة الافتتاح وصعد الى خشبة المسرح برفقة جوزيف بلاتر والرئيس زوما وألقى كلمة قوبلت بتصفيق الحضور وقال فيها: “يبدو أنني أحلم أرجوكم أيقظوني”. الإعلاميون تفاعلوا مع هدف تشابالالا جوهانسبرج (الاتحاد)- كان التعاطف مع المنتخب المضيف واضحاً وجلياً في وجوه جميع الإعلاميين من مختلف الجنسيات، وبمجرد أن سجل منتخب جنوب أفريقيا الهدف الأول عن طريق اللاعب تشابالالا اجتاحت الملعب حالة هيستيرية من قبل الجماهير التي جن جنونها بأول هدف في كأس العالم 2010 وأول هدف على التراب الأفريقي، وكذلك الحال في مقصورة الإعلاميين حيث قفز معظمهم من المقاعد وتفاعلوا بشدة مع الهدف الذي جاء بتسديدة رائعة، ولم يكن التفاعل مع هدف المكسيك عن طريق رافائيل ماركيز بنفس الصورة حيث تم تسجيله وسط حالة من الصمت في المدرجات وفي مقصورة الإعلاميين كذلك. بعد نهاية المباراة كانت علامات الرضا واضحة على جماهير الفريقين وكان لابد من الالتقاء ببعضهم لسؤالهم عن مشاعرهم بعد أن انتهى اللقاء فقال لي أحد مشجعي أصحاب الأرض إن المباراة كانت جيدة وإنه كان يتمنى الفوز ولكنه أكد سعادته بأداء الفريق على الرغم من ظهوره بمظهر خائف في الشوط الأول ومع دخوله في أجواء المباراة تحسن الأداء واكتسب اللاعبون الثقة وكانوا قادرين على تسجيل الهدف الأول وكان بإمكانهم إضافة المزيد، أما المشجع المكسيكي الذي التقيته فقال إن النتيجة عادلة فقد كان الشوط الأول لمصلحة المكسيك بينما تعملق منتخب جنوب أفريقيا في الثاني وبالتالي فقد استحق كل فريق نقطة. الكل مبتسم جوهانسبرج (الاتحاد)- من أسرار النجاح الذي ينتظر هذه البطولة، بل من أسرار الحياة تلك الابتسامة التي ترتسم على وجه الجميع في جوهانسبرج، فالجميع يبتسم ويمنحك أجمل ما في وجهه، ترى الرجل وتشاهد في عينيه كل متاعب الحياة وهمومها ولكن لا تفارق الابتسامة محياه. فهو جزء من المنظومة وطالما اختارت جنوب أفريقيا أن تقدم صورتها الجميلة للعالم فلابد أن يتكاتف الجميع. هذا ما رأيناه حتى الآن الكل مبتسم والكل مستعد لخدمة الضيوف وتقديم المساعدة وقت الضرورة فلا يتبرم ولا يغضب من أي سؤال، المنظمون ورجال الأمن والمتطوعون كلهم يبتسمون، حتى تلك المرأة التي تحمل المكنسة لتنظف ما يوجد على الأرض من مخلفات علمت أنها جزء من الحدث فابتسمت. دروس مجانية الجماهير تقضي يوماً في حب «الأولاد» جوهانسبرج (الاتحاد)- هي تجربة رائعة ما رأيته يوم المباراة الافتتاحية لنهائيات كأس العالم 2010 ومنذ الصباح حتى نهاية اليوم ولعل من أكثر ما أعجبني في ذلك اليوم هو الجانب الجماهيري ودعوني أحكي لكم كيف سارت الأمور. في البداية كانت قضية الازدحام المروري تقلق الجميع خصوصاً أن المدينة تعاني أساساً من هذا الزحام في الأيام العادية فكيف يكون الأمر والمدينة تحتضن افتتاح أكبر بطولة على وجه الأرض والعدد المتوقع للجماهير لا يقل عن 90 ألف متفرج. ومن أجل تشجيع وسائل النقل الجماعي وتقليل الاعتماد على السيارات الشخصية تم الإعلان عن غلق الطرق في وجه أصحاب السيارات الصغيرة والسماح للحافلات بالمرور، وهذا الإعلان جعل الجميع يفضل ركوب الحافلات من أجل الوصول المريح إلى الملعب. ومن جانب آخر تعتبر فرصة ارتياد الحافلة مناسبة رائعة للتفاعل بين الجماهير بعضها البعض ولذلك كانت شلالات الحافلات تنهال على الملعب «التحفة» أما أولئك الذين ضربوا بالإعلان عرض الحائط فقد اضطروا لإيقاف سياراتهم بعيداً عن الملعب وإكمال المشوار سيراً على الأقدام لمسافة لا تقل عن خمسة كيلومترات. ومن الأمور الجميلة حرص الجماهير على الذهاب مبكراً إلى الملعب وهؤلاء لم يذهبوا إلى الملعب من أجل الحصول على مكان فالتذاكر كانت مباعة ولا مجال للشراء في ذلك اليوم ولكنها لحظة تاريخية بالنسبة إليهم وهم لا يرغبون في إضاعة لحظاتها الثمينة، كما أنهم ذاهبون إلى مهرجان والمباراة وحفل الافتتاح جزء يسير من هذا المهرجان والجزء الأكبر هو ما قبل المباراة وما يليها ولذلك كانوا ينتشرون حول الملعب من أجل التقاط الصور والاحتفال على طريقتهم الخاصة. وقبل المباراة كانت الجماهير الأفريقية والمكسيكية تسير جنباً إلى جنب فهم قد تفرقهم أهدافهم خلال المباراة ولكن تجمعهم الروح الرياضية فكانوا يقفون ويتحادثون ويغنون ويرقصون سوية. كويتزي يذكّر الشعب ويستعيد أحداث التاريخ 11 يونيو مختلف خارج لائحة «التشاؤم» جوهانسبرج (الاتحاد)- قبل يوم من افتتاح كأس العالم في جنوب أفريقيا نشر مقال في أحد الصحف المحلية في جوهانسبرج كتبه الصحفي مايكل كويتزي يتحدث فيه الكاتب عن البطولة وتساءل عن اليوم الذي ستفتتح فيه البطولة وهو الحادي عشر من يونيو وعما إذا كان سيحمل الفخر للبلاد أم سيتحول إلى يوم للنسيان، واستشهد الكاتب ببعض التواريخ التي يتشاءم منها بعض الناس كيوم الجمعة الثالث عشر من الشهر، أو الحادي عشر من سبتمبر بالنسبة للأمريكان على خلفية أحداث سبتمبر الشهيرة. ويرى الكاتب أنه في حال تعرضت البطولة في يوم الافتتاح لهجوم إرهابي أو تعرض أحد الزوار لجريمة أو عمل عنيف فقد يتحول الموعد المنتظر إلى تاريخ أسود لا يتمنى أي شخص أن يتذكره. ويستعيد الكاتب بعض الأحداث التاريخية التي حدثت في الحادي عشر من يونيو عبر كل العصور وهي أحداث لا تدعو للتفاؤل أبداً ومنها عام 1184 قبل الميلاد عندما سقطت مدينة طروادة في يد اليونانيين، وعام 323 قبل الميلاد عندما مات الاسكندر الأكبر عن عمر 32 عاماً، ونفس التاريخ من عام 1805 عندما تعرضت أجزاء كبيرة من مدينة ديترويت للحريق وتدمرت بشكل كلي، كما شهد عام 1937 إعدام ثمانية قادة عسكريين على يد الروسي ستالين. وفي عام 1963 أحرق الراهب البوذي كوانج دوك نفسه احتجاجاً على وجود حرية للأديان في فيتنام، وفي العام التالي قتل رجل ألماني ثمانية أطفال ومدرسين في مدرسة ابتدائية في ألمانيا. وتطرق الرجل إلى الكوارث الطبيعية التي حدثت في يوم الحادي عشر من يونيو حيث ذكر الزلزال الذي حدث في إيران في هذا التاريخ من عام 1981 وقتل على أثره أكثر من 2000 شخص، كما ذكر حادثة إعدام تيموثي ماكفي المتهم في انفجارات أوكلاهوما عام 2001 وأيضا في الحادي عشر من يونيو. وفي نهاية المقال تمنى الكاتب أن يكون الحادي عشر من يونيو بالنسبة لجنوب أفريقيا مختلفاً تماماً عن الأحداث التي ذكرها وألا تضيع سنوات من التحضير والتجهيز سدى واختتم قائلاً إذا كان الحادي عشر من يونيو هو يوم مشؤوم فبإمكان جنوب أفريقيا تغيير ذلك. وأعتقد أن مايكل الآن سعيد بعد أن مر حفل افتتاح المونديال بطريقة رائعة وبعد أن كان 11 يونيو مختلفاً هذه المرة.
المصدر: جوهانسبرج
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©