الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أعداء «البريكسيت» ينتقمون!

11 يونيو 2017 23:45
كان لدى تيريزا ماي خطة، تتمثل في سرقة سياسات «اليمين المتطرف» في بريطانيا، والذي يمثله «حزب الاستقلال»، ثم سرقة أصواته أيضاً. فمنذ توليها منصبها منذ عام تقريباً، دأبت رئيسة الوزراء البريطانية -التي كانت معتدلة في السابق- على مهاجمة الأجانب، والسخرية من الاتحاد الأوروبي، ووضع يدها في يد دونالد ترامب، ففي شهر أبريل الماضي، على سبيل المثال، دعت إلى انتخابات مبكرة، لثقتها بأن ناخبي حزب الاستقلال البريطاني، سيؤيدون سياستها التي أسمتها «الخروج الصعب» من الاتحاد الأوروبي، ونسختها المخففة من الشعبوية المحافظة. لقد تناست «ماي» أن الوسطية المعتدلة لسلفها في المنصب «ديفيد كاميرون» قد كسبت تأييد أغلبية حزب المحافظين منذ عامين فقط، كما تناست أنها شخصياً قدمت تفاصيل قليلة عن الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، وما الذي يعنيه: لقد قالت ماي عن الانتخابات التي جاءت بها إنها «انتخابات البريكسيت»، وأعلنت أنها المرشحة «القوية والمستقرة»، ووعدت بمفاوضات صعبة مع أوروبا، وكانت تتوقع الفوز بأغلبية أكبر. نعم كانت لدى «ماي» استراتيجية، لكنها كانت استراتيجية موجهة لإرضاء قاعدتها الانتخابية فحسب، في الوقت الذي تجاهلت فيه أصوات 48% من المواطنين البريطانيين، الذين لم يصوتوا لصالح الخروج، وقالت إنهم «مواطنون لا ينتمون لوطن ما» وتجاهلت المخاوف التي خلقها البريكسيت، والعواقب الاقتصادية التي بدأت تسبب الألم للمواطن العادي، وتجاهلت الفئات الأصغر سناً، التي فضلت البقاء في الاتحاد الأوروبي العام الماضي، وتفضل الآن حزب العمال على حزب المحافظين بأغلبية تصل 63% مقابل 27% فقط. افترضت ماي أيضاً أن الوسطيين والمعتدلين، الذين صوتوا للمحافظين عام 2015، وصوتوا للبقاء في أوروبا عام 2016، سيصوتون لها حتماً، لأنه لن يكون هناك سياسي آخر يتوجهون إليه، فلم يكن بمقدور هؤلاء، مثلاً التصويت لجيرمي كوربين، شبه الماركسي، وزعيم حزب العمال اليساري الذي خاض الانتخابات بأجندة تقوم على فرض ضرائب مرتفعة على الأغنياء، والإنفاق الكبير، والارتياب العميق تجاه السياسات الدفاعية التقليدية، والسياسة الخارجية لبريطانيا، كما لم يكن بمقدورهم تفضيل حزب العمال المنقسم على نفسه بشأن البريكسيت. لكن، ومع مضي الحملة، أخذت ماي تزداد تصلباً، وتصبح بالتالي أكثر تعرضاً للمخاطر، خصوصاً بعد أن أخذ بريق عباراتها المفضلة التي كانت تتشدق بها، وهي «قوية ومستقرة»، يبهت تدريجياً، مما دعا العديدين في الوسط العائم إلى النظر إلى كوربين والتساؤل: «هل هو حقاً أكثر سوءاً بكثير؟». والنتيجة؟ انتقام أنصار البقاء في الاتحاد الأوروبي. ففي مقاطعة كانتربري، مثلاً، خسر عضو برلمان محافظ عتيد من كبار أنصار الخروج من أوروبا، أمام عضو برلمان ينتمي لحزب العمال، وهو ما أرجعه المحللون إلى الارتفاع الكبير في أعداد الطلاب المصوتين. وفي مقاطعة كنسينجتون، وهي دائرة ذات أغلبية محافظة- وإن كانت الأغلبية فيها معارضة للخروج البريطاني كذلك، كانت الأصوات بين المحافظين والعمال متقاربة للغاية، لدرجة أن الانتخابات علقت في الساعة الثامنة صباح يوم جمعة حتى يتسنى لموظفي الانتخابات الذهاب إلى بيوتهم لنيل قسط من الراحة. وعبر البلاد، صوّت الناس لـ«العمال» رغم عدم حبهم الشخصي لكوربين، وأخبر الناخبون مراكز استطلاع الرأي بقلقهم على مستقبل النظام الصحي الوطني، وبنفورهم من تقلبات ماي بشأن العناية بالمسنين، وبتعب أعصابهم من القلاقل التي جلبها المحافظون للبلاد. الاهتمام فحسب بقاعدتك الشعبية، وإهانة خصومك، هو تكتيك يحبه الكثيرون، لكن هناك درس يمكن لمعارضي الشعبوية في مختلف أنحاء العالم الاستفادة منه: مبدأ الاهتمام فحسب بالقاعدة الشعبية للسياسي أو المسؤول لا يعمل، عندما تكون هناك مشاركة لأعداد كبيرة من الناخبين في التصويت، وفي هذه الانتخابات بالذات كانت نسبة المشاركة أكبر من المتوقع، كما أنه أسلوب لا يعمل عندما يواجه السياسي ناخبين غاضبين، يشعرون بالإقصاء، ولا يعمل في بريطانيا على الإطلاق. والمحصلة كارثة محققة، وإن يكن من الصعب على المرء أن يمنع نفسه من بالاستمتاع بمفارقاتها الكثيرة. لقد خاض المحافظون حملة ضد «تحالف الفوضي»، لكنهم الآن هم من يقودون مثل هذا التحالف ذاته. وماي نفسها خاضت حملة من أجل الحصول على أغلبية كبيرة، لكن بريطانيا الآن باتت دولة بـ«برلمان معلق»، برلمان لا يوجد فيه حزب واحد يمتلك من الأصوات ما يمكنه من تشكيل الحكومة. حاولت ماي أن تظهر نفسها بصورة الزعيمة المتفردة، لكن ها نحن نراها غير قادرة على البقاء في السلطة، سوى بمساعدة أحد الأحزاب الأيرلندية الشمالية الصغيرة، وما لم يقم حزبها الذي اشتهر تاريخياً بالحزب القاتل لملوكه، بإخراجها من النافذة فوراً، فإن أغلبيتها لن تكون قوية أو مستقرة، خصوصاً أن حزبها ذاته ممزق بانقسامه الداخلي حول موضوع البريكسيت. إنه لأمر مضحك، لكنه مأساوي أيضاً، لأن ماي كان يمكن أن تتصرف إزاء تلك المسائل بشكل مختلف، فعندما تولت منصبها العام الماضي، كان يمكنها أن تدرك أن البريكسيت عبارة عن أزمة دستورية وسياسية، بالأساس، كما اتضح لاحقاً. وكان يمكنها أن تدعو للوحدة الوطنية للتعامل مع هذا الموضوع المثير للانقسام، وكان يمكنها أن تسأل الناس: ماذا تفضلون؟ أو تسعى لحل وسط، لكنها تمسكت بمعادلتها الخاصة، «الخروج الصعب»، ولغتها الخشنة العبارات، وتمكنت من المحافظة على قاعدتها، لكنها خسرت كل ما عدا ذلك. *كاتبة ومحللة سياسية أميركية حاصلة على جائزة بوليتزر ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©