حكايا وصور على الطريق من البصرة إلى مسقط عبر مدن الخليج

هرمان بورخارت (1857 ـ 1909م) مصور فوتوغرافي ألماني ورحّالة كان يطمح إلى اكتشاف عوالم لم يرها من قبل، وأهمها البلدان الإسلامية في كل من جزيرة العرب والشرق الأدنى والأوسط. قام بورخارت عام 1893 وحتى مقتله باليمن عام 1909 بعدد لا يحصى من الرحلات إلى شمال أفريقيا وجزيرة العرب وبلاد الرافدين وأواسط آسيا. كان يعرف العربية والتركية، ولكن أهم منجزاته أنه ترك آلاف الصور التي توثق منطقة الخليج العربي من البصرة حتى مسقط. التي قطعها بمدة قدرها 100 يوم ماراً بالكويت وقطر والبحرين ثم إلى أبوظبي ودبي وأخيراً وصل حتى مسقط. أصدرت دار الكتب الوطنية في هيئة أبوظبي للثقافة والتراث كتاباً عنه بعنوان “رحلة عبر الخليج العربي.. من البصرة إلى مسقط” كتبه الباحثان انيغريت نيبا وبيتر هربسترويت من خلال الصور النادرة التي التقطها هرمان بورخارت خلال رحلته في الخليج العربي مع تعليقات وترجمة الدكتور أحمد ايبش. اختار بورخارت في رحلته من البصرة إلى أقصى ساحل الخليج العربي أن يركب قوارب البوم المحلية التي مكنته من الوصول إلى أغلب أماكن الساحل لصغرها بدلاً من ركوب السفن البخارية العاملة بين البصرة وبومباي. طريق متعرج بلغت رحلة بورخارت الكويت ثم جزر البحرين التي كانت تحت الحماية الإنجليزية ثم توقف في جمارك العقير ومن هناك اختار الطريق براً حتى بلغ الهفوف التي تتمركز فيها حامية تركية تعود للسلطنة العثمانية ثم استغرقت رحلة القافلة التي يصحبها عبر شبه جزيرة قطر إلى الدوحة ثمانية أيام. ومن الدوحة تابع بورخارت رحلته بالمركب إلي أبوظبي، حيث حل ضيفاً على الشيخ زايد بن خليفة آل نهيان حاكم أبوظبي لعدة أيام، ومن أبوظبي مضى أولاً إلى دبي ثم تابع على امتداد “ساحل الصُلح” إلى أن بلغ أخيراً مدن عُمان، صحار ومسقط ومطرح. في توثيقه لهذه الرحلة مرّ بورخارت بأبوظبي والتقى بالمغفور له الشيخ زايد بن خليفة آل نهيان “الشيخ زايد الكبير” حكم خلال الفترة بين 1855 ـ 1909 حيث احتفلت هيئة أبوظبي للثقافة والتراث بالذكرى المئوية لوفاته رحمه الله في 19 مايو 1909، وهو جد المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة. وبالتأكيد، فإن تأليف كتاب مثل هذا يحتاج إلى عدد من المصادر فكانت أهمها الصور الفوتوغرافية السلبية ومحاضرة وتقرير ويوميات هرمان بورخارت، بالإضافة إلى بعض رسائله ومراسلات مديرية الخارجية في برلين، فكان جهد التتبع والبحث هو مسار وفضل هذا الكتاب. بلغت تركة بورخارت التي عثر على 90? منها قرابة 2000 صورة وتم تحديد تواريخ التقاطها ومن هذا العدد هناك 5? منها تتعلق برحلته في منطقة الخليج العربي التي تعنينا هنا في هذا الكتاب. 100 يوم عاشها بورخارت متنقلاً من البصرة إلى مسقط، ومن الغرابة أن هذا الرحالة المصور كان يعرف ما يدور حوله من آراء تناقلها الناس آنذاك، حيث يقول: “ما من عربي صدقني بأنني أسافر من أجل المتعة، ففي نظرهم لا يسافر الواحد منّا إلا بغاية كسب المال أو لأجل التجسس على بلدهم”. صاحب بورخارت رفيق سفره أبو إبراهيم الدمشقي، وبالطبع كان بورخارت يواجه أسئلة كثيرة أهمها عن بلده ألمانيا الذي كان يجيب عنه أبو إبراهيم في تقريب العلاقة بين ألمانيا والدولة العثمانية. سبق رحلة بورخارت إلى ساحل الخليج العربي في شتاء عام 1903 أن قام برحلة في عام 1893 إلى واحة سيوا في الصحراء الليبية، حيث أرخها في 50 صورة، واعتمد في تمويل رحلته إلى الخليج العربي على إرث حصل عليه بعد وفاة والده، هذا بالإضافة إلى رغبته في مغادرة أوروبا فقام بالإعداد لرحلات قادمة، بأن أخذ يتعلم لغة السواحلي. وفي عام 1891 وكان عمره 33 عاماً درس اللغة العربية في كلية برلين للدراسات الشرقية. قراءة للواقع في كتاب “رحلة عبر الخليج العربي.. من البصرة إلى مسقط” قراءة لواقع الخليج العربي حوالى 1900 م وعبر تنقله في ساحل الخليج العربي ابتدأ تاريخ هذه الرحلة بزيارة الشيخ مبارك بن صباح الصباح العتبي الشملاني (1844 ـ 1915) حاكم الكويت السابع والمؤسس الحقيقي للكويت والذي تولى الحكم في عام 1896 ولقب بالشيخ مبارك الكبير والذي وجده شخصية واسعة الاطلاع كما يقول. يقدم المؤلفان نبذة تاريخية عن ساحل الخليج العربي خاصة عن الساحل الممتد من قطر إلى رأس الخيمة ثم يتتبعان رحلة بورخارت من البصرة إلى الكويت التي كانت تستغرق 8 أيام على مركب “البوم” عبر شط العرب وهنا التقى بالشيخ مبارك الصباح.. والتقط صورة له كما صور أسواق الكويت خاصة سوق الفحم، ثم أبحر إلى البحرين بعد مضي 7 أيام واستقبله الشيخ عيسى آل خليفة في قصره وانتقل بورخارت إلى العقير عبر الطريق البري وهي محطة جمرك إقليم الحسا “الحساء” وصور جونها وباحة المكتب الجمركي. وكان مقصده بعد العقير منطقة الهفوف بعد بضعة أيام من السفر عبر الصحراء واعتبرها في مذكراته أكثر المدن انتظاماً وصور سوقها ورياضها كما صور الفرقة الموسيقية العسكرية التركية التي كانت فيها. وصل بورخارت إلى قطر بعد مسيرة تسعة أيام وسار على طول الساحل وفي الدوحة طلب من الشيخ أحمد بن ثاني أخ الشيخ جاسم وهو أعلى رجل شأناً في قطر رسالة تعريف إلى شيخ أبوظبي الشيخ زايد بن خليفة آل نهيان. يصل بورخارت إلى أبوظبي في 4 فبراير عبر السوق إلى الشيخ ليقدم له رسالة نائب حاكم قطر وهنا يصف لقاءه بالشيخ زايد بن خليفة، فيقول: “تبدو على الرجل هيبة الحكم وسيماء العظمة والوقار، وله حاشية كبيرة من الأتباع”. امتد حكم الشيخ زايد بن خليفة 53 سنة وتوفي في 1908 بعد بضع سنوات من زيارة بورخارت الذي صور أحد المجالس اليومية. عبر الصور التي التقطها بورخارت لقصر الحصن ولساحل البحر وسفنه ولمساكن أبوظبي، وكتب قائلاً: “فقط السوق وحده ونصف درزن من الدور مشيدة بالحجر وأما الباقي جميعه فهو لا أكثر من أكواخ الجريد (سعف النخيل)”. وينتقل إلى دبي التي يصلها في 11 فبراير، حيث كان يحكمها الشيخ مكتوم بن حشر آل مكتوم (توفي 1906) الذي كتب له الشيخ زايد بن خليفة آل نهيان رسالة تعريف ببورخارت ومضى عدة أيام في دبي حتى انتقل إلى عُمان، حيث مسقط ومطرح. في 12 مارس حط بورخارت في مطرح وانتقل بعد ثلاثة أرباع الساعة إلى عاصمة عُمان مسقط ويصف مسقط وجونها وقلعتيها ويلتقط صوراً لقصر سلطان مسقط وزنجبار الذي يقع تحت قلعة الميراني ويصور سورها من البر وخليجها وسوق مطرح في عام 1904. المؤلف: انيغريت نيبا وبيتر هربسترويت ترجمة وتعليق: الدكتور أحمد أيبش الناشر: هيئة أبوظبي للثقافة والتراث