السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الأميرة والرئيس».. حكاية عشق لم يولد!

«الأميرة والرئيس».. حكاية عشق لم يولد!
28 أكتوبر 2009 21:37
“هل تعتقد أنّ شخصين مثلي ومثلك يمكن أن تجمع بينهما قصة حب؟”: هكذا سألتني. أجبتها: “ماذا تقصدين عندما تقولين مثلي ومثلك؟ ـ “لا تتصنّع البلاهة، فهذا معناه شخصان، أحدهما رئيس الجمهوريّة الفرنسيّة، والثّاني أميرة بريطانيّة هل يمكن لهما أن يتحابا؟”. هذا مقتطف من الرواية الحدث: “الأميرة والرئيس” التي شغلت هذه الأياّم الرأي العام السياسي والإعلامي والأدبي في فرنسا وانجلترا ودول أخرى كثيرة، والسّبب أن مؤلف الرواية هو الرئيس الفرنسي سابقا فاليري جيسكار ديستان الذي حكم فرنسا بين 1974 و1981 والأميرة المتحدّث عنها في الرواية هي الحسناء الانجليزية الراحلة ديانا، وقد نجح جيسكار ديستان بمساعدة النّاشر الّذي هو زوج ابنته في المحافظة على سرّ قرب صدور الرواية إلى آخر لحظة بهدف إحداث المفاجأة، وتمّ طبخ الحدث على نار هادئة بين النّاشر والمؤلّف وذلك بتسريب بعض مقتطفات الرّواية إلى جريدة “لوفيغارو” الباريسية قبل أيّام قليلة فقط من صدور الكتاب وذلك لإثارة فضول القرّاء وجلب الأضواء والدعاية للكتاب. ويقول المعلّقون أنّ جيسكار ـ رغم شيخوخته ـ بقي وفيّا لأسلوبه المتمثّل في حبّه للمفاجآت، ومعروف أنّ الرّجل يتمتّع بذكاء وقّاد، وقدرة على الإيضاح والتّفسير والشّرح لكلّ المواضيع الأشدّ تعقيدا إلى جانب قدرته البلاغيّة وفصاحته، وهو بطبعه له ميل نحو الاستفزاز مع السعي للظهور كسائر عباد الله مع أنّه ينتمي إلى الطّبقة الأرستقراطيّة. تدور أحداث الرواية في منتصف الثمانينيات من خلال قصة حب من أول نظرة بين رئيس فرنسي اسمه جاك هنري لامبرتي وأميرة من كارديف، التي تقع في ويلز، اسمها باتريسيا، لا تشعر بالسعادة في حياتها الزوجية، خلال لقاء جمعهما في مأدبة عشاء في قصر باكنجهام على هامش اجتماع لمجموعة الثمانية. ويومها اشتكت الأميرة زوجها للرئيس: “قبل عشرة أيام من قراننا، قال لي إن لديه عشيقة وأنه قرّر الاستمرار في علاقته معها حتى بعد زواجنا”. ومع مرور الوقت، نشأت بين الأميرة والزعيم علاقة حميمة شهدت عليها بيوت الريف الفرنسي، وكتب في روايته يقول “وقبّلتها، فوجّهت إليّ نظرة تساؤل، واتسعت عيناها الخضراوان وهي تلقي برأسها إلى الأمام برفق”. وفي القطار، بعد انتهاء مراسم الاحتفال بذكرى إنزال قوات الحلفاء في النورماندي العام 1984، استغلَ الرئيس لامبرتي فرصة جلوسهما إلى المائدة ليُمسك بيد الأميرة. لم يكن الرئيس جيسكار ديستان والأميرة ديانا على علاقة غرامية قبل ذلك، إلا أنهما كانا يتقابلان أثناء المآدب وحفلات الاستقبال. وعندما قُتلت الأميرة في باريس العام 1997 كان الرئيس وقرينته أول من بادر بإرسال باقات الزهور إلى المستشفى الذي كانت تعالج فيه. ثمة مفارقة في القصة، وخلاصتها أنه عندما فاز الرئيس المزعوم لامبرتي بولاية ثانية وبنسبة مُريحة قدرها 56%، خسر الرئيس جيسكار ديستان الانتخابات في مايو 1981، قبل شهرين فقط من قران ديانا وتشارلز، وعليه فإنهما لم يكونا “الأميرة والرئيس” في وقت واحد. من العبارات التي وردت في الكتاب: ـ وقفتُ وأبعدتُ كرسيّي كي تتمكن من الجلوس، فشكرتني ورمقتني بعينيها الساحرتين. ـ عدتُ إلى قصر الإليزيه وفي رأسي نار وفي قلبي إشعاع لفرط سعادتي. ـ لم تكن لديّ شهية للسلطة، وإنما مصلحة في السلطة. ـ ما زلتُ أتذكّر قولها بالإنجليزية: أتمنى أن تحبّني. ـ نشرت صحيفة “مورنينغ تلغراف” عنواناً رئيسيا يقول: إن أميرة كارديف قضت الليل في قلعة الرئيس الفرنسي. محاولة لاغتيال الرئيس قامت ضجّة إعلاميّة ودعائيّة كبيرة قبل صدور الكتاب، فمن قائل أنّه كتاب مذكّرات يشير فيه الرّئيس الفرنسي بوضوح إلى علاقة غراميّة بينه وبين الأميرة، وقد عنونت صحيفة “السّاعة الأخيرة” البلجيكيّة مقال لها هكذا: “جيسكار يعترف بعلاقة له مع الأميرة ديانا”، إلى قائل بأنّ القصّة برمّتها محض خيال. والرّئيس في الرواية أرمل، والكتاب يبدأ هكذا: “أنجز حرّ ما وعد”، ولكن الوعد لمن؟ ولماذا؟ هذه هي الأسئلة الّتي بقيت بدون جواب. وبطل الرواية هنري يتعرّض لمحاولة اغتيال ولكنّه ينجو منها بدون أن يصيبه أيّ أذى وذلك عند إشرافه على افتتاح معرض للكتاب، وإنّ بطل الرّواية ـ إرضاء لحبيبته ـ يعمل لفائدة التّقارب بين فرنسا وبريطانيا، وبذلك بسعيه إلى فسخ صفحة العداء التّاريخيّ بين البلدين منذ حرب المائة عام إلى حرق جان دارك وحرب نابليون. كانت تحب الشبان ويميل النّقّاد إلى الاعتقاد بأنّ الرّئيس الفرنسي سابقا عنده فعلا ميل للأميرة الرّاحلة، والسّؤال الّذي كرّره القراء هو: هل حصلت مغامرة عاطفيّة ـ ولو عابرة ـ بين ديستان والأميرة ديانا؟ الأقرب إلى الظنّ أن الجواب هو لا، وحسب تسلسل زمن أحداث الرواية فإنّ جيسكار كان في الثّامنة والخمسين من عمره وديانا عمرها 23 عاما، ويقول أحد العارفين بديانا بأنّها كانت تحبّ الشّبّان ولا تميل إلى كبار السنّ، ولم يستلطف الانجليز القصّة وحصل إجماع لدى البريطانيين بأن نسج رواية غراميّة بين الرّئيس الفرنسيّ سابقا والأميرة ديانا لا ينمّ عن ذوق رفيع. وكتبت جريدة “الدايلي ميل” الإنجليزيّة ساخرة معلقة على الرواية بأنها “مجرّد خيال لفرنسي يرى أحلامه واقعا”. محض خيال بعد أيام من الصمت أدلى جيسكار ديستان بتصريح مختصر لمجلّة “لوبوان” الاسبوعية قال فيه: “لقد اختلقت الأحداث” معترفا: “لقد تعرّفت على الأميرة ديانا وكانت في حاجة إلى من تتحدّث إليه، وقد أردت بهذه الرّواية تكريم ذكراها والكشف عن مدى مشاعرها العميقة وخيبات أملها وحاجتها بأن تكون محبوبة”. وعلق ناقد فرنسي متهكّما وساخرا: “إذا كان الجنرال ديغول يقضي أوقات فراغه، بعد نهاية فترة رئاسته، في تأمّل النّجوم مؤكّدا تفاهة الدّنيا والأشياء، فإنّ فاليري جيسكار ديستان فضّل أن يقضي وقته في كتابة قصص الحبّ مواصلا بذلك ما أعلنه عندما كان في سدّة الحكم مشروعه في “تحديث فرنسا وعصرنتها”! وكتبت قارئة فرنسية معلقة على الكتاب تقول: “المسكين (وتقصد ديستان)، لقد شعر بأنّ النّاس نسوه وانّه أحسّ بحاجة إلى أن يتذكّره الفرنسيّون فكتب هذه الرواية المضحكة”. وكتب قارئ آخر قائلا: “السّؤال الّذي أطرحه هو كيف أمكن لكاتب رديء إلى هذه الدّرجة أن يصبح عضوا في الأكاديميّة الفرنسيّة؟”. واذا كان ديستان يجيد اللغة الفرنسية في خطبه عندما كان رئيسا فانه في روايته هذه ارتكب خطأ لغويّا عند تحريره لجملة باللّغة الإنجليزيّة، وهو الخطأ الّذي التقطته الصّحافة الإنجليزيّة وعلّقت عليه بإطناب، فقد كتب جيسكار ديستان على لسان الأميرةI wish that you love me والصّواب لغويّا هو I wish you loved me وأمام هذه الحملة الذي تعرض لها الرئيس سابقا فإن ناقدا فرنسيا دافع عن الرواية وكاتبها قائلا: لماذا نحرّم على رئيس دولة سابق حقّه في تأليف رواية تجمع بين عاشقين؟ ولماذا يصبح غير لائق لرئيس سابق أن يروي قصّة علاقة صادقة ووصف اللّقاءات العاصفة بين الحبيبين؟ فالبعض استكثر على رجل في سنّ فالري جيسكار ديستان (83 عاما) وموقعه ـ كعضو بالمجلس الدّستوري ـ أن ينزل إلى مستوى كتابة قصّة حبّ! ورأى بعض خبراء علم النفس أنّ هذا العجوز أراد أن يوهم نفسه ـ لفرط نرجسيّته ـ بأنه بقي ذاك الرّجل الّذي تقع في شباكه أجمل النّساء وأكثرهنّ أنوثة وإثارة.. ولو كان ذلك في رواية من صنع خياله. تفسيرات عجيبة وهناك من المعلقين من ذهب إلى حدّ القول بأنّ كلّ هذه العمليّة الدّعائيّة الضّخمة لرواية فاليري جيسكار ديستان جاءت فقط لتطمس وتحجب وتقلّل من الوهج الإعلامي لمذكّرات جاك شيراك، الّتي كان من المقرّر أن تنشر في ذلك التّاريخ بالذات، علما أنّ بين الرّجلين ـ رغم انتمائهما إلى عائلة سياسيّة واحدة (اليمين الفرنسي) ـ فان بينهما عداءا كبيرا مستفحلا منذ عقود وعلاقتهما كانت دائما يشوبها التّنافس السياسي والشخصي إلى حدّّ الكراهية. وجيسكار ديستان كان ـ اثناء ممارسته للسلطة ـ سياسيّا محنّكا ومعروفا بذكائه ودهائه وطموحه، وقد خاض معارك سياسيّة كثيرة ربح بعضها وخسر بعضها الآخر، واغرب تفسير لصدور هذه الرواية يذهب الى القول بأنّ ديستان هو الرئيس الفرنسي الوحيد الّذي لم ينجح ـ عندما رشّح نفسه لولاية ثانية في الفوز بها ـ فشيراك وميتران نجحا، في حين هو أخفق، وأنّ ديستان خرج جريحا من تلك التّجربة وبقيت آثار تلك الهزيمة نائمة في اللاشعور لديه، وأنّ صدور هذه الرّواية هو نوع من الدّواء النّفسيّ لفسخ تلك المرارة الّتي بقيت في حلقة إلى يوم النّاس هذا رغم مرور 30 عاما على حصولها. فالرّواية ـ هي هنا ـ بمثابة الوصفة أو الطّبيب النّفسي. مزحة أدبية والأمر المؤكد ان كل الناس في فرنسا يعلمون أن الرئيس ديستان ـ ورغم أنّه متزوج منذ 57 عاما وأب لأربعة أبناء ـ له علاقات نسائيّة كثيرة ومتعدّدة وأن له ميلا كبيرا للنساء الجميلات، وأنّه أراد من خلال روايته تحقيق حلم كان يراوده بأن تكون له علاقة مع الأميرة ديانا. وهو ـ بهذه المزحة الأدبيّة ـ حقق مبيعات خياليّة لكتابه الذي لم يأخذه النقاد مأخذ الجد، بل إن جلهم نحى منحى التهكم والسخرية اللاذعة من الرجل ومن روايته، ولكن هناك من رأى ـ وهم قلة ـ أنها قصة ممتعة بها كلّ “توابل” القصّة الغراميّة المشوّقة. والمؤكد أن الكاتب لم يعر أهمية تذكر للنقاد ولم يعط أية أهمية للمعايير الدبلوماسية بل تخلص من كل القيود وكتب بحرية. وردا على منتقديه فان الرئيس الفرنسي سخر بدوره من المتشبعين بما أسماه “النّظام القديم” والذين يريدون أن يقضي الرؤساء السابقون دون فعل أي شيء وأنّ من حقّهم فقط كتابة مذكّرات لا يقرأها أحد ـ حسب قوله ـ مضيفا “إنّي لم أقبل أبدا هذه الوضعية، وبمرور الزّمن فإنّي أشعر بأني حر أكثر من أي وقت مضى”. وفعلا ففي الرواية وصف لقبل حارة وشفاه عطشى وفيها أيضا إيحاءات جنسية. الرؤساء والحسان ومعروف لدى الجميع أن كل الرؤساء الفرنسيين اشتهروا بمغامراتهم العاطفية والغرامية مع الحسان الشّهيرات، فشيراك ارتبط بعلاقة مع الممثّلة كلوديا كاردينالي، وميتران جمعت بينه وبين المطربة داليدا قصّة غراميّة معلومة، وكلّ رجال السّياسة ـ عموما ـ في فرنسا سواء كانوا من اليسار أو اليمين معروف عنهم حبهم للنّساء، وتعترف برنادات شيراك زوجة الرئيس الفرنسي السابق ان عدد عشيقات زوجها كبير جدا وأنه زير نساء، وعلق شيراك على ذلك بقوله إنها تبالغ، ولكنه أقر بوجود علاقة غرامية في فترة سابقة مع صحفيّة من جريدة “الفيغارو”.. يقول شيراك: “ان المغامرات العاطفية لم تلعب دورا أساسيا في حياتي، هناك نساء احببتهن ولكن كان ذلك في كتمان وسرية”. والراحل فرانسوا ميتران معروف عنه هو أيضا انه زير نساء، وليس هذا سرا، وتعترف دانيال ميتران في مذكراتها أنها استسلمت للأمر الواقع فعشيقات زوجها كثيرات، وهو رجل مغرم بالنساء، وهي تقر ببراعته في جلب اهتمامهن وكسب إعجابهن. واذا كان جيسكار ديستان من نفس الطينة وفي سجله مغامرات عاطفية كثيرة، فإن روايته التي تخيل فيها قصة حب بينه وبين الأميرة ديانا لم تنل استحسان الجميع حتى ان قارئة فرنسية انتهت الى التأكيد، بعد مطالعتها للرواية، بالقول بأن مؤلفها وبطلها رجل يبعث على الملل ولا يستحق ان تقضي معه امرأة جميلة ليلتها!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©