الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جنوب السودان... وموسم الهجرة من الشمال!

جنوب السودان... وموسم الهجرة من الشمال!
8 ابريل 2012
يتمثل منزل "تريسا أدوت أكول" التي قدمت مؤخراً من شمال السودان، حيث كانت تعيش إلى موطنها الأصلي في الجنوب، في مجرد زاوية في أرضية محطة القطار الإسمنتية بمدينة "واو" الجنوبية، ولكنها ليست أيضاً الوحيدة التي تفترش أرضية محطة القطار إذ بجوارها يتوزع أبناؤها الثمانية مع أغراضهم المكومة بالقرب منهم. وليس بعيداً عن مكان تواجدهم تتزاحم كذلك عشرات العائلات الأخرى التي قررت العودة إلى جنوب السودان بعد إعلان الاستقلال وبدء حياة جديدة. فبعد الحرب الأهلية التي دامت عقوداً بين الجنوب والشمال اضطر ملايين السكان إلى الفرار شمالاً والابتعاد عن ساحات المعارك وبؤر التوتر. ولكن منذ التوقيع على اتفاقية السلام بين الطرفين في 2005، وحصول الجنوب على استقلاله في الصيف الماضي قرر العديد من هؤلاء الذين نزحوا إلى الشمال في وقت سابق العودة إلى ديارهم الأصلية ووطنهم الذي ظلوا يحملونه معهم في قلوبهم ليتوطنوا مجدداً في البلاد التي تركوها قبل سنوات بعيدة خلت. ولكن فيما استطاع البعض الاستقرار في قراهم وبلداتهم الأصلية ظل آخرون عاجزين عن الوصول إلى مواطنهم التقليدية، حيث ما زال عدد كبير منهم عالقاً في منافذ الدخول إلى الجنوب، سواء في محطات القطار، أو المرافئ النهرية، هذا إضافة إلى من يعيشون في مخيمات مؤقتة تأويهم ريثما تحل مشكلتهم ويصلون إلى قراهم، أو يعاد إدماجهم في المدن. ويعتقد المسؤولون في جنوب السودان أن وضع هؤلاء مرشح للتردي مع قرب موسم الأمطار في الجنوب، محذرين من أزمة إنسانية خانقة قد تضرب البلد الإفريقي الجديد بسبب التحديات الكبيرة التي تواجهه، ولاسيما فيما يتعلق بشح الغذاء الذي تحول إلى مشكلة مزمنة في المخيمات، بالإضافة إلى الصراعات الإثنية التي تفجرت في الجنوب وتحولت إلى مواجهات دامية. ومع إعلان الحكومة في الجنوب تعليق إنتاج البترول بعد الخلاف مع الشمال حول رسوم النقل، من غير المتوقع أن تتمكن حكومة "جوبا" من التصدي للتحديات، وخاصة في ظل غياب موارد النفط التي تشكل 98 في المئة من إيرادات البلاد. وفي غضون ذلك تجددت المواجهات بين الشمال والجنوب في المناطق الحدودية، وهو ما يهدد سلامة السكان العائدين إلى الجنوب، ولكن على رغم كل هذه الصعوبات يواصل السكان مثل "أكول" تدفقهم على الجنوب في رحلة، وإن كانت شاقة، إلا أنها تحمل في طياتها الكثير من الحنين والشوق إلى أرض الأجداد في الجنوب، وهو ما تعبر عنه "أكول" قائلة "حتى لو اضطررت للعيش في الغابة، أو في أي مكان آخر، فإنني مع ذلك سعيدة بالعودة إلى الوطن". وكانت "أكول" واحدة من ملايين الجنوبيين الذين أدركتهم الحرب عندما كانوا في الجنوب ففرت إلى الشمال، حيث التقت زوجها وأنشأت عائلة، وطيلة المدة التي قضتها في الشمال كانت تمني النفس بالرجوع يوماً ما إلى موطنها، وهو ما تحقق في شهر ديسمبر الماضي بعد خمسة أشهر على إعلان استقلال جنوب السودان، حيث انتهت بها رحلة عبر الحافلة إلى مدينة "واو" التي تضج بالحياة على ضفاف نهر "جور" في الجنوب. وبدون زوجها الذي ظل في الشمال لتحصيل أموال تخصه تبقى "أكول" غير متأكدة من قدرتها على استعادة أرض زوجها في قريته. وهي مشكلة تعاني منها النساء عامة في الجنوب، بحيث يصعب عليهن الحصول على أرض باسمهن بسبب التقاليد الاجتماعية التي تجعل الأرض حكراً على الرجال، وذلك على رغم اعتراف القانون والدستور بحق المرأة في امتلاك الأرض. ويمكن لـ"أكول" اللجوء إلى المسؤولين في جوبا، ولكنها تقول إنها لا تستطيع ترك أبنائها، كما أنها غير متأكدة من إمكانية حصولها على الأرض حتى لو حاولت ذلك. أما باقي العائدين من الشمال فقد رفضوا الرجوع إلى قراهم النائية، وفضلوا البقاء في المخيمات المؤقتة ريثما يُوطنون في المدن، والسبب هو تعودهم على حياة المدينة في الشمال حيث الخدمات متوافرة وسهلة. وعن هذا الموضوع تقول "مورين مورفي"، المسؤولة في اللجنة الأميركية للاجئين العاملة في جنوب السودان "إنهم لا يريدون العودة إلى القرى لأنه لا شيء يمكن القيام به هناك، ولذا يأملون في أن تعيد الحكومة توطنيهم بالقرب من المدن الرئيسية ليتمكنوا من إطلاق أعمال صغيرة بدل العودة إلى الزراعة". لكن هذه العملية ما زالت بطيئة للغاية، وفيما ينتظر العائدون في المخيمات ما ستفعله الحكومة معهم تتناقص مواردهم الشحيحة أصلاً، ما يضطرهم لبيع ما لديهم للاستمرار في تأمين حاجياتهم الأساسية. وأكثر من ذلك أن موسم الأمطار الوشيك سيحول الطرق غير المعبدة إلى أراض موحلة يصعب معها نقل الإمدادات الأساسية إلى المخيمات. وسيكون نقص الغذاء حاداً على الخصوص بالنسبة لهؤلاء الذين ينتظرون في المنافذ الحدودية. وتحذر الأمم المتحدة على لسان المسؤول فيها عن الأطفال والصراعات المسلحة من تفاقم الأزمة الإنسانية في جنوب السودان. هذا في الوقت الذي ما زال فيه مصير أكثر من 700 ألف جنوبي في الشمال غير واضح، فعلى رغم الاتفاق الذي توصلت إليه الحكومتان في شهر مارس الماضي ويقضي بتسجيل الجنوبيين في الشمال ومنحهم إقامات العمل، أو عودتهم للجنوب، إلا أن تلك الخطط تعطلت بسبب اندلاع القتال بين الطرفين، ويخشى المراقبون من أن عدم التوقيع على اتفاق يحدد وضع الجنوبيين الذين ما زالوا يعيشون في الشمال قد يفاقم من أوضاعهم المعيشية، ولاسيما أنه يتم التعامل معهم اليوم كأجانب يقيمون بطريقة غير شرعية في الشمال. أندرو جرين جنوب السودان ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سرفيس"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©