الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التراث الأسود والأبيض

12 يونيو 2010 20:58
لا يمكن أن يكون التراث بهذا الشكل وهذا الإخراج وهذا الجمود كما تصر على تصويره وتقديمه بعض التلفزيونات الفضائية. أيا كان هذا التراث فنياً أو وطنيا أو حتى دينياً. ففي عالم تزدحم فيه الفضائيات الكونية والشاشات الذكية وتقدم كل أشكال إغراء الصورة والإثارة والجذب والتأثير، لا يمكن، ولا يجوز، أن نقدم تراثنا بالأسود الفاتح والأبيض “الموسخ” وبتقنية منفِّرة ولغة مكسرة وحافلة وبأداء يخلط بين حروف وكلمات ونـص أعدّ بارتجال أو على عجل. ولا يمكن أن ننافس بهكذا تراث ونفاخر بأنه مكون أساسي من هويتنا ثم لا نحترم أساس مكوناته: لغتنا الجميلة، أو لا يقيم وزناً لفنون الاتصال والإعلام بالطريقة التي تفعلها وتواظب عليها بعض البرامج العربية التراثية، وكأن معديها ومقدميها ومخرجيها يريدون فقط أن ينتهوا بأسرع ما يمكن ويستلموا مكافآتهم بأسهل ما يمكن وتكون النتيجة ظهور تراث الأوطان والآباء والأجداد بأسوأ ما يمكن. ولم يكن تراثا بالأبيض والأسود، فقد كانت هناك حياة “ملونة” وقصص وحكايات وإثارة أكثر بكثير مما يصوره بعض العاملين في بعض الفضائيات العربية، عن كسل أو عمد أو جهل بعلم وثقافة “الصورة” التي لا يبدو أن هؤلاء قد سمعوا بها أو فهموا معناها ودورها في الاتصال وأثرها في النفس. تراثنا أحلى بكثير من شريط أرشيفي تالف وتعليق ساذج ونص يهجى على ورق وبرنامج لا يمكن أن ينتظر عنده جهاز التحكم بالقنوات ولا لحظة، من الكبار قبل الصغار الذين ولدوا وترعرعوا في خضم عصر يتقن صناعة الصورة وتجويدها والتلاعب بها وتعميمها وأصبح بكاميراتهم الهاتفية و”تربيتهم الفضائية “ شركاء في هذه الصناعة “اليوتيوبية” أو يتمتعون في أقل تقدير بذوق يفوق أضعاف ذوق من المسؤولين في بعض الفضائيات العربية. كيف يمكن لمثل هذا الجيل أن يعجب بالتراث كما تقدمه مثل تلك البرامج؟ وكيف لا يهرب هذا الجيل إلى العوالم الأخرى من الصور والأفلام والألوان التي تخطفه من أول مشهد ؟ barragdr@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©