الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

مئوية الشيخ زايد مئوية وطن

مئوية الشيخ زايد مئوية وطن
6 مايو 2018 01:00
حسين رشيد (أبوظبي) «إنني مثل الأب الكبير الذي يرعى أسرته ويتعهد أولاده ويأخذ بأيديهم حتى يجتازوا الصعاب ويشقوا طريقهم في الحياة بنجاح، فالحاكم ما وجد إلا لخدمة شعبه، ليوفر لهم سبل التقدم والأمن والطمأنينة والاستقرار».. كلمات معبرة وصادقة من أقوال المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ندرك من خلالها العفوية والشخصية الحكيمة للوالد المؤسس التي أحبها كل من سمع عنها أو عاصرها، حتى أصبح لسان حال كل إماراتي ومقيم وزائر يردد كل ما ذكر اسمه: «بابا زايد». واليوم نحتفي بمرور مئة عام على ميلاد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وهي مئوية وطن وشعب، وبميلاد زايد، ولد حلم الإمارات معه، واليوم تعيش الإمارات (حلم زايد) الذي تحقق، إذ قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله: «مئوية زايد هي مئوية وطن، ولد زايد، وولد حلم الإمارات معه، واليوم تعيش الإمارات حلم زايد الذي تحقق»، وتابع سموه: «إن زايد، رحمه الله، استطاع أن يتجاوز التحديات والعقبات التي واجهته كافة، وأن يرسم لنفسه مساراً واضحاً منذ البداية نحو التطوُّر والتقدُّم، بعيداً عن الشعارات البرَّاقة، مستلهماً فلسفة المدرسة التي وضع أسسها، رحمه الله، في الحكم والإدارة والقيادة التي لا تعرف المستحيل، وتؤمن بأن العمل الجاد والمخلص والثقة بالنفس والإيمان بقدرات أبناء الوطن هي السبيل الحقيقي نحو التفوق، وتحقيق الريادة إقليمياً وعالمياً». هي مئوية وطن وقائد واجه التحديات بالحكمة وحسن التصرف، فلم تنل التحديات والصعوبات من عزيمته وإرادته الحية، بل كانت المحرك الأساسي له للمضي قدماً مدفوعاً بإرادة صلبة وثوابت راسخة ليشق بها طريقاً واضح المعالم، مهّد لنا من خلاله إرساء أطر ودعائم التقدم عبر مواصلة حصد المكتسبات والمنجزات الفكرية والحضارية والاقتصادية والثقافية، مع الالتزام بنهج أصيل لعاداتنا وتقاليدنا.. لقد كرس حياته خدمة لوطنه ورفعته وتقدمه. ومن هنا جاءت توجيهات صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، بتسمية عام 2018 «عام زايد» تخليداً لذكرى المؤسس الكبير، وتكريماً لدوره في خدمة وطنه وشعبه، بل في خدمة البشرية في أنحاء مختلفة من العالم. مولده ونشأته ولد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في السادس من مايو عام 1918م، في قصر الحصن، وسمي زايد تيمناً بجده لأبيه زايد الكبير الذي كان حاكماً لإمارة أبوظبي من عام 1855 وحتى عام 1909. وعندما تولى الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان زمام الحكم في أبوظبي عام 1922، كان الشيخ زايد في الرابعة من عمره، واستمر حكم الشيخ سلطان حتى عام 1926، واتسم حكمه بالشجاعة والحكمة والتسامح، وتوطيد علاقات طيبة مع جيرانه من الأشقاء العرب، وعندما توفي أبوه الشيخ سلطان كان الشيخ زايد في التاسعة من عمره. وعاش المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، طفولته في قصر الحصن الكائن حالياً في قلب العاصمة أبوظبي، وفي زمن شهد ندرة المدارس إلا من بضعة كتاتيب، دفع به والده إلى معلم ليعلمه أصول الدين، فحفظ القرآن الكريم ونسج من معانيه نمط حياته، وبدأ يعي أن القرآن الكريم ليس فقط كتاب دين وإنما هو الدستور المنظم الشامل لجميع جوانب الحياة. وفي السنة السابعة من عمره كان يجلس في مجلس والده الشيخ سلطان، وكان يلتقط ويتعلم العلم من مجلس أبيه، فتعلم أصول العادات العربية والتقاليد الأصيلة والشهامة، وتعلم الأمور السياسية والحوار السياسي. وفي مرحلة شبابه، بدأت ثقافته تكتسب بعداً جديداً، فولع بالأدب وأظهر الاهتمام بمعرفة وقائع العرب وأيامهم، وكان من أمتع أوقاته الجلوس إلى كبار السن ليحدثوه عما يعرفوه من سير الأجداد وبطولاتهم. شخصيته كبر الشيخ زايد وترعرع وتعلم الفروسية والقنص، وكان يفضل المرح والقنص في الصحراء أو الجبال القريبة أو المنافسة مع أصدقائه وأقرانه، كما تولع منذ طفولته بحب الخيل، حيث كان يتردد إلى إسطبل العائلة للخيول العربية الأصيلة في مزيد، وعندما أصبح الشيخ زايد فتى يافعاً كان قد أتقن فنون القتال، وبرز ميله إلى المغامرة، وتحدي الصحراء مترامية الأطراف لكشف المجهول، وتعلم ممارسة هواية الصيد والقنص، لا سيما الصيد بالصقور الذي برع فيها. كما أن كثرة النكبات والمصاعب جعلت منه رجلاً فذاً، لهذا تعلم الشيخ زايد فنون الحرب. وظل الشيخ زايد شغوفاً بممارسة ومتابعة هذه الهوايات والاهتمامات، وشجع أبناء شعبه على ممارستها، ورصد الجوائز القيمة للسباقات السنوية التي أمر بتنظيمها ورعاها شخصياً. ويقول المؤرخون ممن ترددوا على المنطقة آنذاك: «إن الشيخ زايد بدوي قادم من الصحراء، العروبة في دمه والإسلام نهجه، يحب الناس فبادلوه بالحب والولاء والانتماء، يحمل الكثير من سمات إنسانية، واضحاً وأصيلاً في تعامله، رشيد التصرف، لا حدود لطموحاته، كريم المنزلة». كما يقول الرحالة البريطاني تسيجر الذي زار المنطقة في 1948: «سمعت كثيراً عن الشيخ زايد، وجئت إلى قلعة المويجعي لمقابلته، فرأيت رجلاً في الثلاثينات، قوي البنية، ووجهه ينم عن ذكاء وقوة شخصية، ويبدو هادئاً، لقد كنت مشتاقاً لرؤية زايد بما يتمتع به من شهرة لدى البدو. ولم يعرف عن الشيخ زايد أية نقيصة أو تقصير في أداء واجبه نحو الغير، أو نجدة الملهوف، كان كريماً سخياً وجواداً لا يرد لإنسان حاجة، كان مسرفاً في كرمه وعطائه، وظلت هذه الصفة تلاحقه حتى وفاته، طيب الله ثراه». ويصف النقيب البريطاني أنطوني شبرد في كتابه مغامرة في الجزيرة العربية، مكانة زايد وعظمته وسط مواطنيه، قائلاً: «كان رجلاً يحظى بإعجاب وولاء البدو الذين يعيشون في الصحراء المحيطة بواحة البريمي، وكان بلا شك أقوى شخصية في المنطقة، وكنت أذهب لزيارته أسبوعياً في حصنه، وكان يعرض عليّ وضع السياسة المحلية بأسلوب ممتاز، وإذا دخلت عليه باحترام، خرجت باحترام أكبر، لقد كان واحداً من العظماء القلة الذين التقيتهم». وكان العقيد بوستيد، الممثل السياسي البريطاني، أحد المعجبين بكرم الشيخ زايد، فقد كتب بعد زيارته للعين، لقد دهشت دائماً من الجموع التي تحتشد دوماً حوله، وتحيطه باحترام واهتمام، فهو لطيف الكلام مع الجميع، وكان سخياً جداً، وكان يحرص بشدة على مساعدة وتقديم الدعم لشعبه. زايد حاكماً لمدينة العين وفي مدينة العين وضواحيها، أمضى زايد السنوات الأولى من فجر شبابه وترعرع بين تلالها وجبالها، واستمد الكثير من صفائها ورحابتها، وعندما بلغ الشيخ زايد الثامنة والعشرين من عمره، اختير حاكماً لمدينة العين، وكانت هذه النقلة التاريخية التي من خلالها ترجم الشيخ زايد كل ما اكتسبه من خبره في الإدارة السياسية إلى التطبيق في المجال العملي، فتكونت شخصية الشيخ زايد السياسية القوية المفكرة. السادس من أغسطس ويعتبر يوم السادس من أغسطس عام 1966، يوماً تاريخياً ومنعطفاً في حياة شعب الإمارات، وعلامة بارزة في اتجاه العمل الوحدوي، وبداية نهضة شاملة بكل المقاييس، وفي كل القطاعات، فقد ترك هذا اليوم الخالد بصماته الواضحة على مسيرة التنمية الشاملة التي بدأها المغفور له الشيخ زايد في أبوظبي، وانطلق منها إلى إرساء دعائم الدولة الحديثة، حيث أخذ الراحل على عاتقه منذ البداية مسؤوليات بناء القواعد الصلبة التي ارتفع فوقها صرح الدولة الاتحادية في الثاني من ديسمبر 1971م. وكانت السنوات حافلة بصور الإنشاء والتعمير ومواجهة تحديات العصر والاهتمام ببناء الإنسان وتعزيز دور التربية والتعليم وتحديث الإدارة وتطوير مفاهيمها، فقد سخر المغفور له الشيخ زايد عائدات الثروة النفطية في بناء الوطن والمواطن، حيث قال في هذا الصدد: «لا فائدة للمال إذا لم يسخر لصالح الشعب»، ولم يسخر المال فقط ويوظفه لإسعاد الأمة بل نذر نفسه لخدمتها، وأخذ يجوب البلاد من أقصاها إلى أقصاها، يتابع بنفسه عمليات التشييد والبناء، ويتنقل بين القرى والوديان، ويتفقد مشاريع الإنماء والإعمار، ويقود سباقاً وتحدياً للحاق بركب التحديث. وتحت عنوان «يوم البناء والتعمير»، نشرت جريدة الاتحاد بتاريخ 30 من نوفمبر 1971م: «تواصلت الاحتفالات بعيد جلوس الشيخ زايد، حيث كان يقوم بافتتاح المشاريع العمرانية».. وتظهر الصورة التي نشرت على صدر صفحتها الأولى الشيخ زايد وهو يتفقد العمل بكورنيش أبوظبي، بينما يقوم ولي العهد بإرساء حجر الأساس لمشروعات المطار ويتفقد طريق أبوظبي - دبي، كما قام الشيخ زايد بتسليم 350 مسكناً جديداً لأصحابها. وبدأت الإمارات تخطو خطواتها الأولى نحو آفاق التقدم المدروس، فأرسى الراحل، طيب الله ثراه، قواعد الإدارة الحكومية وفق الأسس العصرية، وأمر بتنفيذ المئات من المشاريع التطويرية والخدمية التي قلبت الإمارات إلى ورشة عمل جبارة، وأقام العشرات من المناطق والأحياء السكنية الجديدة، لتوفير السكن الصحي الملائم للمواطنين، وامتدت مئات الأميال من الطرق المعبدة الحديثة تشق رمال الصحراء لتربط إمارات الدولة ببعضها، ودخلت المياه النقية العذبة والكهرباء إلى كل مكان وبيت، وانتشر التعليم والمدارس المجهزة بكل ما يلزم لبناء الأجيال الجديدة، وأقيمت المستشفيات والعيادات الطبية الحديثة في المدن والحضر، وتحققت العدالة الاجتماعية، وانتشرت مظلة الأمن والأمان والاستقرار، وبدأت الكوادر الوطنية المؤهلة تأخذ مواقعها في مختلف مجالات العمل بكفاءة واقتدار. وهكذا تحققت خلال سنوات عدة من قيادة الشيخ زايد، إنجازات عملاقة وتحولات جذرية في جميع مجالات التقدم العمراني والصناعي والزراعي والتعليمي والصحي والثقافي والاجتماعي، وتغيرت ملامح الطبيعة والحياة على هذه الأرض الطيبة في اتجاه التطوير والتحديث لتكوين صورة مشرقة للدولة التي أصبحت واحدة من أسرع الدول نمواً وتطوراً في العالم. وحكم الشيخ زايد بن سلطان، طيب الله ثراه، الإمارات 33 عاماً، وشهدت البلاد خلال فترة حكمه تحولات جذرية، خصوصاً بفضل عائدات النفط، وعرف بالحكمة والاعتدال في منطقة تواجه العديد من التحديات، وفي يوم الثلاثاء الموافق الثاني من نوفمبر عام 2004م، أعلن ديوان الرئاسة في أبوظبي وفاة رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©