الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فلسطين: كرة القدم من أجل التغيير!

11 يونيو 2010 22:04
في ساحة المهد ببيت لحم وتحت أضواء القمر، يجلس شاب وشابة يقرآن شعر محمود درويش الوطني الفلسطيني الطافح بالخيال والبلاغة عن حب الوطن والتدلُّه فيه. وتمتد الظلال، حيث يجلسان على أحجار متناثرة في المكان كيفما اتفق. ثم سرعان ما يتغيّر المكان ليتحول فجأة إلى ما يشبه لقاء في نادٍ رياضي. ويشتعل جدل حول طرفي اللعبة التي يرغب كل الموجودين في مشاهدتها؛ ريال مدريد ضد برشلونة أم الزمالك ضد الأهلي؟ ثم يتحوّل الحديث باتجاه السياسة ويقول عضو في النادي أطلق عليه اسم بلاتيني: "يجب علينا أن نعيش حسبما نؤمن ونرغب". أهلاً بكم مع وقائع "الفريق" (The Team)، وهو مسلسل درامي ممتد على 28 حلقة، وقد أنتج مؤخراً في الأراضي الفلسطينية، وسيتم بثه قريباً على شبكة "معاً" التلفزيونية الفلسطينية. لقد سافرتُ الخريف الماضي من القدس لمقابلة منتجي المسلسل ومشاهدة جزء من عملية تصويره. وقابلت أولاً صاحب الفكرة الكاتب والمخرج نبيل شوملي، الذي درس صناعة الأفلام في العاصمة التشيكية براغ. وقد تولى نبيل هذا إخراج وإنتاج حلقات من النسخة الفلسطينية من سلسلة "افتح يا سمسم". وأثناء عرض الحلقة الأولى قال شوملي ضاحكاً إن مسلسل "الفريق" هو "أوبرا تهدف للتغيير الاجتماعي". أما برامج التلفزيون الأخرى فتركز على أساليب العمل الداخلية لنوادي كرة القدم، وتعقيدات الحياة ومتاهات الرومانسية والصراع المحتدم من أجل السلطة. هذه النواحي والزوايا والمقاربات التي تستقطب الاهتمام تظهر في مسلسل "الفريق". إلا أن دقة وتعقيد الواقع السياسي والاجتماعي وظروف حياة الفلسطينيين تحت الاحتلال، إضافة إلى وجود رغبة قوية لحل المشاكل بأسلوب إبداعي وسلمي، هي ما يميّز البرنامج الفلسطيني أكثر من غيره من البرامج. وفي هذه الأثناء تتداخل الأحداث السياسية التي تؤثر على حياة الفلسطينيين اليومية، بما في ذلك المصاعب الاقتصادية ومصادرة الأراضي وضغوط وأعباء المقاومة، وينساب خيط ناظم وسارد يحكي كل ذلك بسهولة وسلاسة في حبكة المسلسل. ويرى المشاهد نتائج ارتفاع معدل البطالة مثلاً عندما يتسلّل لاعبان هما "طوني" و"حكيم" إلى إسرائيل للعمل على رغم المخاطر الشديدة. ويهرب لاعب آخر هو "أبو أياد" من الجيش الإسرائيلي، بينما يصاب أحمد برصاصة مطاطية أثناء مظاهرة ويتم اعتقاله فيما بعد من قبل الجنود الإسرائيليين. وتشكّل تعقيدات العلاقات بين الجنسين موضوع استظهار آخر مهمّاً في المسلسل، وكذا دور المرأة في مواجهة تكاليف الحياة وأعبائها، حيث يعرض صوراً من النساء العصاميات المكافحات، مثل زينة، أم أحد اللاعبين، التي تقرر بعد وفاة زوجها ألا تتزوج أخاه، كما تتطلب العادات المحلية، وتباشر الدراسة بجامعة بيت لحم. ويوصل شوملي وزملاؤه في الإخراج، ودون الوقوع في المباشرة الوعظية النضالية التي قد تضعف القصة أو تخفف من جرعة العنصر الترفيهي فيها، رسالة مؤداها ضرورة ترسيخ حكم القانون وحرية التجمع، وتجاوز التحديات التي تواجه المرأة، وكذا أهمية الحل السلمي للنزاع وأهمية متابعة الإنسان لأحلامه. ويثير أيضاً وضع نادٍ رياضي في وسط حركة المسلسل التاريخ المبكر للحركة الرياضية الفلسطينية، عندما كانت نوادٍ كهذه تشكل مراكز للحياة الثقافية والسياسية، وجهداً ضمن جهود عملية بناء الهوية. وتساعد أفلام من الأرشيف على إبراز تفاعل أندية كرة القدم وتمثلها لواقع تاريخي أكبر وأوسع مثل نكبة عام 1948، وتهجير 750 ألف فلسطيني عربي بعد الحرب، وإنشاء إسرائيل. والحال أن لاعبي "الفريق" ينشطون أيضاً في مجتمعهم، حيث يتم، على سبيل المثال، تنظيم مناسبات خاصة للمعاقين حركيّاً. وكما وقع مرات عديدة للفريق الوطني الفلسطيني، الذي فقد أفراداً عديدين نتيجة هجمات واعتقالات إسرائيلية، يتم كذلك اعتقال أعضاء النادي الافتراضي في المسلسل. ونرى أيضاً أطفالاً يلعبون في الشوارع مثل أقرانهم في كافة أنحاء العالم، يلبسون قمصاناً تحمل أسماء أبطال كرة القدم، وكذلك الأسلوب الذي ينخرط فيه أفراد في سياق من التعاون في فريق ذي أهداف مشتركة، الأمر الذي يعكس هدف المسلسل في تشجيع هذه الوحدة في المجتمع على اتساعه. "لقد أردنا نشر قيم السلام وأن نفعل ما يجب عمله للإقناع وليس الفرض"، يقول شوملي. ويؤكد هذا الماركسي السابق على أهمية العيش معاً، ومع الآخر، وعلى أهمية التواصل، بحيث يعترف كل طرف بإنسانية الآخر. "يعرض الفلسطينيون دائماً ضحايا الاحتلال وشروره"، يقول رائد عثمان، المدير العام لوكالة "معاً"، وهي وكالة أنباء فلسطينية مستقلة غير ربحية، وشبكة إعلامية تنتج البرنامج مع شركاء آخرين. وفي هذا المقام يستطرد عثمان: "لقد أردنا التركيز على مشاهد من الحياة اليومية العادية، وماذا يحصل في البيت والعلاقات بين الناس. نحن نقدّم نظرة جديدة عن الفلسطينيين، فلدى الكثير من الناس في الغرب صور نمطية مشوهة عن الفلسطينيين وربما ينظر إليهم البعض هناك وكأنهم شعب سيئ. ونحن نستطيع من خلال الدراما أن نصحح مثل تلك الصور النمطية وأن نستعرض أحلامنا، وكيف نبني أمورنا ومشاريعنا معاً، وكيف سنكون متحدين عندما تكون لنا دولتنا، وهنا تبرز قدرة هذه المجموعة من الأفراد على تشكيل مستقبلها. وبهذا يمثل الفريق المجتمع الفلسطيني، بمعنى ما". يذكر أن من ضمن المشاركين في إنتاج مسلسل "الفريق" منظمة "البحث عن أرضية مشتركة"، وهي منظمة دولية تعمل في مجال حل النزاعات وتساعد على إيجاد برامج إذاعية وتلفزيونية تشجع الحوار بدل النزاع. ولذا توفّر كرة القدم هنا في فلسطين، كما تفعل في العديد من بؤر التوتر الأخرى، نقطة جذب ولغة مشتركة يتحدثها الجميع. آلون راب أستاذ بجامعة كاليفورنيا، ومؤلف مشارك لـ«اللعبة العالمية: مؤلفون في كرة القدم» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كومون جراوند»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©