الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حرب المعلومات على كوريا الشمالية

حرب المعلومات على كوريا الشمالية
11 يونيو 2010 22:04
كيف يمكن لذهنية نشأت وترعرعت في جو من الاستبداد، وتبرمجت كلياً على الطاعة والولاء في محيط من الدعاية الرسمية... أن تتغير؟ بل كيف يمكن لذهنية مثل هذه أن تتحرر من قيودها؟ وهل هناك من أمل لدى المعارضين الكوريين الشماليين في التمرد والإطاحة بالاستبداد؟ الحقيقة أنه من الصعب الإجابة عن هذه الأسئلة، لكن هناك بعض الحالات الفردية التي تدعو للتفاؤل؛ ومنها قصة "كيم سونج-مين"، الضابط السابق في جيش كوريا الشمالية الذي استطاع الهرب خلال التسعينيات، وقد نُقل عنه القول: "لا أستطيع الحديث عن حادثة بعينها دفعتني للهرب، فقد كنت شديد الولاء لكيم جونج إيل وللحزب الشيوعي". بل أكثر من ذلك ينحدر الضابط المنشق من أسرة تنتمي للطبقة الوسطى حيث كان والده أستاذاً جامعياً معروفاً، وكانت والدته صحفية، لكنه يتذكر المنشورات التي كانت تسقط على كوريا الشمالية وما تظهره من صور ومظاهر الحياة في الجارة الجنوبية. وهنا يسترجع "كيم سونج" صورة يقول إنها ظلت عالقة في ذهنه منذ ذلك الوقت، وهي صورة كانت تبرز مواطنين من كوريا الجنوبية يرتدون ملابس زاهية الألوان، الأمر الذي كان "مستغرباً وقتها... لأننا في كوريا الشمالية لم نعتد على ارتداء الثياب المزركشة". وفي تلك العزلة التي كان يضربها النظام على الشعب في كوريا الشمالية فإنه حتى الثياب الملونة يمكنها أن تحرض على ثورة ذهنية وعلى طرح الأسئلة. ومن الصور الأخرى التي صاحبت "كيم سونج" حتى عندما غادر موطنه هارباً من القمع والاستبداد "المناسبات التي كان يوزع فيها الزعيم كيم جونج إيل سيارات المرسيدس على أبناء الطبقات العليا في البلاد مثل عيد ميلاده، حيث كان يغدق عليهم بشتى أنواع الفاكهة مثل الموز والبرتقال التي لم يكن قد تذوقها أغلبية الشعب في كوريا الشمالية". وفي إحدى المرات "عندما كنت مسافراً في رحلة عمل داخل البلاد، رأيت كومة من الجثث تضم عشرين جثة ملقية على قارعة الطريق، وكان واضحاً أنهم قضوا بسبب المجاعة. ومع أن المشهد في حد ذاته لم يكن غريباً في بلاد تعرف موجات من المجاعة، إلا أن الناس تحلقوا حول إحدى الجثث ليشاهدوا خطين من القمل يخرجان من الجثة بعد قتل صاحبها، ومازلت إلى الآن عندما أفكر في المنظر المرعب، أحس بالغثيان". واللافت، يقول "كيم سونج"، أن أغلب المواطنين في كوريا الشمالية "لا يملكون مرجعية للمقارنة" يمكنها أن تكشف لهم مدى الظلم والقمع الواقعين عليهم، أو الحالة غير الطبيعية لحياتهم في ظل النظام الحالي! لذا فقد قرر "كيم سونج" سد الفراغ في المعلومات ولعب دور المعارض الذي يريد كشف الحقائق لشعبه من خلال إدارته محطة إذاعية يطلق عليها "كوريا الشمالية الحرة" التي تبث برامجها عبر الحدود وتصل إلى أسماع كوريا الشمالية، هذا بينما تنخرط جهات أخرى في جهود مماثلة مثل إطلاق بالونات في الهواء تعبر الحدود إلى الشمال محملة بمنشورات وأجهزة راديو صغيرة وأوراق مالية، والهدف هو زرع بذور الشك والتساؤل في نفوس المواطنين في كوريا الشمالية. والحقيقة أن المنشقين الذين استطاعوا الهرب إلى كوريا الجنوبية، هم تجسيد حي لنضال أفراد شعب كوريا الشمالية للتحرر من النظام ورغبتهم في العيش حياة أفضل، لاسيما في ظل التهديدات المحدقة بحياة العديد من هؤلاء المنشقين، حتى وهم يعيشون في كوريا الجنوبية. وفي هذا الإطار يشير "كيم سونج" إلى بعض "الجماعات الشيوعية في كوريا الجنوبية التي تلاحق المنشقين والمعارضين لنظام كيم جونج إيل، ويتلقون أحياناً تهديدات عبر البريد الإلكتروني، بل وصل الأمر إلى إرسال فؤوس ملطخة بالدماء إلى مقار عملهم، أو إلى بيوتهم إلى درجة أن العديد من المنشقين باتوا لا يتحركون إلا في ظل حراسة الشرطة التي خصصتها لهم السلطات في كوريا الجنوبية لحمايتهم". لكن مع ذلك يقول "كيم سونج": أصبح الوقت مناسباً جداً في عصر ثورة المعلومات الذي نعيشه لاستمرار النضال الإعلامي، فقبل حوالي خمس عشرة سنة لم يكن سهلا نقل المعلومات عبر الحدود، وكان الهاربون يغامرون برتق رسائل في ثيابهم حتى لا يكتشفها المسؤولون في حال إلقاء القبض عليهم، وبخلاف ذلك أصبح من السهل اليوم تهريب أشرطة الفيديو التي تسجل عمليات الإعدام في معسكرات الاعتقال بكوريا الشمالية، هذا بالإضافة إلى الإنترنيت وما تمثله من مصدر غني وميسر لبث المعلومات المصورة. والمفارقة أن الصين نفسها تلعب دوراً مهماً في الانفتاح التدريجي لكوريا الشمالية، والأمر هنا لا يتعلق بالحكومة الصينية التي مازالت تعتقل الهاربين وتعيدهم إلى كوريا الشمالية، بل بنشاط التهريب المنتعش عبر الحدود والكميات الكبيرة من البضائع الصينية التي تجد طريقها بصورة غير شرعية إلى الأسواق في كوريا الشمالية؛ مثل أجهزة الراديو والهواتف النقالة وغيرها، بالإضافة إلى عصابات التهريب التي تنقل مواطنين كوريين إلى الصين ومن ثم إلى منجوليا وتايلاند وفيتنام، مقابل أجر معلوم. وبالنظر إلى غياب البدائل الاستراتيجية في التعامل مع كوريا الشمالية، يكتسي البعد المعلوماتي دوراً كبيراً، وهو ما يفسر المساعدات التي تتلقاها مثلا محطة "كوريا الشمالية الحرة" من قبل جهات ومراكز دولية، وذلك رغم تقصير الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية في إظهار ما يكفي من التزام اتجاه ضغط المعلومات وقدرتها على نشر الحرية. مايكل جيروسن - سيول ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©