الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحظر الجوي في سوريا... ضرورة أخلاقية واستراتيجية

الحظر الجوي في سوريا... ضرورة أخلاقية واستراتيجية
7 ابريل 2013 23:56
سكوت كوبر محلل سياسي أميركي أمضيتُ عاماً ونصف العام في فرض منطقة حظر جوي في العراق والبلقان؛ وقد أقنعتني تجاربي بأنه على الولايات المتحدة أن تعلن منطقة حظر جوي في سوريا وتفرضها. ولعله من المفيد هنا أن نتذكر عهد فرض مناطق الحظر الجوي والأمور التي حققتها ولم تحققها. الأشخاص الذين يعارضون فرض منطقة حظر جوي يشيرون إلى الأخطار التي ينطوي عليها ذلك؛ فسوريا تمتلك شبكة من الدفاع الجوي لا يمكن الاستخفاف بها. وصناع السياسات الأميركيون يخشون سيناريو إسقاط طيارين أميركيين وسحلهم في شوارع دمشق، كما أن الكثيرين يقولون إن فرض منطقة حظر جوي لن يحل النزاع، وإنه فقط عبر تسليح الثوار يمكن تغيير الموازين. ثم إن العديد من أولئك الثوار هم جهاديون لا نرغب في التحالف معهم. كما يخشى منتقدو فرض منطقة الحظر الجوي انزلاقاً لتدخل عسكري أميركي يفضي إلى علوقنا في مستنقع هناك. غير أن هؤلاء المنتقدين لا يفهمون الفكرة المتمثلة في أن فرض منطقة حظر جوي ليس سوى جزء من الحل. ذلك أن هدفه ليس حل النزاع وإنما تجنب التصعيد، وحماية الأبرياء، وتوفير فعالية للمفاوضات. وبشكل عام، فإن فرض منطقة الحظر الجوي يزيل وسيلة عنف (استعمال الطيران) من يد الطرف الظالم. فلولا مناطق الحظر الجوي في البوسنة، لتسبب الصرب والكروات في دمار أكبر مما فعلوا. ولولا فرض مناطق الحظر الجوي في العراق، فإن بوسع المرء أن يتخيل ما كانت قوات صدام الجوية ستفعله بالأكراد والشيعة. والواقع أن الوضع في سوريا ليس مختلفاً. فالأسد يستعمل جيشه ضد مواطنيه، والأفضلية التكتيكية التي تمتلكها قوته الجوية حاسمة. لذلك، فإن هدف الولايات المتحدة وحلفائها سيكون هو تخفيف الانزلاق المتواصل إلى حمام الدم الذي حصد خلال فترة العامين الماضية أكثر من 70 ألف قتيل، وتسبب في نزوح 3?6 مليون شخص داخل سوريا، وأرغم نحو 1?3 مليون شخص على طلب اللجوء خارجها. إن الأميركيين مترددون في التدخل في سوريا -على نحو يمكن تفهمه- بسبب تجاربهم في العراق وأفغانستان. والواقع أننا نشاهد الفوضى في ليبيا بعد استعمال القوة الجوية بدون استعمال لاحق للقوات البرية، فنزداد تردداً في التدخل. وفي هذه الأثناء، يدافع الكثيرون عن أسلوب «القيادة من الخلف» البراجماتي، مجادلين بأن علينا الآن أن نقوم بحسابات هادئة بعيداً عن الانفعالات؛ والحال أن أصحاب هذا الرأي يسيئون فهم خياراتنا وقدرتنا على التأثير في الوضع في سوريا. إن منطق عقد التسعينيات كان يتمثل في أن من شأن فرض شرس لمناطق الحظر الجوي مساعدة المدنيين، ضحايا هذه النزاعات، وتجنب التصعيد، وإنهاء الحروب بسرعة أكبر، بالنظر للتهديد المتمثل في الضربات الجوية. وهذه أهداف محدودة، لكنها ليست عديمة الأهمية. والأكيد أن القوة الجوية ليست حلا لكل النزاعات؛ فقد شاهدنا حدودها خلال الحملة الجوية في كوسوفو عام 1999 حين تحدى ميلوسوفيتش حلف «الناتو» ولم يتراجع بعد الأيام الأولى من الضربات الجوية. غير أن فرض منطقة حظر جوي في سوريا أمر ممكن. صحيح أن سوريا تمتلك دفاعات جوية قوية، لكنها قطعاً ليست نداً للقوة الجوية الأميركية. فقد سبق لي أن طرتُ في مهمات جوية فوق سراييفو؛ وفوق بريشتينا (كوسوفو)؛ وفوق الناصرية والموصل (العراق)؛ والحق أنني لم أشعر مرة واحدة خلال هذه المهمات بأنني في خطر مثلما أحسستُ عندما كنت أقوم بدوريات في الطرق السريعة للعراق على متن مركبة هامفي. لذلك، علينا ألا نفقد الثقة بسبب الخوف الناتج عن المبالغة وتضخيم قدرات خصمنا. والأكيد أن فرض منطقة حظر جوي لن تنهي الحرب بشكل فوري؛ لكن تحييد القوة الجوية السورية سيزيل واحداً من المزايا الحاسمة للنظام ويؤدي إلى نقطة تحول كبرى في الحرب. وعلاوة على ذلك، فإن القيام بهذا الأمر ليس صحيحاً من الناحية الأخلاقية فحسب، وإنما يصب في مصلحتنا الاستراتيجية أيضاً. ذلك أن العنف أخذ يمتد إلى تركيا والأردن ولبنان والعراق منذ بعض الوقت؛ والمعارضة في سوريا ما بعد الأسد لن تنسى الدول التي هبت لمساعدتها وقت المحنة. لقد كان هذا واقع الحال في البوسنة وكوسوفو، وكان كذلك عبر العالم الإسلامي خلال الانتفاضات الأخيرة. كما كان واقع الحال في العراق، إلى أن لاقى الاحتلال حركة تمرد فشلنا في فهمها في البداية. ثم إن فرض منطق حظر جوي سيوفر مزيداً من الخيارات في العمل مع قيادة «الجيش السوري الحر». ومع إنشاء «مناطق آمنة»، سيستطيع الثوار السوريون التدرب داخل سوريا؛ كما سيفتح ذلك المجال لتطوير إدارة الشأن العام في المناطق المحررة. إن فرض منطقة حظر جوي لا يعالج الأسئلة المتعلقة ببرنامج عمل كبير والأخطار المترتبة عنها، لكنه يستطيع التقليل من أعمال القتل، ووضع الولايات المتحدة على الجانب الصحيح من النزاع، أخلاقياً واستراتيجياً. ومثلما عبَّر عن ذلك الفائز بجائزة نوبل للسلام، إيلي ويزل، ببلاغة، فـ«علينا دائماً أن نقرر إلى أي جانب ننحاز لأن الحياد يساعد الظالم، ولا يساعد الضحية». ولذلك، علينا أن نقرر لمن سننحاز وألا نكتفي بالكلام فقط عن تسوية سلمية. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©