الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عدم التدخل الديني... سياسة أوباما في إندونيسيا

26 أكتوبر 2009 00:07
في بدايات ثمانينيات القرن الماضي، اتجه الباحث الإندونيسي الشاب ناصر تمارا إلى مكتب "فورد فاوينديشن" الإقليمي بالعاصمة جاكرتا، على أمل الحصول على تمويل لدراسة كان ينوي إجراءها عن الإسلام. ولكنه غادر المكتب خالي الوفاض بعد مقابلة مسؤولي تلك المؤسسة الأميركية. وقال "تمارا" حينها معلقاً على عدم استجابتهم لطلبه: ليست للولايات المتحدة الأميركية رغبة في الدخول إلى العالم الإسلامي. يذكر أن من رفض طلب ذلك الباحث الشاب هي السيدة "دنهام" والدة الرئيس باراك أوباما التي أقامت في إندونيسيا لما يزيد عن العقد من الزمان، وتوفيت في عام 1995. وكانت تتركز اهتماماتها في ذلك الوقت على الدراسات ذات الصلة بالتنمية الاقتصادية، وليس بالعقيدة والسياسة، نظراً لشدة حساسية هاتين الأخيرتين في دولة يحكمها أوتوقراطي ذو نزعة علمانية. وعليه فلم يكن مألوفاً أن يجري أحدهم دراسة أو بحثاً عن الإسلام في ذلك الوقت، على حد تعبير الباحث تمارا. أما اليوم فتعد إندونيسيا دولة ديمقراطية أصبح دور الإسلام فيها أحد أهم القضايا التي تواجه السياسات الخارجية الأميركية، إذ يزيد فيها عدد المسلمين على جميع الشعوب المسلمة في كل من مصر وسوريا والأردن ودول الخليج مجتمعة. وثمة صراع فكري يدور حول أي مستقبل تريده إندونيسيا؟ كما يقول "والتر نورث"، رئيس بعثة وكالة التنمية الأميركية في جاكرتا، وكان على صلة بالسيدة "دنهام" أثناء إقامتها في العاصمة الإندونيسية في عقد الثمانينيات. ولكنه صراع يثير سؤالا محيراً: هل يُفضَّل للأميركيين البقاء بعيداً عن الصراعات الداخلية بين الفرق والمذاهب الإسلامية المتعددة في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، أم أن عليهم التدخل بطريقة ما لنصرة المسلمين المعتدلين الذين تتقارب رؤاهم من الرؤى الأميركية؟ إن نظرة قريبة إلى تفاعل الجماعات الإسلامية في إندونيسيا- التي قضى فيها أوباما أربع سنوات من طفولته- تكشف عن صراع الاستراتيجيات والمواقف المتباينة داخل هذه الجماعات منذ هجمات 11 سبتمبر- والمؤسف أن لهذه التفاعلات تداعيات تعارضت تماماً مع ما تريده واشنطن. وفي الحوار الدائر عن أفضل السبل التي يمكن بها التأثير على المسار الديني لهذا البلد، يلاحظ أن بعض المنظمات الأميركية الخاصة -وخاصة من ولاية كارولينا الشمالية- قد تعمقت علاقاتها بالصراعات المذهبية والفقهية الدائرة بين مختلف الجماعات الإسلامية في البلاد. بيد أن التيار الرئيسي الممثل لكبرى مؤسسات البحث الأميركي، فضّل الحياد والبعد عن تلك الصراعات، مثلما فعلت السيدة دنهام في بدايات عقد الثمانينيات. والمراقب اليوم للمجتمع الإندونيسي -الذي يبلغ تعداده 240 مليون نسمة، تقطن في 17 ألف جزيرة متفرقة على مياه المحيط- يستطيع أن يلحظ تغيراً عاماً في مزاجهم، يقترب بهم أكثر من ذي قبل من الولايات المتحدة الأميركية. ضمن هذه التغيرات، تعبير الغالبية الإندونيسية عن نبذها للإرهاب، الذي كان ينظر إليه حتى وقت قريب على أنه مجرد أسطورة أميركية لا وجود لها على أرض الواقع. ومن أوضح الشواهد على ذلك رفض قرية من القرى استلام جثمان أحد متطرفيها الانتحاريين الذي لقي مصرعه في شهر يوليو المنصرم، أثناء ملاحقته من قبل جنود وحدة شرطية وطنية بسبب الاشتباه في تخطيطه لتنفيذ هجوم انتحاري. وكان ذلك الرفض تعبيراً قوياً عن استياء سكان القرية بمن فيهم ذووه من عنف القتيل وأنشطته العدوانية المتطرفة. وحتى وقت قريب كانت جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد نجحت في تنفيذ سلسلة من التفجيرات، التي استهدفت الأندية الليلية والملاهي والفنادق خلال السنوات الأخيرة الماضية، رغم الجهود الكبيرة التي كانت تبذلها الولايات المتحدة للدفع بالنسخة المعتدلة من الإسلام في مواجهة نسخته المتطرفة. فعقب هجمات 11 سبتمبر مباشرة بعثت إدارة بوش بالكثير من الأموال وقادت خطاً خطابياً لنصرة المسلمين المعتدلين في مواجهة ما وصفه بوش بأيديولوجية الفاشية الإسلاموية. ولكن يلاحظ أن خلفه الرئيس أوباما رفض تقسيم المسلمين إلى معسكرات فقهية متناحرة مع بعضها البعض، وهو يأمل في بناء علاقة جديدة بين بلاده والعالم الإسلامي. صحيح أن ذلك الحذر لم يمنعه من شجب العنف والمتطرفين باسم الإسلام، إلا أنه أشار في خطابه الذي ألقاه في جامعة القاهرة في شهر يونيو المنصرم إلى أن الإسلام ليس جزءاً من المشكلة. ويعد هذا التصريح تراجعاً كبيراً في سياسات واشنطن إزاء إندونيسيا عقب 11 سبتمبر. فحينها سلطت واشنطن جهودها على تنفيذ عدد من البرامج التي قصد منها إعلاء صوت المسلمين المعتدلين. وبفضل تلك البرامج تلقى مئات من علماء الدين الإندونيسيين دورات تدريبية ركزت على ترسيخ الفهم المعتدل لنصوص القرآن الكريم. وضمنها كان قد أعد كتيب دعوي عن الإسلام بتمويل أميركي، حددت فيه المضامين التي تقوم عليها الدعوة للإسلام. ولكن من رأي "كي إكراناجار" -وهي صديقة مقربة لوالدة أوباما الراحلة، وهي نفسها تعمل الآن في برنامج محدود للمنح الدراسية تابع لوكالة التنمية الدولية الأميركية في العاصمة جاكرتا- أن العقيدة مسألة شديدة الحساسية في أوساط المجتمع الإندونيسي، وأن من الأفضل لأميركا عدم التدخل فيها. فليس من المصلحة أن تحاول الجهات والقوى الغربية الضغط على المجتمعات المحلية والتدخل في شؤون عقيدتها. كما ترى أيضاً أن أميركا سوف تجلب لنفسها مشاكل وتعقيدات هي في غنى عنها بتدخلها في عقيدة المجتمع الإندونيسي. محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©