الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الرياضة

جوهانسبرج أرض الذهب أم مدينة الرعب؟

جوهانسبرج أرض الذهب أم مدينة الرعب؟
11 يونيو 2010 00:09
جوهانسبرج هي العاصمة الاقتصادية ومحور مهم للقارة الأفريقية بأكملها وليس لجنوب أفريقيا فقط، وتشتهر هذه المدينة بمناجم الذهب حيث تعرف جوهانسبرج باللغة التسوانية باسم “إيجولي”، أي أرض الذهب، وستكون هذه المدينة محط أنظار العالم اعتباراً من اليوم ولمدة شهر حيث ستستضيف المباراتين الافتتاحية والنهائية لكأس العالم لكرة القدم، كما ستستضيف عدداً آخر من المباريات مما يجعلها عاصمة لكرة القدم في العالم لمدة شهر كامل. وعلى الجانب الآخر تعتبر جوهانسبرج المدينة الأكثر إثارة للقلق بين مدن جنوب أفريقيا عندما ننظر إلى المعدل العالي للجريمة في المدينة، وهو ما يجعلها بالنسبة للزائر الذي يفد إليها للمرة الأولى مدينة الرعب، وهذا الزائر وباعتراف سكانها الأصليين أنفسهم بحاجة إلى الكثير من الحيطة واليقظة والحذر لكي يمضي فيها فترة البطولة دون أن يعكر صفوه حادثة سرقة أو ما هو أكثر من ذلك. وما بين أرض الذهب ومدينة الرعب يبرز السؤال: ولماذا يغامر الاتحاد الدولي لكرة القدم وعلى رأسه جوزيف بلاتر بإقامة بطولة بحجم كأس العالم في جنوب أفريقيا؟ ولماذا يسند أهم مباريات البطولة للمدينة التي تفتقر إلى الأمان المطلوب؟.. كل هذه التساؤلات تضع الجهات الأمنية في جنوب أفريقيا في اختبار حقيقي لإثبات جدارتهم بثقة الفيفا والسيد بلاتر. وقبل أن تفوز جنوب أفريقيا بشرف تنظيم كأس العالم لكرة القدم للمرة الأولى في تاريخ القارة الأفريقية كانت الأمور الأمنية هي نقطة الضعف الأكبر التي تهدد فوز هذا البلد بحق الاستضافة، وكان الهاجس الأول لدى المعارضين لاستضافة هذا البلد للبطولة هو الأمن، فالأنباء التي ترد من هذا المكان لا تبشر بالخير، وعندما تسمع اسم جنوب أفريقيا يترافق معها مصطلح الجريمة السائدة في هذا المكان الذي حكمته العنصرية لزمن طويل قبل أن يكسب معركة الحرية والفضل الأكبر يعود للزعيم التاريخي والمناضل الكبير نيلسون مانديلا والذي يبدو أنه كسب كل معاركه ولكن لم يجد حلاً لمعضلة الجريمة. وعندما فازت جنوب أفريقيا بشرف الاستضافة كان القرار أن تكون مدينة جوهانسبرج العاصمة الاقتصادية للجمهورية الأفريقية هي موقع افتتاح واختتام البطولة الأكبر على صعيد العالم، وليتلقى المعارضون صفعة جديدة فإذا كانت الجريمة موجودة في هذا البلد الأفريقي فهي في جوهانسبرج مستشرية بصورة أكبر وكأنما هناك رسالة تريد اللجنة المنظمة توجيهها للعالم عبر هذا القرار المثير للجدل. هنا في جوهانسبرج يصل معدل جرائم القتل إلى خمسين جريمة يومياً عدا عن السرقات والسطو المسلح والاغتصاب، ومنذ أن فازت جنوب أفريقيا بشرف استضافة المونديال لم تتوقف الأقاويل والشائعات التي تتناول إمكانية نقل البطولة إلى مكان آخر ومع كل مشكلة صغيرة تحدث يقفز المعارضون إلى الواجهة ليتحدثوا بالصوت العالي منددين ومحذرين من مغبة إقامة البطولة في بلد يفتقر إلى مقومات الأمن وهو المطلب الأكثر حيوية لحدث يفترض أن يتوافد إليه الناس من كل أقاصي الدنيا من أجل متابعته ويحضر فيه أفضل نجوم الكرة في العالم وكذلك معظم المسؤولين عن كرة القدم على وجه الكرة الأرضية. وفي كل مناسبة لا يكف جوزيف بلاتر رئيس امبراطورية الفيفا عن تجديد الثقة في جنوب أفريقيا ويشد على يد اللجنة المنظمة في جهودها المنصبة من أجل إخراج الحدث بصورة تعكس تطور القارة الأفريقية، وهو يشيد بما قامت به هذه الدولة مؤكداً أنه يراهن على بطولة تسير بصورة رائعة دون أن يحدث فيها ما يعكر صفوها، وفي الوقت نفسه كان الكثيرون يرون في بلاتر الشخص الذي لا يفكر سوى في مجده الشخصي والذي سيدخل التاريخ على اعتبار أن البطولة تقام للمرة الأولى في القارة الأفريقية في ولايته. كل هذه الأمور تبادرت إلى ذهني وأنا في الطائرة التي أقلتني إلى جوهانسبرج فما سمعته خلال الفترة الماضية لم يكن يمنحني التفاؤل الكافي، وكلما اقترب موعد السفر كانت التقارير في ازدياد حتى عندما علمت أن هناك أناساً تتاجر في مثل هذه المواقف لتحقيق أكبر قدر ممكن من الأرباح ولعل أكثر التقارير التي استوقفتني في الفترة الماضية هي قصة شركات الأمن الخاصة التي وجدت في البطولة أرضاً خصبة لجني المزيد من الأرباح واضطرت إلى حشد كل قواتها واستدعاء المزيد من رجال الأمن المدربين من قوات احتياطييها لتقديم خدمة الحماية باهظة الثمن لمن يرغب من الذين سيقومون بزيارة جنوب أفريقيا بشكل عام وجوهانسبرج بشكل خاص، ولكن هذه الخدمة لن تشمل الجميع ولا أعتقد أن المشجع القادم لمؤازرة منتخب بلاده بقادر على تحمل نفقات الحارس الشخصي. عندما وصلنا إلى جوهانسبرج كانت ساعة الحقيقة قد حانت ومنذ تلك اللحظة بدأ الاختبار الحقيقي بالنسبة لي على الأقل حول مدى صحة ما سمعت، ومدى خطورة المكان الذي وصلت إليه من أجل حدث رياضي هو الأكبر على سطح الأرض، كانت الأمور منظمة بشكل رائع ولم تستغرق الإجراءات سوى دقائق معدودة حتى كنا خارج مبنى المطار وعندها تقدم أحد المتطوعين من المنظمين بتقديم دليل أمني يحتوي على تعليمات للقادمين إلى الحدث يتضمن الكثير من المعلومات القيمة ولكنها أشبه بمنشور تحذيري. الوصايا الأمنية مقدمة الدليل الأمني تقول إن هناك الكثير من الأشياء التي تقال حول الأمن في جوهانسبرج وقد تكون هناك الكثير من المعلومات الصحيحة ولكن مقولة أن كل شخص قادم من الخارج لحضور الحدث هو معرض للخطر فهذا الشيء ليس صحيحاً بالمرة، وباتباع بعض المبادئ والبديهيات التي يقوم بها أي شخص يقوم بزيارة بلد جديد فهو سوف ينعم ببطولة كأس عالم مثالية ودون أن يحس بأي نوع من المخاطر، بالإضافة إلى أن هناك الآلاف من رجال الأمن الإضافيين الذين سيتوزعون بالقرب من الملاعب والأماكن الاستراتيجية. ويتطرق الدليل إلى بعض القواعد المفترض اتباعها من قبل القادمين لحضور فعاليات كأس العالم من أجل سلامتهم في جنوب أفريقيا بشكل عام وجوهانسبرج بشكل خاص ويتحدث عن المطار الذي يعتبر مكاناً حيوياً للمجرمين واللصوص حيث يصل المسافر منهكاً ولا يفكر كثيراً عندما يتلقى المساعدة ويشدد على ضرورة الاعتماد على السيارات المرخصة من قبل المطار أو خطوط الطيران وعدم تلقي المساعدة من الأشخاص الغرباء الذين يقفون خارج مبنى المطار فهؤلاء يتصيدون القادمين فقد يجنون مبالغ إضافية عند التوصيل أو قد لا يأخذون القادم إلى وجهته المطلوبة. وتتواصل القواعد حيث يقترح الدليل على السائح القادم عدم تجنب الذهاب إلى المناطق غير الآمنة، خصوصاً في الليل، كما يطالب باليقظة والحذر في كل الأوقات والتمتع بحس أمني عال والانتباه للأشياء المحيطة، كما يحذر من حمل أشياء ثمينة مثل الكاميرات الرقمية بشكل ظاهر للناس وعدم ارتداء الكثير من المجوهرات الغالية أو الساعات الثمينة وعدم حمل جواز السفر في الجيب الخلفي وترك بطاقة اعتماد احتياطية ومبالغ من المال في محل الإقامة. كما ينبغي على المسافر أن يحمل خريطة في جوهانسبرج وتجنب الأماكن المظلمة وعدم السفر في الليل في حال استئجار سيارة كما ينبغي التأكد من إقفال كل أبواب السيارة وعدم إنزال نافذة السيارة للمتسولين أو أي شخص يحاول جذب الانتباه عند إشارات المرور والتقاطعات، كما لا ينصح بالوقوف لتحميل أشخاص في الطريق. ويتطرق الدليل للمحاذير عند استعمال مكائن الصراف الآلي حيث لا ينبغي تقبل المساعدة من الغرباء، وينصح باستخدام المكائن التي توجد في أماكن واضحة مثل البنوك والمحلات ومراكز التسوق، وتجنب المكائن التي توجد في الشارع العام والتأكد من عدم وجود شخص يراقبك أثناء السحب كما يطالب بتقليص المبالغ المسحوبة إلى الحد الأدنى. وبالنسبة لبطاقات الائتمان تشتهر جنوب أفريقيا بجرائم نسخ البطاقات وسرقة بياناتها ولذا ينصح الدليل بعدم ترك البطاقة بعيدة عن متناول العين، لدرجة طلب إجراء عملية الخصم من البطاقة عند الدفع أمام ناظريك. لا تقاوم السطو حتى لا يحدث الأسوأ جوهانسبرج (الاتحاد)- يطالب الدليل الشخص القادم بعدم السير بشكل منفرد وضرورة السير ضمن المجموعـة حتى في الأمـاكـن المزدحمـة، وتجنـب السير بشكل منفرد تماماً في الليل، ويبقى المضحك المبكي في نفس الوقت وهو خاتمة التحذيرات حيث يقول: “لو تعرضت للسطو فعليك ألا تقاوم وقم بتنفيذ ما يطلب منك بكل هـدوء حتى لا يحـدث ما هو أسوأ”. جوزي أرض الذهب جوهانسبرج (الاتحاد) - تعتبر مدينة جوهانسبرج المحور الاقتصادي والتجاري الأساسي في جنوب أفريقيا، حيث تساهم بحوالي 12% من الناتج المحلي الإجمالي. كما تعتبر ملاذا آمنا للباحثين عن الهدوء والراحة، ويطلق عليها سكانها اسم “جوزي”، وبالرغم من النشاط التجاري المكثف الذي تشهده بشكل متواصل والضوضاء التي تنتج عن ذلك، تعتبر جوهانسبرج مدينة خضراء بحكم ثروة الغابات التي تذخر بها والأشجار العديدة المنتشرة في متنزهاتها، والبالغ عددها 2328 متنزها. وبالإضافة إلى هذه الثروة الطبيعية، تفتخر جوهانسبرج بثروة ثقافية مهمة تتمثل بالخصوص في المتاحف العديدة المنتشرة في مختلف أرجاء المدينة، ويعتبر أبرزها “آبارتهايد ميوزيوم”، ذلك المتحف الذي يخلد ملحمة مواجهة نظام التمييز العنصري الذي عاشت تحت وطأته جنوب أفريقيا خلال سنوات طويلة من القرن الماضي، إضافة إلى متحف “كونستيتيوشن هيل” ومتحف الذاكرة الحية لأحياء الضاحية الجنوبية الشرقية، المعروفة باسم “سويتو”، دون إغفال سوق “الماي ماي” الذي يعتبر أقدم الأسواق في جوهانسبرج، وهو عبارة عن مرتع خصب لعشاق الطب التقليدي. ولا تبعد مدينة جوهانسبرج كثيرا عن منطقة “مهد الإنسانية” التي تصنفها منظمة اليونسكو ضمن خانة التراث العالمي، حيث تضم كهوف “ستيركفونتين” التي وجد فيها أقدم هيكل عظمي شبيه بالإنسان على الإطلاق. واتخذت جوهانسبرج صفة المدينة سنة 1886، أي خلال بدايات مرحلة التهافت على الذهب، كما أصبحت معقلاً للنشاط السياسي والنضال خلال سنوات “الآبارتهايد”، والذي ساهمت “سويتو” بشكل كبير في القضاء عليه وتحرير جنوب أفريقيا من آفته، حيث اجتمعت العديد من الحركات المناهضة لنظام التفرقة العنصرية سنة 1955 بكيبتاون لتوقيع ‘ميثاق الحرية’ الذي يقدس مبدأ المساواة بين الجميع، وهو الأساس الذي بني عليه دستور جنوب أفريقيا الحالي. لا تترك الحقيبة أنت في جوهانسبرج جوهانسبرج (الاتحاد)- عندما ذهبت إلى مركز بطاقات الاعتماد لاستخراج بطاقتي الإعلامية التي تخول لي التنقل بحرية في أرجاء البطولة كانت الإجراءات مشددة واضطررنا للوقوف في صف طويل حتى يحين دورنا في الدخول، وكان الانتظار في الشارع. ومع عبور المارة كانت كل الوصايا الواردة في الدليل الأمني تجول في خاطري وكلي حرص على تنفيذها حرفياً ولعلي أضفت إليها المزيد من الوصايا من بنات أفكاري، وعندما حان الدور ودخلنا المركز يبدو أنني تناسيت كل تلك الوصايا فكان لابد من المرور على نقاط التفتيش وحينها خيرتني موظفة الأمن بأحد خيارين، أولهما أن استخرج الكمبيوتر المحمول وأقوم بتسجيل رقمه المتسلسل والثاني هو أن أترك الحقيبة لديها حتى أخرج، وكعربي فقد اخترت الخيار الأسهل وهو الثاني، حينها قال لي طاهر وهو صحفي من جنوب أفريقيا يعمل لدى وكالة أنباء بريطانية بلغة آمرة: “لا تترك الحقيبة، أنت في جوهانسبرج”. تجارة الخوف جوهانسبرج (الاتحاد) - من أكثر التقارير التي قرأتها قبل القدوم إلى جوهانسبرج طرافة هي قصة تعاقد أجهزة الشرطة مع شركات الأمن الخاصة لتوفير الحماية لها، ومن هذا الجزء من التقرير قد تدرك أن المبالغة جزء لا يتجزأ من الموضوع، وعلى غرار المثل الذي يقول مصائب قوم عند قوم فوائد يبدو أن هناك أناسا يستفيدون من الخلل الأمني الموجود، وأن هناك بالفعل أناسا تتاجر بالخوف الذي يسكن في قلوب الناس لتجني أكبر قدر من المكاسب.
المصدر: جوهانسبرج
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©