الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تبعات الانفصال

24 أكتوبر 2009 01:11
خطا شريكا الحكم في السودان خطوة إلى الأمام هذا الأسبوع واتفقا على أسس مشروع قانون استفتاء الجنوبيين الذي سيجري في مطلع عام 2011. وتبقى بعد هذا تفاصيل كثيرة حول الاستفتاء وما يمكن أن يترتب عليه لا بد من بحثها والوصول فيها إلى اتفاق قبل حلول موعد الاستفتاء، الذي يعتبره كثيرون نقطة مفصلية. أما الاتفاق الذي تم هذا الأسبوع فيقضي بضرورة أن يشارك في الاستفتاء ثلثا أبناء الجنوب الذين يحق لهم التصويت وتظهر أسماؤهم في كشف الناخبين. ويتضمن الاتفاق كذلك الاكتفاء بأن يكون التصويت للانفصال أو الوحدة بأغلبية بسيطة (50+1). كما يؤكد الاتفاق أن من حق الجنوبيين غير المقيمين في أرض الجنوب عند التصويت المشاركة في الاقتراع. وكانت تلك هي النقاط الهامة في خلاف الشريكين، وبحسمها يكونا قد تقدما إلى الأمام في قضية شائكة متعددة الأبعاد. وإذا جاء التصويت في الاستفتاء لصالح الوحدة، فإن ذلك سيوفر الكثير من الجهد وسينحصر الهم أساساً في مسألة إقامة حكم ذاتي في الجنوب وتحديد سلطاته في ظل نظام موحد. أما إذا جاء التصويت لصالح الانفصال، وهذا للأسف الشديد هو الاحتمال الأغلب حتى يومنا هذا، فستكون لذلك تبعات معقدة وكثيرة، لعلنا نذكر هنا بعضاً منها على سبيل المثال لا الحصر. هناك البنى التحتية الماثلة في الشمال منذ عشرات السنين، وهي بنى شارك فيها الجنوبيون بحكم أنهم كانوا جزءاً من سودان موحد. فكيف يتم التعامل معها عند الانفصال؟ وهناك القوات النظامية السودانية، وأولها الجيش أو القوات المسلحة، كيف يعالج أمرها هي كذلك؟ وهناك أملاك السودان الموحد، في الداخل وفي الخارج، مثل مئات المساكن المملوكة للدولة السودانية في الشمال وفي الجنوب، والمقار الرسمية، والمباني المملوكة للسودان خارجه على شكل سفارات ومقار للسفراء وغير ذلك في أكثر من عاصمة. كل هذه ليست إلا مجرد نماذج للقضايا الشائكة التي سيفتح بابها قرار انفصال الجنوب مكوناً دولة أخرى. إن قرار الانفصال نفسه، إذا حدث، سيفتح "صندوق بندورة" من مرارات قديمة، وسيفتح الباب واسعاً لإرث عميق ارتبط بالحروب التي خاضها الجنوبيون منذ عام 1955 أي قبل الاستقلال. وفي مرحلة الحكم الذاتي، واستمرت متقطعة إلى أن كانت الحرب التي قادها جون قرنق وتواصلت لنحو عشرين سنة، وكان شعارها الأول "وحدة السودان". لكن غياب قرنق قلب موازين القوي في الجنوب وجعل خيار الانفصال هو الأرجح. إن تاريخ السودان الواحد الذي كان حقيقة ماثلة لأكثر من قرنين، يتعرض الآن لامتحان قاس، ولمصير كان يأباه كثير من الشماليين وعدد لا بأس به من أبناء الجنوب، لكنهم للحقيقة يمثلون اليوم أقلية لن يكتب لها الفوز في الاستفتاء الذي سيجري في يناير 2011. إن التاريخ في منعطف كهذا لن يرحم من سيكون السبب في اضطرابات أو قلاقل، وستحكم الأجيال القادمة، بل وحتى أجيال اليوم، على من كان السبب في انشطار بلد المليون ميل مربع إلى دولتين قد لا تكون العلاقات بينهما ودية إذا وقع الانفصال. إن التاريخ سيدين المتسببين في الانفصال، طال الزمن أم قصر، وستلحق الإدانة بالطرفين الشريكين، وإن كان في تقديري أن الإدانة ستكون أقوى بحق من بيدهم الأمر والنهي. فهؤلاء الذين يتحملون الوزر الأكبر في الدفع بعيداً عن خيار الوحدة الذي قالت الاتفاقية إنه ينبغي أن يكون جاذباً، ستوجه إليهم أصابع اللوم على تعريض الوطن للخطر، لكن ذلك الخيار لم يحظ بما كان يجب أن يتم بشأنه، وقد فات الأوان أو كاد!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©