الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أدوات الكتابة ترسم ملامح فنون الخط على صفحة التاريخ

أدوات الكتابة ترسم ملامح فنون الخط على صفحة التاريخ
18 ابريل 2014 21:32
لم تحظ حروف الكتابة في أي لغة بالعالم بما حظي به الحرف العربي من جمال فني وثراء زخرفي منذ القرن الأول الهجري وإلى يومنا هذا. وإذا كانت الخطوط التي يصعب حصر مسمياتها قد جعلت الخط العربي موضوعاً زخرفياً قائماً بذاته في الفنون الإسلامية، فإن الأدوات التي استخدمها الخطاطون، خاصة في بلاط الحكام من الخلفاء والملوك كانت قطعاً من الفن الجميل. وجهود الخطاطين الأوائل في بغداد حاضرة العباسيين من أمثال ابن مقلة وابن البواب لتجويد خط النسخ، وتحقيق نسبه الجمالية تركت أثراً كبيراً في اهتمام دوائر الحكام بالكتابة وأدواتها. أحمد الصاوي (القاهرة) رغم الاعتراف بأن حجم ما وصل إلينا من أدوات الكتابة كالأقلام، والمحابر، وحوافظ الأقلام، يعد النزر اليسير قياساً بالكم الهائل من المخطوطات ونسخ المصاحف المهيبة التي تحتفظ بها المتاحف والمكتبات العالمية، فإن هذا الكم القليل من أدوات الكتابة يفصح عن أمرين يلخصان الأوضاع الاجتماعية للكتاب، فبينما استخدمت أدوات بسيطة من الخشب أساساً في أوساط النساخ العاديين حرص كتاب البلاط وقبلهم الخلفاء والملوك على اقتناء أدوات الكتابة المصنوعة من المعادن المكفتة بالفضة والذهب، فضلاً عن البللور الصخري الذي كان مادة أثيرة لدواة الحبر. ومن المعروف أن أقلام الكتابة اتخذت عادة من البوص الذي كان يجلب من المناطق الاستوائية بآسيا إلى شواطئ الخليج العربي بأطوال تتراوح بين 24 سم و30 سم، وبقطر يكون عادة بحدود 1 سم وطبقاً لنوع الخط المطلوب الكتابة به يتم تشذيب الطرف المفتوح وتعيين زاوية ميله. ونادراً ما نجد من يهتم باقتناء تلك الأقلام القديمة إلا المكتبات أو المتاحف المتخصصة في فنون الكتابة، بينما يشتد الحرص على اقتناء مقلمة أو محبرة وتدفع فيها المبالغ الضخمة. المجموعات الفنية وتُعد المحابر من بين المقتنيات الفنية الثمينة التي نجدها في المجموعات الفنية الكبيرة وبعضها مصنوع من البللور الصخري، وإن كانت المحابر النحاسية أو البرونزية أوسع انتشاراً. وكان المسلمون يستخدمونها لحفظ أحبار الكتابة التي يغلب عليها اللونان الأسود والبني الداكن. ولدينا عدة تركيبات سجل بعض المؤلفين القدامى محتوياتها من المواد المختلفة، بينما كان هناك بعض الكتاب الذين يعتبرون أحبارهم من أسرار المهنة التي لا يبوحون بها لأحد. واستخدم ماء الذهب والفضة في كتابة بعض العناوين وبرع المسلمون في استخدام الأحبار الملونة، وخاصة من درجات الأحمر والأزرق. ومن منطقة خراسان التي اشتهرت بصناعة المعادن لدينا قاعدة محبرة من البرونز، وهي مزدانة بزخارف نباتية قوامها أفرع وأوراق نفذت بأسلوب التكفيت باستخدام الفضة، وهي تعود لعام 596 هـ. ومن نفس العام محبرة من البرونز المكفت بالفضة ذات شكل دقيق وقوام زخرفتها رسوم أوراق نباتية متصلة بفروع حلزونية تملأ السطح الخارجي للمحبرة. ومن خراسان أيضاً محبرة تتخذ ذات الهيئة، وقد سجل عليها صانعها شاذي نقاش أنها من عمله في عام 607 هـ، وهي مصنوعة من النحاس الأصفر المكفت بالفضة وبالنحاس الأحمر معاً، وإن اكتسبت الزخارف النباتية فيها هيئة ملتبسة بحيث تبدو الأوراق النباتية كما لو كانت رؤوس حيوانات وطيور، وذلك من الحيل الفنية التي لجأ إليها الفنَّان المسلم في الكثير من أعماله سواء كان الغرض منها إبراز براعته الفنية أو تجنب انتقادات الفقهاء لتصوير الكائنات الحية. وتعد الأراضي التي حكمتها دولة المماليك في مصر والشام المصدر الأكبر لأدوات الكتابة الفخمة التي وصلت إلينا بحال جيدة من الحفظ لأن تقاليد البلاط المملوكي، حسبما يشير لذلك المؤرخون من أمثال القلقشندي والمقريزي أعطت ديوان الإنشاء وأرباب وظائف الكتابة مكانة كبيرة في النظام المملوكي ووجود وظيفة صاحب الدواة أو الدوادار في بلاط سلاطين المماليك خير دليل على الاهتمام الكبير بالكتابة وأدواتها الخاصة بالبلاط. ومن أهم مقتنيات متحف اللوفر بباريس من أدوات الكتابة المملوكية مقلمة من مصر أو الشام تعود صناعتها لعام 704 هـ، وهي ذات أبعاد مستطيلة «32 سم طولاً و9 سم عرضاً»، وعملت من نحاس أصفر وشكلت بالطرق، بينما زخرفت بالحفر وطعمت بالذهب والفضة. ونظراً لأنها كانت من مستلزمات السلطان، فإن تصميمها الداخلي يتضمَّن مكاناً مستطيلاً للأقلام ووعائين صغيرين لاحتواء الرمل الذي كان يستخدم لتجفيف الحبر، ثم الصمغ لختم الرسائل. وأخيراً وعاء متسع كان يستخدم غالباً لوضع حبر الكتابة. معاطف طويلة وتشير نقوش هذه المقلمة إلى تأثر كبير بالرسوم المنغولية، إذ تبدو فيها مناظر صيد يرتدي الصيادون فيها معاطف طويلة تلتف أطرافها على الصدر ويعتقد أن رسوم هذه المقلمة أو المحبرة تشير لانتصار المماليك على السلطان الإيلخاني غازان محمود في عام 702 هـ لتفشل محاولاته للاستيلاء على الشام. وثمة عدة مواضع بها كتابات بخط الثلث المملوكي فعلى الغطاء نقرأ «محبرة مولانا الكاملة الصفات وما يكتب بها دليل على حسن بري أقلامها وأم الكتاب بين علاماتها». وثمة كتابة موجهة للدوادار الذي يستخدمها في موضع الأقلام ونصها افتح محبرة الهناء فأقلامها تحيي وتسعد. ومن أجمل المحابر المملوكية وأحفلها زخرفا واحدة باسم الملك الناصر محمد بن قلاوون، وهي من النحاس الأصفر المكفت بالفضة والذهب وهي تشبه في تصميمها العام مقلمة متحف اللوفر، وإن اقتصرت زخارفها على الجمع بين أشرطة كتابة بخط الثلث المملوكي والزخارف النباتية من فروع وأوراق. ويحتل الغطاء من الخارج شريط كتابي يحمل اسم وألقاب الناصر محمد فضلا عن زخارف نباتية نفذت بالتكفيت بمعدني الذهب والفضة. ولدينا من نفس فترة حكم الناصر محمد مقلمة من النحاس الأصفر المكفت بالفضة، وإن فقدت منها أوعية الحبر والرمل والصمغ، فضلاً عن غطائها وهي تجمع في زخارفها بين الزخارف الهندسية والزخارف النباتية. مقلمة النحاس الأصفر تتخلف دمشق العاصمة الثانية لدولة المماليك عن ركب إنتاج أدوات الكتابة النحاسية والمكفتة بالذهب والفضة، ومن أجمل التحف المنسوبة إليها مقلمة من النحاس الأصفر المكفت بالذهب والفضة، وعليها فوق القفل اسم صانعها محمود بن سنقر، أما تاريخ صناعتها فهو عام 708 هـ. وتبدو زخارفها شديدة التنوع والغرابة أيضاً، فهي تضم رسوماً لبعض أنشطة البلاط من طرب ورقص وصيد، فضلاً عن رسوم هندسية تمتزج بأخرى نباتية مع استخدام بارع لرسوم الأوراق النباتية التي تتخذ هيئة رؤوس حيوانات.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©