الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الوسائط الحكائية في القصة الإماراتية القصيرة

الوسائط الحكائية في القصة الإماراتية القصيرة
14 أغسطس 2008 00:06
نقصد بالوسائط الحكائية تلك الوسائط التي يوظفها القاص لكي يقدّم تفاصيل حكايته بعيداً عن السرد المباشر، سواء أكان ذلك عبر الاعترافات أو الحوارات أو الأحلام أو الوثائق أو الرسائل··· إلخ، وتكتسب هذه الوسائط أهميتها من كونها تساهم في كسر احتكار السرد المباشر في القصة، وتنوّع في أساليب القص، مما يخلص القارئ من إملال مفترض قد يساق إليه من خلال تكرار واسطة السرد المباشر دون غيرها· نجحت القصة الإماراتية القصيرة في استثمار العديد من الوسائط التي يتيحها النظام السردي من أجل تقديم قصص متباينة البناء، ويمكن على سبيل الخصوص الإشارة إلى الحلم والكابوس، وتوظيف المكالمات الهاتفية، والرسائل والوثائق· ولا يعدّ توظيف الحلم في السرد سابقة، لأنه موظّف في كثير من القص العربي والعالمي، وتكمن أهمية توظيفه في قدرته على خلق جوّ غرائبي يجعل الحكاية أكثر تشويقاً وتخيّلاً، وربما ينجح القاص في إيهام القارئ بواقع ما ليكتشف في نهاية القصة أنه أمام حلم أو كابوس· الكابوس في قصة ''المترف'' تمزج سعاد العريمي الحقيقة بالكابوس، حتى إن الحقيقة تبدو بالنسبة إلى محمد بن ناصر كابوساً حقيقياً، وتصبح بمرور السنوات طعنة نجلاء تنفذ في القلب والضمير· وفي قصة ''غيبة مؤقتة'' لمحسن سليمان حسن يقدّم القاص أنثى تعبّر عن توقها للتحرر من خلال حلمها (تراه كابوساً)، إذ تجلس على الشاطئ ثم تخلع كل ملابسها وتستسلم لنشوة البحر، وحين تسمع صوتاً يدنو منها، يحمل نوراً من الأعماق، تخاف، ويكون الهرب من الموقف المرعب بالاستيقاظ· وتنجح أسماء الكتبي في قصة: ''حدث عندما كنتُ ميتاً'' في تقديم حبكة مراوِغة تترجح بين الواقعية والغرائبية، وتوهم القارئ حتى اللحظة الأخيرة بأنه أمام فانتازيا تخلخل بنية الواقع، ثم تفتح عينيه فجأة، وببراعة على حلم الشخصية الرئيسة· وتبدو فاطمة محمّد التي توظف الحلم في قصة ''ليس إلا'' مغرمة بالرمزي الدالّ، والغرائبي المعبّر، إلا أنها تبدو أقلّ نجاحاً في تجسيد لحظة الانتقال من الحلم إلى اليقظة· وقد وظف النص القصصي الإماراتي المكالمة الهاتفية في بناء الحكاية، ونحن لا نقصد هنا بالطبع الإشارة إلى مكالمة جرت في قصة ما، ولكننا نقصد قيام البناء الحكائي برمته على مكالمة هاتفية، كتلك التي تقوم عليها قصة ''الدنيا على الخط'' لمحمد ماجد السويدي، وهي قصة تنحو منحىً رمزياً· وقد استخدمت القصة الإماراتية الرسائل في بنية الحكاية الأساسية، ففي قصة ''قرار'' لابتسام عبدالله المعلا تقوم الرسالة بدور حكائي مهم جداً، لتتضافر مع عناصر السرد الأخرى في تتويج القصة بنهاية ناجحة اعتماداً عليها، فالقرار الذي اتخذه سلطان، وهو الانفصال عن أيونا التي سافرت في اليوم التالي إلى لندن، هو قرار مأساوي، لا تنكشف مأساويته إلا بعد قراءة الرسالة التي كتبتها أيونا لأمها، ونسيت أن تضعها في البريد، وتخبرها فيها أنها حامل، وأن سلطان سيفرح بذلك الحمل· وثمة قصة بعنوان ''رسالة إلى صديق'' لهدى محمد، تعتمد على هذه الواسطة الحكائية غير أن مشكلة القصة تكمن في كون ظلال الحكاية تختفي خلف إنشائية تكاد تخرجها من السرد الحكائي عموماً· المذكرات ويمكن للمتتبع أن يجد قصصاً إماراتية تعتمد على المذكّرات، ونستطيع هنا أن نشير إلى قصة لعمر عبدالرحمن سيف بعنوان ''صفحات من الذاكرة''، وهي تعتمد على دفتر المذكرات، ثم يقرأ السارد سبع صفحات من ذاكرة امرأة تُروى بصيغة الغائب، وتغلق على مأساة تصبغ عمرها باللون الأرجواني، متبوعة بسياق سردي ختامي: ''أغلقت الدفتر وكان كل ينابيع الألم صبت في ذاتي·· وراحت تصطخب بأمواجها وتلطم كل الضلوع: هل هذا هو الماضي الذي كنت أبكي فقدانه؟ أهو حقاً ذلك البحر الرائع الذي كنت أتسول لأجله وجهاً يعيدني إلى مرافئه؟·· للمرة الأولى·· منذ فقدت ذاكرتي أشعر أنني إنسان تخلص -بنسيانه- من مرض عضال كان يسكنه''· وتسمح لنا التجربة الثرّة لمحمد المرّ أن ندلل على تنويع الوسائط التي يستثمرها في بناء الحكاية، إذ ثمة لديه عدة قصص تقوم على المكالمات الهاتفية، فقصة: ''كلمات، كلمات، كلمات'' تبدأ بخروج خولة متجهة إلى بيت أمها، وعودتها بعد دقيقتين، لإحضار قطعة القماش التي اشترتها لأمها، وقد نسيتها في كيس على التفلزيون، وعندما تعود تسمع زوجها يحادث صديقه تلفونياً كاشفاً من خلال المكالمة كثيراً من علاقاته الغرامية على مسمع زوجته· وفي قصة ''السيارة الجديدة'' يقدم محمد المر من خلال خمس مكالمات هاتفية، حكايته التي تتحدث عن فتاة لعوب تبدي إعجابها بالشباب حتى تأخذ هداياهم وأموالهم· ويقوم بناء الحكاية في بعض قصص محمد المرّ على المذكّرات أيضاً، على نحو ما نرى في قصة ''يوميات كئيبة وغريبة'' التي تبدأ بمقدمة عن لاري وايلد الذي جاء إلى دبي واختفى في ظروف غامضة، بعد أن كتب مذكراته· الوثائق كما يستخدم القاص الوثائق بشكل حكائي فعّال على نحو ما نجد في قصة ''بيت الحب'' التي يقدّم خلالها وثيقة شراء أحد البيوت عام 1362هـ، وتكاد هذه الوثيقة التي قد تكون ذات أصل واقعي أن ترقى إلى درجة الوثيقة التاريخية التي توثّق جزءاً من تاريخ الإمارات، وتصور من خلال البنى الحكائية الصغرى القفزة الهائلة في أسعار البيوت والأراضي التي شهدتها الإمارات: ''راجع الموظّف قائمة موجودة أمامه· -خالد خالد خالد نعم، خالد خلفان، فريج الضغاية لقد أخذوا البيت كلّه قيمة التعويض الكاملة مليون وأربعمائة وخمسون ألفاً وثمانمائة درهم تفضّل وقّع هنا مبروك عليك الشيك ستأخذه من الحجرة الثانية على اليمين''· ويلجأ المرّ في بعض الأحيان إلى استخدام العناوين الداخلية، كما نجد في قصة ''نصيب'' التي تتحدث حكايتها عن راشد الذي يكلف والدته وعمتيه بالبحث له عن عروس فيرشحن له عدة عرائس، ويدرسن مواصفاتهنّ، ثم يتعثر مشروع الخطبة لسبب أو لآخر، ويكون النصيب أن يتزوج أمل سكرتيرته البحرينية التي كانت أمام ناظريه طوال فترة البحث، والطريف أن القاص يقسم النص بوساطة عدد من العناوين الداخلية، بعد تمهيد لا عنوان له، وهي: ؟ الاختيار· ؟ المرشحة الأولى· ؟ المرشحة الثانية· ؟ المرشحة الثالثة· ؟ مرشحات جديدات· ؟ نصيب· ولعلّ نمط القصة البانورامية أن يكون من أطرف أنماط تنويع تقديم الحكاية التي يقدمها محمد المر، إذ يقوم على سارد مراقب يقدم نماذج مختلفة حقيقية أو متخيلة من مواقف الشخصيات، ففي قصة ''أربع طاولات'' يقدم السارد تمهيداً حول مطعم البيتزا والطلبات والموظفة والزبائن، ثم يقدم الأحاديث التي تجري على أربع طاولات، بشكل بانورامي لا يحاول القاص أن يجمع شتاته في النهاية: ؟ فالطاولة التي بقرب الباب يتحدث فيها رجل وزوجته حديثاً عادياً فيه عتاب الزوجة لأن زوجها مو فاضي لها· ؟ والطاولة الملاصقة للنافذة يجلس عليها رجلان يتحدثان عن النساء· ؟ والطاولة القريبة من الجدار تجلس عليها ثلاث فتيات يتحدثن عن فتاة اسمها رفيعة· ؟ والطاولة التي على يمين الباب ابن يتحدث مع أبيه أنه يرغب بالسفر إلى بريطانيا في الصيف· والحقّ أنّ ثمة تطوراً جوهرياً في مشروع محمد المر القصصي، إذ كان يسعى في بداياته إلى حداث الأثر عن طريق إحداث المفارقة في حكايته المحكمة، غير أنه فيما بعد صار يبحث عن التفرّد من خلال التنويع والبحث عن صيغة غير مكررة للحكاية·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©