الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اليابان وخطر كوريا الشمالية

9 يونيو 2017 22:51
في شهر أبريل الماضي، كانت المواقف التي تبنتها كوريا الشمالية صادمة. ومع التدهور المتزايد للعلاقات بين بيونج يانج وواشنطن، كانت الصحافة اليابانية تتحدث من دون انقطاع عن إمكان نشوب حرب وشيكة، واحتمال إطلاق الكوريين الشماليين لوابل من صواريخهم على اليابان. وفي منتصف شهر أبريل ذاته، أعلنت إدارة ترامب أن الولايات المتحدة لن تطالب بالضرورة كوريا الشمالية بتغيير نظامها. وفي يوم 11 أبريل، أعادت كوريا الشمالية تشكيل اللجنة الدبلوماسية التابعة لمجلس الشعب الأعلى لأول مرة منذ 19 عاماً. ويبدو أن الطرفين (أميركا وكوريا الشمالية)، فضلا تغليب الدبلوماسية في حل المشاكل القائمة بينهما. وبالعودة إلى أزمة أبريل، يمكن القول إن معظم القلق الذي ساور اليابانيين يمكن أن يُعزى إلى مواقف إدارة ترامب التي يستحيل فهمها أو توقعها، وليس من التغير المفاجئ في سياسات وسلوكيات كوريا الشمالية. وقد نشرت «صحيفة العمل» Rodong Sinmun الصادرة عن اللجنة المركزية لحزب العمال الكوري الشمالي الحاكم في بيونج يانج، سلسلة من المقالات بما فيها ذلك مقالات كتبها محررون تابعون لوزارة الخارجية في كوريا الشمالية، عبرت جميعها عن عدم ارتياحها للخط السياسي المتشدد لقيادة بلدها، الذي يوحي بأنها تحضّر لإطلاق ضربات استباقية ضد الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة. وحتى الرئيس الكوري الشمالي ذاته كيم جونج أون، تجنّب الإشارة إلى مثل هذه الإيحاءات، ونفى نفياً قاطعاً أن يكون قد نطق بأي من هذه التهديدات خلال حديث صحفي تم إجراؤه معه على هامش احتفالية كوريا الشمالية بمرور 105 أعوام على ميلاد مؤسس تلك الدولة «كيم إيل سونج» في 15 أبريل الماضي. وفي هذه المناسبة ذاتها، أصدر «تشو ريونج هاي» رئيس اللجنة العسكرية المركزية التابعة لحزب العمال الكوري الشمالي، بياناً أكد فيه على ما أسماه الحقيقة الثابتة من أن كوريا الشمالية لن توجه ضربتها الصاروخية، إلا إذا بادرت الولايات المتحدة بالهجوم على بلده. وهذا يعني بكلمة أخرى أن من الضروري التأكد من التوجهات الحقيقية للأشخاص الذين يصدرون البيانات والتصريحات بدلاً من قبول الكلام الذي يذاع عبر وسائل الإعلام على عواهنه، حتى يتمكن المرء من فهم المنطق السياسي المتبع في كوريا الشمالية. وخلال فترة التوتر والقلق هذه، التي ضجّت بأخبارها وسائل الإعلام في أواسط شهر أبريل، كان الرئيس الكوري الشمالي كيم جونج أون منشغلاً بالنشاطات ذات الصفة المحلية البحتة. وفي كوريا الجنوبية، فاز «مون جاي إن» بالرئاسة في 10 مايو الماضي ليدشّن بذلك أول إدارة إصلاحية خلال عقد من الزمن. وهو يتبنى سياسة المهادنة والتراضي مع كوريا الشمالية. وبعد أن أصبح رئيساً، سارع إلى الإعلان عن إعادة افتتاح «مجمع كايسونج الصناعي» المشترك مع كوريا الشمالية بعد أن تم إغلاقه في عهد إدارة الرئيسة الكورية الجنوبية السابقة «بارك جيون هاي». ويبدو أن الأمر لم يعد إلا مسألة وقت قبل أن ينطلق الحوار بين الكوريتين بحيث يتم عقد أول اجتماع قمة بين رئيسي الشمال والجنوب منذ 10 سنوات بغض النظر على التجارب الصاروخية التي قد تجريها كوريا الشمالية. ومن المنتظر أن تستضيف كوريا الجنوبية فعاليات الألعاب الأولمبية الشتوية في شهر فبراير 2018، وسيكون هذا الوقت مناسباً لبناء علاقات جديدة لكوريا الشمالية مع بعض الدول، حتى ولو لم يكن ذلك على المستوى الحكومي. ويبدو أن نظام الرئيس كيم جونج أون يفضّل إجراء مباحثات مباشرة مع إدارة الرئيس ترامب. ومن غير المرجّح أن يكون هناك أي حديث حول تطوير البرنامج النووي والصاروخي، ومن المحتمل أن تسعى كوريا الشمالية لدعوة جارتها الجنوبية لإطلاق حوار مباشر يهدف إلى تحسين العلاقات بين الطرفين بالسرعة الممكنة. ويمكن لبيونج يانج أيضاً أن تتوقع من سيئول أن تعمل كوسيط بينها وبين الولايات المتحدة. وإذا كان تجنب دواعي نشوب الحرب أمراً يستحق الترحيب به، من دون شك، إلا أن الحوار بين الكوريتين من دون مشاركة اليابان، التي لم تبدأ بعد بحل القضايا الخلافية مع كوريا الشمالية، يمكن أن يستثير المزيد من القلق في طوكيو، لأن من شأن هذا التطور أن يزيد من صعوبة التنسيق بين اليابان والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية لاتخاذ موقف موحد إزاء كوريا الشمالية. ويقول ترامب إنه يبقي على كل الخيارات مطروحة على الطاولة. وهناك احتمال للتوصل إلى تسوية شاملة، وهذا يعتمد على مدى تجاوب كوريا الشمالية. وعلى رغم الخطاب المتشدد السابق لترامب في هذا الشأن، يبدو أنه قد توصل إلى الاستنتاج القائل إن توجيه الضربة لكوريا الشمالية يمكن أن يعرّض كوريا الجنوبية واليابان، اللتين ترابط فيهما قوات أميركية، للخطر. ومع ذلك، يكون من الصعب الاعتقاد بأن إدارة ترامب ستتبع سياسة النأي بالنفس أو ما يُعرف بمصطلح «الصبر الاستراتيجي» الذي تبنّته إدارة أوباما، لما عُرف عن ترامب من معارضته القوية لتلك السياسة التي قال إنها هي التي منحت كوريا الشمالية الوقت الكافي لتطوير برامجها النووية والصاروخية. ولا يمكن لترامب تجاهل كوريا الشمالية، كما لا يمكنه أيضاً الشروع في عمل عسكري ضدها. ولهذا السبب، فإن تبنّي الدبلوماسية المتشددة يبدو وكأنه يمثل الخيار الأكثر قرباً من المنطق. وبناء على هذا التصوّر، بادر ترامب إلى تعيين وزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر، الذي سبق له أن قاد الدبلوماسية الأميركية للتطبيع مع الصين، مستشاراً له، ولهذا دلالته السياسية والرمزية أيضاً. *أستاذ دراسات كوريا الشمالية في جامعة «كايو»- يوكوهاما، اليابان ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©