السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جحود الفضل

جحود الفضل
13 أغسطس 2008 23:57
ثمة في تاريخ الأبطال الذين تركوا في الدنيا دويّا صفحات مدوّخة· وهي صفحات ملتبسة تحتوي على ما يشبه المتن والحاشية· وفي حين يكون المتن مشرقا يدوّن ما للبطل من أفضال على السلطة التي تفانى في خدمتها وسطّر أمجادها وخلّد ذكرها، ترد الحاشية محاطة بالدياجير لأنها تدوّن مخازي السلطة وجحودها لفضل من سطّر في ساحات الشرف أمجادها· يكفي هنا أن نتذكّر ما كان من أمر القائد الأعظم طارق بن زياد وتغريبته مع حكام بني أمية، وما كان من أمر القائد الأمهر جوهر الصقلي باني أمجاد الفاطميين· يكفي أن نتلفّت وإن قليلا إلى سيرة هذين البطلين وستنكشف مخازي السلطة عارية كالفضيحة تماماً· فالثابت تاريخيا أن القائد جوهر الصقلي الأصل قد ولد بجزيرة صقلية سنة 312 هـ، ثم قصد القيروان ودخل في خدمة المعز لدين الله الفاطمي، فولاّه ديوان الكتابة ثم عيّنه قائدا على حملته لفتح بلاد المغرب سنة347هـ ففتحها سنة 349هـ، لكن الخليفة الفاطمي عزله وغيّبه· وحين عقد المعزّ العزم على غزو مصر دعاه من جديد فقاتل جوهر الإخشيديين وهزمهم، وبنى القاهرة، وأنشأ الجامع الأزهر· وحال وصول المعزّ إلى مصر قام بعزل جوهر الصقلي وأبعده· ثم أعاد الكرّة واستنجد به قائدا للجيش عندما قام القرامطة بمهاجمة مصر ليعزله بعد النصر مباشرة· ولم يكن صنيع العزيز بن المعزّ أقل جحودا فلقد استنجد بخدمات القائد جوهر حين داهمه القرامطة من جديد ثم قام بإبعاده فاختفى إلى الأبد· على هذا الغدر وجحود الفضل جريان علاقة القائد الأمهر طارق بن زياد مع السلطة الأموية· فلقد كان طارق فارس قبيلة الصدف البربرية· وتجمع كتب التاريخ على أنه أبلى البلاء الحسن في خدمة الأمويين لحظة إخضاعهم للقبائل المتحصّنة في أعالي جبال بلاد المغرب· حين خطب طارق في جيشه قائلا ''أيها الناس أين المفرّ؟ البحر من ورائكم والعدو من أمامكم، وليس لكم والله إلا الصدق والصبر··'' لم يكن يدري أن الحاكم الأموي موسى بن نصير سيهينه ويعزله ويرمي به في السجن حال وصوله إلى أرض الأندلس التي فتحها طارق بالكدّ والدم ورشح الجبين· تجمع كتب التاريخ على أن طارق بن زياد قصد الشام طمعا في بعض من إنصاف لم ينل منه ذرّةً أو فتيلاً فمات فقيراً معدماً· وجزم العديد من المؤرخين بأنه شُوهد في آخر أيامه يتسوّل أمام المسجد الأموي· وتلك صفحات من فخار السلطة وأمجادها· ذاك جزء من مكر التاريخ ومكائده· إن التاريخ لاإنساني حتما· ومعنى كونه لاإنسانيا أنه يخلّد أمجاد السلطة مهما كانت جائرة ويتعالى على جراحات الأبطال الذين بنوا تلك الأمجاد ولا يذكرها إلا لماماً· أو لكأن الذاكرة الجماعية لا تتلفّت إلى تلك الجراحات حتى لا تسيء لأبطال كلّلتهم بالغار والفخار·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©