الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ما تمناه الفرد/ الحشود.. محمود درويش من الموت

ما تمناه الفرد/ الحشود.. محمود درويش من الموت
13 أغسطس 2008 23:55
بعدما ظهر خبر وفاة المرحوم محمود درويش، ظهر خبر جديد ينفي وفاته، لكن بعدها بدقائق ظهر خبر أجد يشير إلى أن الأنباء متضاربة فبعضها تؤكد وفاته والاخرى تنفي، وكنت عندها أتساءل: هل أصبح محمود درويش نصا شعريا حتى في موته، وخاضعا لعدة قراءات· وتخيلت كيف سيكون موقف محمود درويش لو عاد إلى بيته، وكانت كل هذه الأخبار محض افتراء؟ كنت جادا في مثل هذا التخيل، فماذا يمكن أن يكتب محمود درويش لو رجع فعلا· ترى هل فاجأه الموت، ثم هل كان قاسيا، وهل حقق ما تمناه منه: ويا موت انتظر، يا موت، حتى أستعيد صفاء ذهني في الربيع وصحتي، لتكون صيادا شريفا لا يصيد الظبي قرب النبع· ماذا يعني فصل الربيع لدرويش، ولماذا يريد الموت بعد أن يستعيد الصفاء؟ هل كان حقا فصل الربيع فصل الإنتاج والخصوبة، ثم هل باغت درويش الموت كما يباغت الصياد الظبي عند النبع فيقتله دون أن يتركه يشرب؟ لقد تحقق شيء من ذلك، وظل محمود درويش حيا في الربيع، وقد استعاد شيئا من صفائه، لكن الموت إن حقق أمنية فلا يحققها كاملة، فإن أعطاه صفاء الذهن، وأخذ روحه في الصيف، إلا أن أمنية أخرى لم تتحقق، فلقد كان يريد أن يموت وهو قوي، وفي الجدارية يخاطب الموت قائلا: أنت أقوى من نظام الطب أقوى من جهاز تنفسي··· ولست محتاجا لتقتلني ـ إلى مرضي لقد فعلها الموت إذا، وتسلل إلى الشاعر في مرضه، وهو ملتف بالأجهزة الطبية، وأظن بأن محمود درويش يتمنى ألا يموت في مرضه لأنه يخشى أن يموت بعيدا عن أهله ولغته· كان يريد من الموت أن يقتله وهو في بيته غير معتل· استطاع المرحوم أن يدون لنا في الجدارية التفاصيل الصغيرة في الغرفة البيضاء بباريس، واستخدم الممرضة لترده إلى الواقع الملموس بعد تدوين ما ينتابه من خيالات بتأثير المخدر، ثم تغيب في البياض مذكرة الشاعر باسمه وهذيانه، كان يصرخ بالممرضة قائلا: لا أريد الرجوع إلى أحد/ لا أريد الرجوع إلى بلد/ بعد هذا الغياب الطويل··· أريد الرجوع فقط إلى لغتي في أقاصي الهديل· لكن ماذا خلف في الغرفة البيضاء بتكساس بعد أن رجع إلى فلسطين ليدفن فيها دون أن يرجع إلى لغته مخلفا جرحا جميلا في الشعر العربي المعاصر لن يلتئم أبدا· وليس من المبالغة أن أشير إلى أن معظم الشعراء المعاصرين من جيل الشباب قد تناثرت في أشعارهم من شرايينه ورود شعرية كثيرة· عليك ألف رحمة وتسليم يا أيها الفرد الحشود، وأسأل الله أن يتغمدك بواسع رحمته·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©