الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التوحش.. أو عودة البربرية

التوحش.. أو عودة البربرية
9 يونيو 2010 20:40
ترى تيريز دلباش مؤلف كتاب “التوحش: عودة البربرية في القرن الحادي والعشرين” أنه في العام 1900 “بدا التطور الاجتماعي بمختلف مظاهره والتقدم التكنولوجي ومحاولة الحد من الحروب بين الدول للمرة الأولى وكأنه يعطي تبريرا للتوقعات المتفائلة، إلا أنه وبعد خمس سنوات أتت الحرب الروسية - اليابانية والثورة الروسية الأولى وأزمة طنجة بين فرنسا وألمانيا لتنذر بالحرب الكبرى التي لم يستشعر قدومها إلا بعض المراقبين ثاقبي النظر”. وتضيف في ما يتعلق بالتطورات الأخيرة التي سيشهدها القرن الحادي والعشرين أنه بعد أن كانت المخاوف تتركز على تفجر معلوماتي هائل، تغيرت الساحة الدولية في العام 2005 تغيرا عميقا، وأن “الشرق الأوسط والشرق الأقصى أصبحا المرشحين المفضلين لكوارث تاريخية جديدة. فقصة النووي الإيراني التي لا تنتهي والابتزاز الكوري الشمالي وخطورة المسألة التايوانية والعداء الصيني- الياباني، كل ذلك يظهر أن الإرهاب الدولي لا يشكل الخطر الوحيد أو الأساسي للقرن الحالي، وليست صورة المستقبل اليوم أوضح مما كانت عليه عام 1905، ومن المؤكد أن البشرية مهددة من جديد بعودة التوحش”. ومع أن السؤال الذي يطرح هنا يتركز حول ما إذا كان الأمر يتعلق بـ”عودة البربرية”، أم باستمرارها وتزايدها واتخاذها أشكالا جديدة، إلا أن المؤلفة تؤكد على أن البشرية يمكنها أيضا أن تخشى “تشابك وسائل التدمير المتوفرة لها والميول العدمية التي تولدها المحنة المعاصرة”، وتتساءل في سياق تقديمها إجابة عن سؤال الكتاب: “ما هي الأفكار التي تستحق أن تخاطر مجتمعاتنا التي تجاوزت عصر البطولة للدفاع عنها؟”. سؤال كبير يطرح الكثير من العناصر في جملة واحدة، العنصر الأساسي هو حول الأفكار التي تستحق الدفاع عنها في زمننا هذا، وهي بالطبع أفكار كثيرة لا حصر لها، ولكن المؤلفة تتورط أحيانا في طرح ما تعتبره يقينيات كحديثها عن مجتمعات “تجاوزت عصر البطولة”، في حين يشهد العالم أشكالا من استعراض القوة لإظهار البطولة، لفرض الهيمنة من جانب القوى الكبرى التي لا تخفي نية السيطرة على العالم وتسييره وفق قوانينها، وللدفاع عن الذات من جهة البشر والدول الذين تستهدفهم هذه الهيمنة بشرورها ومآسيها الدموية. السؤال تجيب عنه الكاتبة بأربعة أقسام، الأول تسميه “المرقب” وتتحدث فيه عبر أربعة فصول عن: المسؤولية السياسية، ومبدأ المتعة، والتوحش، وفساد المبادئ. في حين تتحدث في القسم الثاني عن: المؤشرات، ولادة الحداثة، والفاعل اللامتوقع، والعودة إلى الوراء. ويجيء القسم الثالث في ثلاثة فصول هي: توقع المستقبل وذاكرة الماضي، رهانات ثلاثة على المستقبل، وقضايا مفتوحة. بينما ينطوي القسم الرابع على مقدمة وستة فصول هي: روسيا على حقيقتها، الصين بضفتيها، الابتزاز الكوري الشمالي، خيار الشعوب، وحدة المعسكر الغربي، وإعادة النظر في النووي، وتختم حول “تمزق النفس الإنسانية”. منذ البداية تستعير المؤلفة مقولة الروائي الروسي الشهير تولستوي: “إن التاريخ المعاصر شبيه بأصم يجيب على سؤال لم يطرحه عليه أحد”، لتقول إن “تسارع حركة التاريخ الذي انتهى إلينا قد بدأ منذ ما ينوف على قرنين. والبشرية اليوم تبدو مندفعة في ملحمة مجنونة يتضاءل فهمها لمجرياتها يوما بعد يوم”. ثم تتحدث المؤلفة عن عدم قدرتنا نحن البشر على فهم ما يدور حولنا، حيث الأمور تتعقد وتتداخل، ويغدو العالم “ضحية نوع من التشويش الذهني والأخلاقي”، أو لأن فوضى الأفكار والسلوك تبدو أسوأ بكثير من فوضى الأحداث”. وفي سياق متصل تستعير المؤلفة أيضا مقولة بول فاليري حول اللامتوقع الذي “يكاد يكون لا محدودا، يقف الخيال عاجزا أمامه”، لأن “التاريخ لم يعد يتقدم بطريقة مضطردة، ولا هو حتى يتقدم بقفزات، ويبدو أنه تخلى عن كل خط بياني قابل للفهم وقد خرج من عقاله”. حيث أن الانقلابات المذهلة والتغيرات المفاجئة هي الثيمات الأساسية لزمننا”، خصوصا منذ أحداث سبتمبر 2001 التي كشفت عن مخيلة تفوق التصور. وتعتبر المؤلفة أن “هذا المزيج من العنف والفجائية ومن عدم الاستقرار والفوضى يؤثر سلبا على نفوسنا وعقولنا على حد سواء، ولهذا السبب يحمل الاختلال المتزايد بين الإنسان والتاريخ خطرا ذا طبيعة أنطولوجية، إنه يهدد العلاقة التي تربط بين الوعي الإنساني والزمن، في الماضي، وتناقل القيم، واستمرارية الأجيال، والصلات بين البشر، كل ذلك مهدد بالآنية التي نعيشها، والفوضى التي تحيط بنا. إن الحاضر المستعجل كما الماضي المفرغ من حيويته يحولان الزمن إلى عامل اضطراب وقلق، لا سيما وأن سرعة التحولات التي أدخلتها الثورات التكنولوجية تفوق بكثير قدرة العقل البشري على مجاراتها، لذلك تقلص دوره إلى مجرد مراقب لم يعد ينتظر شيئا من التاريخ سوى الاستمرار”. كما ترى المؤلفة ما تحدث عنه المؤرخ اليوناني القديم توسيديد (470 - 375 قبل الميلاد) حول كون بعض حقب التاريخ “تكشف عن نوع من جموح في أهواء البشر”، وتقول “إن زمننا هو إحدى هذه الحقبات، كما كانت الثلاثينات من القرن المنصرم، حيث أدينت الإنسانية والتعقلية باسم كل ما من شأنه أن يكبح جماح الأهواء الإنسانية بواسطة قواعد يفرضها”. وتتحدث عن ظاهرة الإرهاب فترى أن “القيم التي كان من المفترض أن تستوعب الإرهاب قبل أن يأخذ مداه المذهل قد ضعفت كثيرا أو أنها عاجزة تماما، ومن أسباب ذلك أن أية جماعة سياسية لم تحاول أن تواجه التحدي الكبير الذي يمثله الخروج من نهاية قرن شرس، فالذاكرة والخيال أخلفا الموعد، وليس حال الإرادة أفضل، إذ أنها بعد أربعين سنة على حرب لم تنشب قط، لم تزل غير موجودة. ولريمون آرون (المؤرخ وعالم الاجتماع الفرنسي) جملة شهيرة هي: “حرب غير محتملة وسلام غير ممكن”. وفي حصيلة الكلام ترى تيريز دلباش أن غياب إمكانية الحوار بين الإنسان والتاريخ ليس لمجرد أن العلاقة بينهما مختلة، بل لأن الطرفين “في حالة اضطراب عميق”، ولذا فأي حوار سيكون عبارة عن “حوار طرشان” لأن “بربرية الفكر تسبق بربرية الفعل، بل تسهم في تدعيمها عبر لعبة مرايا لا حدود لها. وفي ما يتعلق بالسياسة، فالنتيجة واضحة تماما: لم يعد معنى الفكرة القائلة بأنه يمكن أن تترتب عن أفعال بضعة أشخاص نتائج يتأثر بها ملايين البشر، وتشبيهها بالكوارث الطبيعية، هو نفسه الذي كان في الماضي والذي يجب أن يبقى على ما هو دائما.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©