السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أوصاف السقاة

أوصاف السقاة
9 يونيو 2010 20:38
كان لأدبيات الشراب ثقافتها، وللمجالس تقاليدها، وللسقاة أوصافهم الحسية والمعنوية، سواء كانوا من الغلمان الحسان أو الجنس الثالث بينهما. وكانت قصور الخلفاء والأمراء وسراة القوم هي التي تضع معايير ذلك وحدوده. لكن ظل شعر أبى نواس يمثل المرجعية المعتمدة في كل هذه الشؤون على مر العصور. يروي ابن منظور في أخباره أن إسماعيل بن صبيح يقول:- قال الرشيد: ابغني وصيفة مليحة، فطنة مقدودة، مشكلة حلوة، متكلمة ظريفة، عالمة، تسقيني فإن الشرب من يد مثلها يطيب. فقلت: يا سيدي على الجهد. فقال: اجعل في هذا قول العيار أمامك، يريد أبا نواس: من كف ساقية، ناهيك ساقية في حسن قد، وفي ظرف وفي أدب كانت لرب قيان، ذي مغالبة بالفسق محترف، بالكشخ تكتسب فقد رأت ووعت عنهن واختلفت ما بينهن، وما يهوين بالكتب حتى إذا ما علا ماء الشباب بها وأفعمت في تمام الجسم والعصب وجشمت بخفي اللفظ فانجشمت وجرت الوعد بين الصدق والكذب تمت فلم ير إنسان لها شبها فيمن برا الله من عجم ومن عرب قال إسماعيل: فوالله ما قدرت على جارية فيها بعض ذلك. ونعود إلى الأوصاف النثرية والشعرية الدقيقة، لنرى موازين الجمال الحسي والمعنوي منذ هذا العصر الباكر في شأن القيان والساقيات، فلابد أن تكون إحداهن حسنة القد مُشكلة أي تامة الشكل، تعب العيار الذي أعيا الناس حيلة ودهاء ومكراً، أما الكشخ بلغة هذا العصر القديم فهو نوع من القوادة في الجمع بين الرجال والنساء لريبة، والتجميش هو ملاعبة المرأة والتحرش بها باللفظ أو اللمس. على أن اللافت هو تفطن أبي نواس لتربية القيان والمغنيات في بيوت محترفة، وجمع النابهات منهن بين الخبرة العلمية والوعي بالكتب والمعرفة، إلى جانب فورة الشباب عندما يغلي بهن ماؤه، فيبلغن أعلى درجة من تمام الحواس ويقظة الأعصاب، حتى لتؤثر فيهن الألفاظ الخفية بمثل ما تهزهن المداعبة الحسية، وتتكشف طبيعتهن الأنثوية المتراوحة بين الصدق والكذب أو بين الرغبة والحياء، فتكتمل أدواتهن في الصنعة ويتفوقن على نظائرهن من العرب والعجم معاً. ونلاحظ أن أبا نواس لا يقصر هذه المهنة على الجواري العجميات باعتبار أمه فارسية، بل ربما كانت القافية هي التي جعلته يشرك العربيات أيضاً، وإن كان ذلك في مقام وصف الاكتمال وتمام الصفات الإنسانية المحمودة في مثلهن.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©