الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إدوارد سعيد.. الوعي المحلِّق

إدوارد سعيد.. الوعي المحلِّق
9 يونيو 2010 20:36
منذ رحيله عن عالمنا في عام 2003 والدراسات حوله تتزايد. ويرصد البعض صدور ستة كتب في السنة حول إدوارد سعيد فضلاً عن عشرات المقالات، وهذه الكتب والمقالات هي على الأغلب بغير العربية وخارج العالم العربي لكن الرجل يحظى باهتمام واسع في المجال الأكاديمي العربي، وهناك ثلاث رسائل جامعية عن إدوارد سعيد في الجامعات المصرية الآن، علاوة على دراسات حوله خارج الحقل الأكاديمي من أهمها تلك التي صدرت في القاهرة مؤخراً وأعدها الباحث المغاربي يحيى بن الوليد بعنوان “الوعي المحلق.. إدوارد سعيد وحال العرب”. ويرى سعيد أن العقلية الاستعمارية لا تزال قائمة بدليل ما جرى وما زال يجري في فلسطين وعلى أرضها، فضلاً عن أن الدول الاستعمارية لم تعتبر الاستعمار خطأ ولم تعتذر عنه. صحيح أن إيطاليا عبر رئيس وزرائها بيرلسكوني اعتذرت لليبيا عن احتلالها لها عام 1911 لكن هذا الاعتذار مشكوك في أهدافه ودوافعه ويذهب كثيرون إلى أن الاعتذار كان بهدف الفوز بصفقة كبيرة من الأعمال داخل ليبيا، أي أن الاعتذار كان وفق العقلية الاستعمارية وحرصاً على استمرارها وبقائها. ويتساءل يحيى بن الوليد: “هل هو اعتذار عن فظاعات سنوات الاستعمار أم نفاق إمبريالي جديد؟”. المؤرخون الجدد جهد إدوارد سعيد وصل إلى إسرائيل ذاتها، وأثر فيها من خلال ظاهرة المؤرخين الجدد، ويقول الكاتب: “لقد كان هناك ومن الدارسين اليهود من أصر وإلى الرمق الأخير من حياته، على النظر إلى إسرائيل باعتبارها ظاهرة استعمارية، كما فعل مشليم رودنسون غير أن محاولات هؤلاء وأغلبهم عاشوا خارج إسرائيل ظلت فردية، مقارنة مع دراسات المؤرخين الجدد التي ارتفعت إلى مصاف الظاهرة أو التيار”. وقد علق إدوارد سعيد نفسه في مقال له أعاد نشره في كتابه “نهاية عملية السلام” على ظاهرة المؤرخين الجدد في إسرائيل بالقول: “إن ميزة أعمال المؤرخين الجدد الإسرائيليين أنها تعكس التغير الأعمق الذي تشهده إسرائيل، وأنها على الأقل تدفع التناقض الصهيوني إلى حدود لم تكن بادية لغالبية الإسرائيليين، بل للكثيرين من العرب أيضاً وهم على الرغم من كونهم يمثلون أقلية صغيرة فإنهم ظاهرة مهمة”. لم يعرف إدوارد سعيد العالم العربي ثقافياً ومعرفياً، وحين كتب في النقد كان يكتب في النقد الأوروبي، منهجاً وموضوعاً وقد بدأ يتعرف إلى العرب وقضاياهم في سنوات السبعينات من القرن الماضي، فقد تلقى منحة في العام الدراسي 1972 - 1973 للتدريس بالجامعة الأميركية في بيروت، وأخذ من يومها يكتب عن العرب وتناول من الروائيين الطيب صالح ونجيب محفوظ وغسان كنفاني ومن الشعراء محمود درويش، وتعرف إلى الواقع العربي، ثقافياً ومعرفياً.. وكان يهتم من بين الكتاب العرب بمن يقوم في أعماله بنقد المركزية الأوروبية، ونشر مقالاً في مجلة “مواقف” عدد مارس 1972 وكان يصدرها أدونيس من بيروت، كما نشر في التوقيت نفسه مقالاً حول “اليسار الأميركي والقضية الفلسطينية” في مجلة “شؤون فلسطينية” وبدأه بعبارة لافتة تستحق أن تكتب اليوم في صيف 2010. قال:”ما من عربي اليوم لا تثيره فوضى الأمور في البلدان العربية، فالأخبار اليومية العادية تبعث هزات من المفاجآت تتبعها سلسلة كاملة من التحليلات البلاغية والعلاقات، ثم تمحو ذلك كله مفاجآت اليوم التالي”، ثم يقول: “يعتقد معظم العرب أنهم يمثلون كجماعة نوعاً من الموقف المتماسك إزاء العالم ومع ذلك فإن مثل هذا الاعتقاد بهوية عربية متكاملة واحدة ليس أكثر من مسألة سطحية لا تخدع أحداً، وليس أفضل منه الرأي القائل إن الهوية اللبنانية أو المصرية أو العراقية أكثر تماسكاً من الهوية العربية. وسواء نظرنا إلى السلالة من الخارج أو من الداخل فإننا نجدها لا تعني شيئاً كثيرا لا على الصعيد الإقليمي ولا على الصعيد القومي”. الطريق إلى “الاستشراق” ويرى عدد من الدارسين أن هذا المقال هو البداية الفعلية لمشروع إدوارد سعيد في إعداد كتابه الأبرز “الاستشراق” ومن ثم اهتمامه بالقضايا العربية وانخراطه تحديداً في القضية الفلسطينية، وهناك رأي آخر يعبر عنه الناقد المصري صبري حافظ في دراسة له بالإنجليزية ذهب فيها إلى أن هزيمة 1967 هي التي حركت إدوارد سعيد نحو القضايا العربية، وكان سعيد قد نشر مقالاً عام 1966 عن العرب في مجلة أميركية قال هو عن ظروف كتابته ونشره “كان ذلك أول نص سياسي أكتبه، ولكن الأهواء السياسية كانت هامدة والآراء الصهيونية مكتومة آنذاك إلى درجة تمكنت من نشر مقالي بسهولة كبيرة ومع ذلك كنت مدركاً لتوترات الحرب الباردة والأنماط الإشكالية في العالم العربي”. ولم تتوقف كتابات سعيد عن العرب وعلاقتهم بأميركا وعن الصهيونية وما تقوم به، وكان يفعل ذلك بجرأة بالغة، وسمع الغرب بهذه القضايا وأخذ عليه بعض منتقديه العرب أنه من “فلسطيني الخارج” يعيش في المنفى، ويسكن مانهاتن ويرتدي أحدث البدلات ويختارها من أفضل المحال. ويقول محمود درويش عنه حين وفاته: “كان يختار بدلته بأناقة” لكن هذا كله لم يمنعه ولم يبعده عن دائرة الالتزام بالقضية الوطنية الكبرى وهي قضية فلسطين. كان يمكن لإدوارد سعيد أن يهتم - كما لاحظت الناقدة فريال غزولي - ببعض القضايا المحببة في أميركا مثل: وضع الأقليات في المنطقة أو قضايا المرأة والختان وتعدد الزوجات، أو قضايا تداول السلطة والانتخابات في البلدان العربية، لكنه وبجسارة خاصة اختار أن يكون مجاله العام انتقاد إسرائيل الصهيونية وما تقوم به تجاه فلسطين والفلسطينيين. وحين شن المحافظون الجدد بعد 11 سبتمبر 2001 هجوماً ضارياً على الإسلام وربطوه بالإرهاب، تصدى لهم سعيد وقد يكون من السهل علينا هنا انتقاد إسرائيل، لكن هناك في الولايات المتحدة، حيث اللوبي اليهودي الأقوى والأخطر يختلف الأمر كثيراً. اختلف سعيد مع الأميركيين واعتبره الصهاينة عدواً لهم، لكنه اصطدم أيضاً مع بعض العرب وفريق من الفلسطينيين هو فريق “اوسلو” تحديداً، واستقال منذ العام 1991 من المجلس الوطني الفلسطيني، وقاطع الزعيم ياسر عرفات في سنواته الأخيرة، وندد بما وقعه مع الإسرائيليين، واعتبر أن ما يحدث ليس سلاماً، وأثبتت السنوات صحة ما ذهب إليه، والطريف أنه حين انتقد السلطة الوطنية الفلسطينية رد عليه بعضهم مطالباً إياه بأن يقصر دوره على “النقد الأدبي” ويتجنب السياسة لأنها ليست ميدانه، وكان هناك من ينتقدون أفكاره، ومع ذلك لم يكن يقلق من كل هذا: “أنا لست مهتماً بإيجاد اتباع، لا أريد أن يصبح الناس مثلي، أنا مهتم بأناس يختلفون عني، لست معنياً بتقليد الناس كليشهات وطرائق منهجية يستطيعون استخدامها فيما بعد”. وفي النهاية فإن إدوارد سعيد يمثل الدور الذي لعبه إشعاعياً جان بول سارتر في السبعينات مع اختلاف الظروف والدوافع فهو دور المثقف الملتزم والمهموم بقضايا عصره وقضايا وطنه.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©