الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أزمة الكتاب.. من أزمة الأمة

أزمة الكتاب.. من أزمة الأمة
21 أكتوبر 2009 21:23
بدا الكتاب في مؤتمر مؤسسة الفكر العربي، الذي انعقد في بيروت، وكأنه الكنز المفقود.. الكل يسعى للبحث عنه لكي يرده إلى أصحابه الأصليين، أو لمن يحتاجونه. المؤتمر، الذي اتخذ لنفسه شعار: “كتاب يصدر.. أمة تتقدم”، غاص في أزمة الكتابة والقراءة والنشر في العالم العربي، وآثارها السلبية الثقافية والتنموية والحضارية، انطلاقا من الشعار نفسه. فقد وجد أحدهم أن الأولوية ينبغي أن تكون معكوسة، أي “أمة تتقدم.. كتاب يصدر”، فنهضة الأمة كفيلة بنهضة الكتاب، لكن الناقد السعودي الدكتور عبدالله الغذامي، كان له رأي آخر، إذ: لماذا تنحصر نهضة الأمة بالكتاب فقط؟ فهل لا تتقدم الأمة باللوحة، والموسيقى، والمسرح وغيرها؟ فاسترسل غيره: وهل لا تحتاج الأمة لكي تتقدم إلى نهضة السباكة، والنجارة، والإعلام، وصناعة الفضاء؟مثل هذه النقاشات سيطرت على جلسات المؤتمر، التي بلغت ثماني في يومين، وخلت من ورقة واحدة مسبقة الإعداد. فقد تولى نجوم تلفزيونيون إدارة الحوارات بين متحاورين (تراوح عددهم بين أربعة وثمانية أشخاص بحسب موضوع الجلسة) على طريقة إدارتهم لبرامجهم الفضائية مع ضيوفهم المفضلين. حملت الجلسة الأولى عنوان “التأليف والمشروع النهضوي” فاستعرض فيها الدكتور مصطفى الفقي، ما أسماه، أهم الكتب المحورية التي صدرت في العالم العربي. فرأى أن رفاعة الطهطاوي أقام جسر التلاقي بين الدولة في الشرق العربي وحالة الانبهار التي مثلتها المدنية الأوروبية. وتلاه الشيخ علي عبد الرازق في كتابه “الإسلام وأصول الحكم”، ثم كان كتاب “النبي” لجبران خليل جبران الذي أصبح الأعلى مبيعا في القرن العشرين. وفي رأي الفقي، فإن المؤلف والسلطة، يتشاركان في مسألة تحديد اتجاهات النشر. ففي ظل الحكم الناصري، تميزت الإصدارات بطابع عربي نهضوي، بينما يغلب عليها الآن التوجهات الإسلامية. ويحمّل الفقي الصحافة الحديثة مسؤولية سلب الكتاب جزءا من دوره، باعتبار أنها باتت البديل السهل لكثير من الإصدارات. معايير وطنية لكن الكاتب السعودي جمال خاشقجي، فرّع أزمة الكتاب والنشر، بناء على معايير وطنية، “فلدينا في السعودية مشروعنا النهضوي الذي يخصنا”، وهذا الأمر يدعو إلى إيجاد جهاز لتوجيه عملية التأليف والنشر. وقد ألح خاشقجي على دور الدولة في توجيه ودفع حركة النشر على الصعيد الوطني، وعلى دور جامعة الدول العربية على الصعيد القومي العربي. لكن الدكتور عبدالإله بلقزيز، من المغرب، يعتبر أن النهضة العربية كلية، وهي لم تبارح الوعي العربي. وفي رأيه أنه لا نهضة بلا مشروع ثقافي يؤسسها، وقد بدأ مثل هذا المشروع منذ انشاء “بيت الحكمة”. ويجزم بأن مشروعات النهضة التي شهدتها المجتمعات الأخرى بدأت منذ لحظة سقوطها. ثم إن كل الأهداف التي طرحت منذ القرن التاسع عشر ما زالت حتى اليوم على جدول أعمال الفكر العربي، وهذا لا ينبغي أن يؤدي إلى مقايضة بين هدف وآخر. وهو ما يؤيده الدكتور مسعود ضاهر، من لبنان، الذي رصد أن المرحلة التاريخية الحالية أفضل من القرن العشرين، وهي تحفل بكبار المبدعين والمفكرين. لكن تحقق النهضة يكون بتحقق شروطها، وهي مناخ الحرية والديمقراطية والإرادة السياسية. فكل من الصين والهند واليابان، عندما حققت نهضتها، لم تكن في حال أفض من الحال العربي الحالي. إننا أما مكونات حقيقية لمشروع نهضوي عربي ـ يقول ضاهر ـ لكننا نحتاج إلى قوى تقوم بأعباء هذا المشروع. وإذا لم يكن المشروع النهضوي هو البديل، فما هو البديل إذن؟ وفي رأيه، إن البيروقراطية لا تنتج ثقافة، ولذلك فإن الدولة غير مؤهلة لقيادة مشروع نهضوي، لكن المؤسسات الأهلية والمبادرات الفردية، هي الأكثر ملاءمة لهذا المشروع. في الجلسة التي حملت عنوان “حركة التأليف: قضايا وإشكاليات” طرح الدكتور علي أومليل سؤالا إشكاليا يقول: ماذا تعني غزارة الكتابة في الموضوعات الإسلامية؟ ويجيب: هذه الغزارة تعبر عن قاعدة واسعة من القراء، وهي حاجة مشروعة، لكن ينبغي عدم الخلط بين كتاب موضوعه الوعظ والإرشاد، ولا يقدم كثيرا في البحث العلمي، وكتاب آخر يشكل إضافة فقهية وعلمية. وفي رأيه أن نظام التعليم المعتمد في الدول العربية أوجد أعدادا كبيرة من أنصاف المتعلمين، وأنصاف المثقفين، الذين يجدون في الكتب الدعائية أشواقهم. فالجامعات العربية تنتج معرفة محلية تكرر نفسها. ويؤيد هذه الفكرة الدكتور محمد مبيضين من الأردن، الذي يجد أن الأساس في تكريس مؤلفات البلاغة والدين هو طريقة التلقين في المدارس والجامعات. وهذا يستلزم العناية بتكوين الإنسان القارئ منذ ولادته، كما يقول الدكتور عبد التواب يوسف، ملاحظا أنه لا توجد في العالم العربي هيئة واحدة تعد ببلوغرافيا بما يصدر للأطفال من كتب. ويحسم المسألة الدكتور محمد محسن النجار، بأن المشكلة تتمثل في قضية الهوية، ففي حالة الهبوط الحضاري، يتم البحث عن وعاء يستطيع أن يحتوي توجها الناس، وفي الحالة العربية فرن الخيار الديني هو الأقرب. تجارب ناجحة في جلسته الثالثة، أضاء المؤتمر على تجارب عربية ناجحة في مجال النشر، فتولى الشاعر العراقي شوقي عبد الأمير الحديث عن مشروع “كتاب في جريدة” الذي أطلقته منظمة اليونيسكو. وقال إن هذه التجربة نجحت في إيصال كتاب مجاني عبر 22 جريدة ومجلة منتشرة في العالم العربي، في صيغة مغرية للقراءة، لكن لم يتعود على قراءة كتاب، وأعادت الاعتبار للفن التشكيلي، وأنه تم منذ 15 سنة توزيع أكثر من مليوني نسخة لـ 136 كتابا مختارا. وتولى الدكتور وحيد عبد المجيد التعريف بمكتبة الأسرة في مصر، التابعة لمشروع القراءة للجميع. وتوقف عند السؤال الأساس: هل الثقافة سلعة يدفع ثمنها من يستطيع، أم أنها خدمة ينبغي على الدولة تقديمها للجميع؟ وقال إنه بدأ التفكير في المشروع في نهاية الثمانينات، وانطلق إلى التركيز على المكتبات العامة ومكتبات المدارس والمكتبات المتنقلة. أما الدكتور صباح ياسين، فقد عرض لتجربة مركز دراسات الوحدة العربية، وقال إن المركز ليس دارا للنشر وإنما هو صانع للأفكار ومشجع للباحثين. وشرح آلية عمل المركز، لناحية إقرار موضوعات الكتب التي سوف يصدرها، سواء عبر الموافقة على اقتراحات المؤلفين، أو تكليف الباحثين بإعداد كتاب معين، أو جمع دراسات مؤتمر ينظمه المركز. وتطرقت الجلسة الرابعة إلى أكثر الموضوعات إشكالية في تقنيات النشر، عبر سؤالها/ العنوان: هل يحصل المؤلف العربي على حقوقه؟ ويجيب عن هذا السؤال محمد سلماوي رئيس اتحاد الكتاب المصريين، بأن هناك نقصا في المعلومات لدى المبدعين العرب حول حقوقهم. فبعض أكبر الكتّاب في مصر لم يعرفوا باتفاقية حقوق الملكية الفكرية. حتى أن نجيب محفوظ لم يسلم من الاعتداء على حقوقه. وذكر حادثة وقعت بين الروائي باولو كويللو والروائي المصري بهاء طاهر، الذي ترجم ونشر أحد أعمال كويللو، لكن مدير أعمال الأخير اكتشف أن كويللو لم يحصل على حقوقه من الترجمة والنشر، بسب إخفاء الناشر الأجنبي الذي اشترى منه طاهر الحقوق الأمر عن كويللو. وقالت الروائية اللبنانية علوية صبح، أنه ليس هناك أية ضمانات مادية أو قانونية للمؤلف، وأنه لا يوجد كاتب عربي يستطيع أن يعيش حياة كريمة من ريع كتبه. ويرجع محمد عبد اللطيف طلعت، رئيس اتحاد الناشرين العرب، المشكلة إلى أن كثيرا من الناشرين والمؤلفين ليس لديهم ثقافة العقود. وشرحت الأستاذة الجامعية، الدكتور حفيظة الحداد مصطلح الحماية القومية للملكية الفكرية، ودعا محمد طلعت زايد أمين عام الاتحاد العربي لحماية الملكية الفكرية (تابع لجامعة الدول العربية) إلى إيجاد كيان قوي يتولى حماية حقوق الملكية الفكرية، ويكون تابعا لمجلس الوحدة الاقتصادية العربية. أرقام وأخطاء وتناولت الجلسة التي حملت عنوان “النشر، بين تحديات الماضي.. وآفاق الحاضر”، مسألتي المخطوطات والنشر الإلكتروني. المسألة الأولى، اضطربت في بداياتها بحديث الأرقام. ففيما تحدث الدكتور عبدالله العثيمين من المملكة العربية السعودية، عن ضياع ما بين 3 إلى 4 ملايين مخطوط عربي في العالم، نفى الدكتور محمد صابر عرب هذا الرقم، وأيده قي ذلك الدكتور يوسف زيدان، رئيس قسم المخطوطات بمكتبة الإسكندرية، لأن الإنتاج الفكري العربي لم يصل في تاريخه إلى عشر هذا الرقم. فالإحصاءات تشير إلى وجود ربع مليون كتاب عربي، والمنتشر في الخارج هو مليون نسخة أغلبها مكررات. ودعا زيدان إلى وقف ما أسماه النحيب الثقافي العربي، الذي ينطلق غالبا بلا مبرر. وأوضح الدكتور عرب أن صفة المخطوط تطلق على كل ما خط قبل عصر الطباعة في منتصف القرن التاسع عشر. ومن الأرقام اللافتة، في مسألة النشر الإلكتروني، ما ذكره الدكتور نبيل علي من أن إسرائيل تنتج يوميا، 3500 مصطلح، يجري استخدامها في عالم النشر، في مقابل حصيلة عربية تشبه الصفر. بينت كل النقاشات في الجلسات السابقة حقيقة أزمة النشر في العالم العربي، فهي أزمة مثلثة الأبعاد، تتراوح محاورها بين المؤلف والناشر والقارئ، فضلا عن أطراف دخيلة أو متداخلة، مثل انكفاء الدول أو مبالغتها في دورها، من خلال أجهزة الرقابة قوانين الحد والمنع، فهل يمكن تجاوز هذه الأزمة؟ افترض المنظمون سلفا، طبيعة الحل وهو قيام سوق عربية مشتركة للكتاب، بحسب العنوان الذي حملته الجلسة السادسة. وهذا الزمر يحتاج إلى توسيع العلاقة بين منتج المعرفة ومستهلكها، على حد تعبير شوقي عبد الأمير، الذي رفض مقولة “إننا أمة ترفض القراءة”، داعيا إلى عمل تشريع قانوني عربي لتسويق الكتب. وأضاف: لدينا أكثر من 20 معرضا عربيا للكتب، وهي بذاتها تشكل سوقا عربيا للكتاب، إذا ما تم تنظيمها بتشريع مناسب. ويلح الناشر اللبناني بشار شبارو على أن الأزمة، هي أزمة توزيع، إذ لا توجد شركة عربية واحدة لتوزيع الكتب، بل هناك شركات لتوزيع الصحف والمجلات. وفي رأيه أن المعارض هي للعلاقات وشراء الحقوق، وليس للبيع بالدرجة الأولى، داعيا إلى تطوير مهنة موزع الكتب، وأن تتعاون مؤسسات كبرى لإنشاء شركة عربية تعنى بالتوزيع. ودعا الدكتور سليمان بختي الهيئات الرقابية لكي تنظر إلى الكتاب نظرة ثقافية، خصوصا عندما نعرف أن أكثر الكتب مبيعا هي الكتب الممنوعة. لكن هل القراءة هي أزمة قارئ أم أزمة كتاب؟ هذا السؤال الذي طرحته الجلسة السابعة أجاب عنه الدكتور صقر أبو فخر سكرتير تحرير مجلة “دراسات فلسطينية” بالعودة إلى البداية، إذ أن أزمة القراءة هي أزمة مركبة. فنحن نقرأ ما يكتب. فالمشكلة هي في الإبداع العربي، إذ ارتبطت الكتابة في القرن العشرين بظهور التيارات الفكرية. والآن هناك انحسار للتيارات النهضوية، ما أدى إلى انحسار الابداع الفكري. فالجدل بين الشيوعيين والقوميين أدى إلى ظهور الكثير من الكتابات، وشدّ الكثيرون من الطبقة الوسطى إلى القراءة. وظهور الطبقة الوسطى يؤدي في العدة إلى ظهور الكتابة والقراءة. ويضيف: هناك انقلاب فظيع في مستوى وموضوعات التفكير في العالم العربي. ففي بداية القرن العشرين كان هناك 3 جامعات لخمسين مليون عربي، يطبع لهم من كل كتاب ثلاثة آلاف نسخة. أما اليوم فيوجد 395 جامعة ل 300 مليون عربي، وما زال يطبع لهم من كل كتاب ثلاثة آلاف نسخة. لكن الدكتور عبدالله الغذامي أراد أن يقارب المسألة من منهجي، إذ أن الكتاب ليس محور الكون. فمصادر الثقافة عند الناس هي إلى القراءة، السمع والإبصار. فامرؤ القيس، أهم شاعر عربي، كان أميا، فهل لم يكن مثقفا. والمعري وطه حسين، لم يكونا يقرآن، بسبب العمى، فهل لم يكونا مثقفين؟ وفي رأي الغذامي أن الثقافة الخطية لم تقض على ثقافة المشافهة، مشيرا إلى أرستقراطية ثقافية يمارسها المثقفون، تدين حاجات الإنسان التي توفرها المصادر الأخرى غير الكتاب، منبها إلى أن المتعة ليست نقيصة. وقال: أنا شخصيا، لو صدر كتاب يحمل مذكرات نانسي عجرم مثلا، فإني سوف أكون أول من يشتريه.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©