الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فريدريك ميتران.. مراهق يأتي إلى مجلس الوزراء على دراجة

فريدريك ميتران.. مراهق يأتي إلى مجلس الوزراء على دراجة
21 أكتوبر 2009 21:15
إذا كان اهتمام النّاس في بلدان عربيّة أو غربيّة كثيرة يتّجه عند أيّ تعديل حكومي نحو أسماء الوزراء الجدد المكلفين بحقائب الداخليّة أو الخارجيّة أو الدفاع، فإنّ في فرنسا ـ وفي فرنسا وحدها ـ فإنّ الاهتمام يتّجه دائما إلى وزير الثّقافة، فالجنرال ديغول مؤسّس الجمهوريّة الخامسة اختار الكاتب والأديب الشهير أندريه مالرو وزيرا للثقافة، وفرانسوا ميتران اختار جاك لانغ وهو صاحب مشروع ثقافي مميز، وفي المدة الاخيرة اختار نيكولا ساركوزي فريدريك ميتران وزيرا جديدا للثّقافة، وأسالت هذه التّسمية حبرا كثيرا لأنّه اختيار له دلالات سياسية، وغايات ثقافية، وخلفيّات شخصيّة. فريدريك ميتران الذي اختاره الرئيس الفرنسي وزيرا جديدا للثقافة هو ابن أخ الرئيس الرّاحل فرانسوا ميتران، والوزير رغم انّه بلغ الثّانية والسّتين من عمره، فإنّ الإعلام الفرنسيّ يصفه: “بالمراهق الأبديّ”، فهو رجل يكسّر ـ بسلوكه الشخصي وأفكاره ـ كلّ التابوهات، وهو أيضا موسوعيّ له في كلّ فنّ طرف، فهو خرّيج علوم سياسية، وهو منتج تلفزيونيّ، وصحفي، وسبق له أن أعدّ سلسلة من البرامج الوثائقيّة عن أشهر نجوم السينما العالميين الّذين عرفوا مصيرا مأساويّا وعصف بهم الدّهر، كما أعد سلسلة من البرامج عن الأمراء والملوك من بينهم الملك فاروق والأمير التونسي المنصف باي، وهو معجب بسيرة وقصّة الملك الأردني الرّاحل حسين وشجاعته وقد خصّص له شريطا وثائقيّا كتب هو نصّه، كما أعد للقناة الثانية الفرنسية برامج ثقافية خصص البعض منها للتعريف بالفنون العربية، وأنجز سلسلة عن عادات المسلمين في شهر رمضان، كما أخرج شريطاً سينمائياً Madame Butterfly صوّر بعض مشاهده بتونس. يقول عنه من يعرفونه عن قرب أنّه مرهف الإحساس، كريم، يتمتّع بدقّة الملاحظة ويحفظ السرّ، ووفيّ لأصدقائه. له ثقافة عميقة، ويتمتّع بالظّرف ولطف المعشر ويجيد تطريز أحاديثه باستشهادات أدبيّة منتقاة بدقّة تنمّ عن ذكاء وعمق وذوق أدبيّ رفيع، وهو يحبّ العمل من دون كلل أو ضجر، ويميل إلى المثاليّة. حياة سيئة ألّف عديد الكتب من بينها كتاب عن سيرته الذاتية عنوانه: La Mauvaise vie أي “حياة سيّئة” كشف فيه عن أسرار حياته الشّخصيّة بكلّ صدق وشفافيّة، فقد عاش عيشة بورجوازيّة في عائلة ميسورة، وكانت مربيّته شديدة معه، تضربه بعنف، وهو طفل، وكأنّها تنتقم ـ من خلال عنفها المسلّط عليه ـ من وضعها الاجتماعي التعيس مقارنة بالأسرة الّتي تعمل لديها، ولمّا تفطّنت أمّه إلى سوء معاملة طفلها، وكان في التّاسعة من عمره، قرّرت طرد المربيّة الخادمة ولكنّ الطّفل وقف إلى جانب المربيّة ونفى تعنيفها له. وأخذاً بخاطر ابنها قرّرت الأمّ عدم فصل المربيّة عن عملها لديها. وفريدريك ميتران تألم وهو طفل لطلاق والديه وقد عاش مع أمه منفصلا عن بقية اخوانه الذين فضلوا البقاء مع أبيه. رجل مختلف واليوم فان فريدريك ميتران يجلس على نفس الكرسي الذي جلس عليه أندريه مالرو الأديب الوزير في عهد الجنرال ديغول، وجاك لانغ وزير الثّقافة في فترة حكم فرانسوا ميتران والّذي ترك بصمته بتصديه للسينما الأميركية وإنجازه مشاريع ثقافية ضخمة، ولكن خلافا للوزراء السّابقين فإن الوزير الجديد ليس محترفا سياسيّا، ويتكهّن الجميع بأنّه سيكون وزيرا مختلفا، ولن يفعل شيئا مثل الآخرين، لأنّ تركيبته الشّخصيّة ومواقفه وسيرته تجعل منه رجلا مختلفا، وهو ما سينعكس حتما على طريقة تسييره للوزارة. ولعلّ أولى مظاهر الاختلاف برزت منذ تسميته، ففي أوّل يوم لتولّيه الوزارة وصل راكبا درّاجة ناريّة، تاركاً جانباً السيّارة الرسميّة الّتي وضعتها الحكومة تحت تصرفه. وبذلك أدخل إرباكا على البروتوكول، وكان سعيدا بذلك كطفل، وعلى نفس الدراجة من نوع “سكوتر” ذهب إلى قصر “الإليزيه” لحضور أول اجتماع لمجلس الوزراء بعد التعديل الحكومي. والثابت أن الوزير ميتران غير تقليدي في سلوكه وهذا التّصرّف رفعه ـ في أوّل عمليّة لسبر الآراء ـ إلى المرتبة الأولى لدى الفرنسيّين الّذين أجمعوا أن انضمامه إلى الحكومة الفرنسيّة هو “أمر جيّد”، ولكن الإشكال هو وجود إجماع على القول: إنّ شخصيّة وزير الثّقافة الفرنسي الجديد هي نقيض شخصيّة الرّئيس نيكولا ساركوزي، والسؤال المطروح في الدوائر السياسية والإعلامية هو: هل سينسجمان؟ مع العرب والمؤكد أن الوزير الجديد رجل طيب ووديع، ولكنّه عندما يغضب فإنّه لا يلوك كلامه، فحين تمّ فصله عن عمله في قناة 1TF التلفزيونية الخاصة عام 1988 فإنّه وصف صاحب القناة ومن معه والّذين سعوا إلى طرده أنّهم: “عنصريون لا يحبّون السّود والعرب”، بل أنّه شبّههم بالنّازيين، ولكنّه اليوم قد بلغ 61 عاما أصبح بلا شكّ أكثر نضجا. وتقول بعض المصادر الفرنسية المطلعة إنّ تسمية فريدريك ميتران وزيرا للثقافة تمّت بإيعاز وتوصية من زوجة الرّئيس كارلا بروني، فهي تعرف ميتران وتربط بينهما صداقة، والرّئيس سبق أن قال: “لن أتردّد في اختيار وزير أراه كفئا بحجّة أنّه قريب من زوجتي”. والطّريف أنّ فريدريك ميتران تعرّف على كارلا منذ سنوات خلال حفلة باريسيّة وقدّمته لها فريدة خلفة Farida Kalfa عارضة الأزياء السّابقة ذات الأصول العربية. والوزير الجديد له شبكة واسعة من الصداقات مع وجوه عربية كثيرة، وهو متشبع بالثقافة العربية ومطلع على الكثير من وجوهها وملم بالأدب العربي والسينما والغناء العربي أيضا، ومعروف عنه أنه مغرم بأم كلثوم وفيروز، وكان أقام مدة طويلة بتونس التي كان كثير التردد عليها وله بيت على ملكه في مدينة “الحمامات” السياحية الجميلة. “الحياة السيئة”.. تسبب فضيحة لصاحبها واجه الوزير فريدريك ميتيران، خلال الأسابيع الماضية، عاصفة أخلاقية بسبب اعترافات وردت في كتاب أصدره قبل أربع سنوات.. فعلى الرغم من الكفاءة الثقافية العالية التي يتمتع بها الوزير، فإن هذه الكفاءة لم تؤمن سترا على ميوله المثلية، علما بأنه لم يكن يخفي تلك الميول. ففي سيرته التي نشرها عام 2005 في باريس بعنوان “الحياة السيئة”، يعترف الوزير بأنه تردد على مثليين صغار في السن إبان رحلة له إلى تايلاند. وإذا لم تكن المثلية تهمة يعاقب عليها القانون في فرنسا، فإن ثمة مادة تمنع ما يسمى بـ”السياحة الجنسية” خصوصا إلى بلدان شرق آسيا التي يمارس البغاء فيها فتيات وفتيان من القاصرين. وما كان لذلك الاعتراف أن يلفت النظر لولا حملة التشهير التي أعلنتها، مارين لوبين، نائبة رئيس حزب “الجبهة الوطنية” اليميني المتطرف، وسلطت فيها الضوء على المقاطع التي تدين الوزير، وطالبت بخروجه من الحكومة. ويواجه ميتيران مشكلة مع معسكر اليسار الذي كان ينتمي إليه، إذ لم يغفر له قبوله منصبا وزاريا في حكومة لليمين. وكانت وزيرة الدولة لشؤون المدينة، فضيلة عمارة، أكثر المتدخلين صراحة حين سئلت، عن رأيها في القضية، فردّت بأن الوزير “يدفع ثمن اسمه وثمن استيزاره الذي لم يرق لأهل اليسار”. وفي حين دافع عن ميتيران كل من وزير الداخلية بريس هورتفو والمستشار الخاص للرئيس نيكولا ساركوزي هنري غينو، أعلنت إحدى نقابات الشرطة الرئيسية نيتها مطالبة المدعي العام في باريس بفتح تحقيق ضد ميتيران بتهمة خرق المادة 225 من قانون العقوبات، أي المادة التي تردع البغاء في أوساط القاصرين. من جهته، رد الوزير على اتهامات مارين لوبين بتصريح مقتضب أدلى به عقب مغادرته اجتماع مجلس الوزراء، قال فيه “إنه لشرف لي أن يقوم حزب الجبهة الوطنية بتمريغ سمعتي في الوحل”. ويتركز السؤال الجوهري، حول أعمار بائعي الهوى الذين قصدهم الوزير، وهل هم من البالغين أم القصر. ففي كتابه لا يوضح ميتيران هذه النقطة بشكل حاسم، بل يكتفي بوصفهم بأنهم كانوا من “اليافعين” و”الأولاد” و”الصغار”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©