الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تسجيل نادر يظهر فكر الشيخ زايد

تسجيل نادر يظهر فكر الشيخ زايد
21 أكتوبر 2009 21:14
خليل عيلبوني بمسيرة النهضة الصناعية أعتقد أن ما سجلته من ذكريات في الحلقة الماضية عن مصنع إسمنت العين كان غيضاً من فيض، وأنني بحاجة حتى أهدئ ثورة الذكرى أن أعود للموضوع مرة أخرى لتناول بعض الجوانب الأخرى التي لم تتسع الصفحة الماضية لها. لقد كان القائد زايد رحمه الله يدرك أهمية الصناعة للدولة ودورها الكبير في تطوير اقتصاد الإمارات القائم على بيع النفط الخام وصرف عائداته. فالبترول مادة ناضبة غير متجددة، في يوم ما سينضب وتجف الحقول المنتجة سواء في البر أو البحر. فماذا سيحل بدولة الإمارات عندما تتلاشى ثروة النفط؟ هل يرجع السكان إلى الصحراء من جديد ليعانوا الحرمان ويقاسوا من جفاف الرمال؟ كان ذلك السؤال الرهيب يقض مضجع الشيخ زايد “رحمه الله” ويجعله يصل الليل بالنهار لتقوم في الدولة أعمدة جديدة للاقتصاد، كالصناعة والتجارة والزراعة وغيرها. ولقد شهدت وسمعت وفي عدة مناسبات حوارات ساخنة بين القائد وبين معالي الدكتور مانع العتيبة حول مستقبل الاقتصاد في الدولة. ومما سأظل أذكره إلى الأبد قوله: “علينا أن نستغل وجود عائدات النفط لدينا، فنوفر منها ما يكفي لعمل مشاريع واستثمارات داخلية وخارجية تمكننا من تنويع مصادر الدخل، وزيادة عائدات الدولة فلا تقتصر على عائدات البترول وحدها”. وقد كان صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد في ذلك الزمان الجميل والصعب، يحمل رسالة والده ويقود دفة السفينة ويتجه بها إلى تحقيق أهداف والده وخطته الاستراتيجية. ولقد رأيت ولمست عن كثب كيف أعطى تلك الرسالة وذلك المجال كامل اهتمامه وتركيزه من خلال إشرافه الكامل على شركة بترول أبوظبي الوطنية وقيادته للمجلس الأعلى للبترول، ومختلف النشاطات الاقتصادية الأخرى. قصيدة الإسمنت وأعود إلى مصنع الإسمنت الذي تعرض لهجوم بعض الذين تضررت مصالحهم بإنشائه نظراً لما يشكله المصنع من منافس للأسعار التي كانوا يفرضونها على الإسمنت المستورد من قبلهم. ولكن رغم تلك الأصوات التي كانت تستعين أحياناً بالصحافة لتسريب أخبار عن أن تكلفة إنشاء المصنع العالية غير مبررة، فقد قام المصنع. وقد لا أذيع سراً أو أذيع، لا أدري، عندما أذكر أن معالي الدكتور مانع تصدى لأولئك المهاجمين ونشر قصيدة بعنوان “مصنع الإسمنت والقطط السمان” تحت اسم رمزي في إحدى الصحف المحلية، ورد فيها على ذلك الهجوم المفتعل. المهم أن المصنع قام فعلا، وبدأ إنتاجه في أبريل من عام 1976 ليساهم مساهمة فعالة في النهضة العمرانية التي قامت في دولة الإمارات العربية المتحدة. أشرت في الحلقة الماضية إلى الحديث الذي سجلته للشيخ زايد رحمه الله، وأوردت جزءاً من ذلك الحديث الهام. واليوم أقتطف جزءا آخر يرد فيه رحمه الله على سؤال وجهته إليه يقول: لا شك أن إنشاء مصنع إسمنت العين سيساهم في حل مشكلة أو أزمة السكن في البلاد. وطرح السؤال بهذا الشكل يدل على أن أزمة السكن في الإمارات أزمة قديمة تعود حتى إلى زمن البدايات، والسبب أن الدولة كانت مركز جذب قوي لمختلف شرائح شباب العالم للحضور والعمل في دولة الإمارات العربية المتحدة، وذلك الحضور كان يعني زيادة عدد السكان مما يتطلب زيادة عدد المساكن. أجاب رحمه الله على هذا السؤال بقوله: “حقا، يمكن لمصنع إسمنت العين أن يساهم في حل هذه الأزمة، ولكن في رأيي أن المستقبل يتطلب الكثير من الأشياء والتي هي أكبر من هذا المصنع بكثير. لأن دولة الإمارات حقيقة بحاجة إلى كثير من المشاريع التي تسد النواقص والتي نتمناها ونتمنى أن نجدها أو نقوم بعملها في الوقت الحاضر ولكن الظروف والوقت لا يسمحان بذلك. فهي بحاجة إلى خبرات وبحاجة إلى جهود ومواظبة على العمل، والحمد لله هذه المواظبة موجودة وقد كان أبناء دولة الإمارات قبل ثلاث سنوات تنقصهم الكثير من الخبرة ولكن هذه السنة أصبح الكثير منهم مدركاً ومستوعباً ومكتسباً للخبرة من الأشقاء العرب الذين جاءوا إلى بلدنا بخبرتهم وعلمهم، وكما لدينا ثروة من المال هنا في دولة الإمارات العربية المتحدة لديهم هم أيضا ثروة من الخبرة ومن المال أيضا. والحمد لله التعاون الذي تم مكن أبناء دولة الإمارات من اكتساب الخبرة وإدراكها واستيعابها وإن شاء الله سنقطف ثمار ما أدركوه واستوعبوه وهم الآن على استعداد تام لخدمة وطنهم”. بهذه الكلمات البسيطة وضع رحمه الله أمام المواطنين الذين تابعوا ذلك الاحتفال بوضع حجر الأساس لمصنع إسمنت العين في الإذاعة.. وضع أمامهم فكره المتقدم عن عصره وزمانه. حوارات لا تنسى لا أخفي مدى سعادتي الآن بوجود هذا التسجيل النادر لدي والذي أعتقد أنني الوحيد الذي أملكه، ولكنني مستعد لإهداء نسخة منه لأي جهة رسمية تطلبه. وبمتابعة تفاصيل ذلك التسجيل وجدت أن القائد زايد رحمه الله كان لا يكتفي بالإصغاء، بل يناقش في تفاصيل الأمور فعندما قال المهندس المسؤول عن الصناعة في دائرة البترول والصناعة وهو الدكتور شفيق حافظ من جمهورية مصر العربية في معرض شرحه لكيفية عمل مصنع الإسمنت: إن المنطقة التي تحتوي على المواد التي يحتاجها المصنع وخاصة المواد الجيرية موجودة في جبل حفيت حتى موقع المصنع وعلى عمق مائة متر. سمعت صوت سموه يستوقفه سائلا: “مائة متر فقط؟”. يرد المهندس شفيق حافظ: هذا ما استطاعت آلات الحفر لدينا أن تصل إليه ولكن من المؤكد أنها موجودة على مسافة أعمق ولكننا لم نصل إليها. كذلك سأل، رحمه الله، عن الدخان المتصاعد من المصنع وقد أشرنا إلى ذلك في الحلقة الماضية من هذه المذكرات. سمعته في ذلك التسجيل النادر، يقول وبالحرف الواحد: “ابحثوا عن وسيلة للقضاء على الدخان قبل انتشاره في الجو لأن جميع الأراضي حول هذا المصنع ستكون مناطق سكنية ولا أريد لأحد أن يتأذى بسبب التلوث أو دخان المصنع”. كان لي شرف مواكبة خطوات البناء والتعمير من خلال عملي في إذاعة وتلفزيون أبوظبي وارتباطي الوظيفي بمعالي الدكتور مانع العتيبة منذ كان وزيرا للبترول والثروة المعدنية تم مستشاراً خاصاً لصاحب السمو رئيس الدولة. ولذلك ستكون هذه المذكرات التي أسجلها بمثابة تاريخ من نوع آخر، غير أكاديمي أو تقليدي، لزمن أعتبره شخصياً من أجمل الأزمان لأنه كان بحق زمن البدايات.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©