الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ألمانيا... وملامح الدور العالمي

21 أكتوبر 2009 01:03
لم تكن ألمانيا دولة أوروبية عادية، سواء كانت أفضل أم أسوأ من بقية الدول الأوروبية. ففي أعقاب الحرب العالمية الثانية تطلعت برلين الغربية إلى مستقبل أفضل لها، فجعلت من نفسها محوراً للتكامل الأوروبي والمسؤولية والإجماع الدوليين، فضلا عن ترسيخها للسلام واحترام حقوق الإنسان. لكن وبعد مضي 20 عاماً على سقوط حائط برلين وتوحيد شطري البلاد الغربي والشرقي، بدأ يزداد الشعور وسط الكثير من الألمان بأهمية التراجع عن الدور الكبير الذي ظلت تؤديه بلادهم في الساحتين الدولية والأوروبية. وهذا ما أكده بعض المحللين بقولهم: تتجه رغبة أعداد متزايدة من الألمان نحو "تطبيع" علاقات بلادهم بالعالم وبقية الدول الأوروبية. فهي قد سددت ما عليها من دين للتاريخ، ولم يعد لها أعداء تقليديون مثلما كان عليه الحال في الماضي، ولذلك فهي بحاجة إلى بعض الهدوء والاسترخاء الآن. صحيح أنها سوف تواصل مساعدتها لدول القارة، إلا أنها لا تريد الاستمرار في أداء دور ماكينة الصرف الآلي لأوروبا. وعليه فقد آن لها أن تلتفت إلى مصالحها الوطنية. وضمن هذه الالتفاتة فهي تتطلع شرقاً إلى روسيا. على حد قول إيبرهارد سانسشنايدر -مدير المجلس الألماني للعلاقات الخارجية- "فقد كان سهلا على ألمانيا أن تبذل نفسها لخدمة القارة الأوروبية في أعقاب الحرب. ذلك لأننا لم نكن دولة ذات سيادة.. على عكس حالنا اليوم. وها هي ألمانيا تعود إلى وضعها الطبيعي. فلبلادنا مصالح دولية كبيرة لكننا لسنا دولة عظمى ولا تقع علينا أي مسؤولية لها علاقات بالدول والقوى العظمى". وكان سانسشنايدر قد ألقى خطابه هذا خلال حملة انتخابية سبقت إعادة انتخاب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في السابع والعشرين من سبتمبر المنصرم، مع العلم بخلو تلك الحملة الانتخابية من أي حوار له صلة بعلاقات ألمانيا الخارجية. ويتردد صدى الفكرة نفسها لدى زميله جان تيشيو -وهو عضو كذلك بالمجلس الألماني-: لقد كان دور ألمانيا هو توفير ما تحتاجه أوروبا من مال. ولكن تغير هذا الدور الآن، بعد أن دبت حالة عامة من الفتور من هذا الدور في أوساط النخب الألمانية. فلم تعد هذه النخب على ذلك القدر من الحماس للدور الأوروبي الذي كانت تؤديه بلادنا. ويزداد هذا الشعور على خلفية تنامي تحالف سياسي جديد ليمين الوسط يتألف من حزب "الاتحاد الديمقراطي المسيحي" الذي تتزعمه المستشارة ميركل، والحزب "الديمقراطي الحر"، ولكن لهذا الحزب الأخير قناعات أطلسية قوية، بما فيها إيمانه بدعم الجهود الأميركية المبذولة في أفغانستان. وقد عبر عن هذه القناعات زعيم الحزب "جيدو ويسترفيلو" الذي يرجح توليه لمنصب وزير الخارجية. هذا ولم يتضح بعد ما ستسفر عنه مواقف كل من ميركل والسيد ويسترفيلو، خاصة ما يتعلق بمواجهتهما لنزعة الالتفات إلى المصالح الداخلية المتنامية في أوساط النخب الألمانية، في وقت يزداد فيه القلق العالمي. فعلى سبيل المثال نفى مسؤولون عسكريون ألمان أن تكون بلادهم قد قررت رفع عدد جنودها المرابطين حالياً في أفغانستان من 4500 جندي إلى 7 آلاف. وبينما لا يعتقد الألمان أن أمن بلادهم يبدأ في شبه الجزيرة الهندية، تنظر برلين إلى فشل مهمة الناتو هناك باعتباره يتعارض تعارضاً تاماً مع مصالحها. ويرى الدبلوماسي جون كورنبلم -وهو مسؤول رفيع المستوى بوزارة الخارجية الألمانية- أن الغرب -على جانبي المحيط الأطلسي- بات بحاجة ماسة إلى إطار وحدوي. وتزداد حاجة واشنطن أكثر من أي وقت مضى لقارة أوروبية قوية وحازمة. ولكن المشكلة أن أوروبا قررت لنفسها الخروج من التاريخ. فقادتها يريدون للقارة أن تبقى مستقرة وصالحة للعيش فيها، ولكن دون مشاركة حقيقية في المسؤوليات والواجبات. ومن دون قارة أوروبية قوية وموحدة، سوف تفتقر أميركا دائماً للعمق الاستراتيجي الذي لا غنى لها عنه، في وقت لم تعد فيه الاتجاهات والمسارات واضحة. والحقيقة أن ألمانيا بالكاد قد تراجعت عن دورها في المسرح الدولي. فقد كانت حاضرة للتو في محادثات جنيف التي جرت بمشاركة خمس دول شملت كلا من الولايات المتحدة الأميركية، بريطانيا، فرنسا، الصين، وروسيا، ثم ألمانيا وإيران. ولألمانيا جيوش من المنظمات غير الحكومية. وكما يقول جاند دومنيك جولياني -رئيس منظمة روبرت شومان في باريس- فقد تزايد حضور ألمانيا في مناطق النزاع الأمني الحساسة، إلا إنها تمارس هذا النفوذ بقدر كبير من الهدوء والحذر. والملاحظ الآن أن لألمانيا قوات عسكرية في أفغانستان، وسفنا حربية في سواحل لبنان، وبعض أجزاء من أفريقيا. وعلى رغم أن الألمان لا يرغبون في أن تؤدي بلادهم مثل هذا الدور، إلا إنه دور مهم من وجهة نظر المسؤولين الألمان. يجدر بالذكر أن هذا العام سوف يشهد الذكرى الستين لإعادة تأسيس ألمانيا فيما بعد الحرب. وهي أكبر اقتصاد أوروبي، فضلا عن كبر مساحتها الجغرافية مقارنة بالكثير من دول القارة الأخرى. ويرى عدد من المحللين أن ألمانيا لم تكن في أي فترة من فترات تاريخها دولة أوروبية "عادية"ترضى لنفسها وزناً متواضعاً مثل النمسا أو سويسرا أو رومانيا أو إسبانيا أو البرتغال.. وغيرها من بقية دول القارة الصغيرة. هذا ومن رأي توماس كلاوس -من مجلس العلاقات الخارجية الأوروبية- أن نجاح معاهدة لشبونة يعتمد اعتماداً كبيراً على ألمانيا. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
المصدر: برلين
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©