الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«التراث العالمي».. نفحات من الماضي تنعش ذاكرة الحاضر

«التراث العالمي».. نفحات من الماضي تنعش ذاكرة الحاضر
18 ابريل 2014 11:55
يحتفي العالم أجمع في الثامن عشر من أبريل من كل عام بالموروث الحضاري والتراث الإنساني، بهدف ترسيخ مشهد الماضي عميقاً في نفوس الجيل الجديد عندما نستحضر تلك الصور القديمة حية أمامهم ترسمها أيديهم، فمنذ أن صدرت تلك الاتفاقية التي أقرها المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة في باريس «اليونيسكو» عام 1972. هلا عراقي (الشارقة) دول العالم قاطبة تحتفل بتراثها، بعودتها لتلك الأصول المتجذِّرة بعمق تاريخها، لتبث الحياة من جديد في ذلك الموروث الثقافي القادم إلينا من البعيد محملاً بما خلفه الأجداد، فتحتشد آليات التراث المادية والمعنوية وتستيقظ الذكريات من سباتها العميق لترقى بالتراث وتنصبه عالياً كما كان دوماً. وبما أن كل بلد له عنوانه وصبغته التراثية الخاصة به، ضربت دولة الإمارات مثالاً رائعاً في توثيق هوية شعبها بغية المحافظة على هرم من أهرام حضارتها، فالتراث كان ولا يزال عنوان شموخها ونقطة عبورها للمستقبل المشرق. مواقع تاريخية الإمارات التي هوت التاريخ وغاصت في دقائقه واحتفظت بتفاصيله وحافظت عليه كبصمة وطنية تميزها عن غيرها رغم تطورها ومسابقتها الزمن في حداثتها، فهي تكمل الجسد العربي بثرائها بالمواقع التاريخية العريقة وقد نجحت في تحقيق تميز ثقافي عالمي بإدراج العديد من مواقعها ضمن لائحة التراث العالمي. ولأنَّ التراث جزء لا يتجزأ من مجتمع الإمارات المعاصر ولها معه حكايات يومية وطقوس حياتية باقية ليومنا هذا، حيث بقي التراث ذلك الدرس الذي سكن العقول واستقر في النفوس، أعلنت الإمارات سفراً جديداً إلى عالم التراث من خلال الفعاليات والأنشطة التي ينتشر شذاها في الإمارات السبع، والتي ما إن تختتم في إمارة حتى تبدأ في إمارة أخرى في سلسلة من الفعاليات التراثية المتلاحقة، وأبرزها مهرجان قصر الحصن في أبوظبي الذي يأخذنا في كل عام وخلال أيامه العشرة في رحلة عميقة عبر ماضينا. قصر الحصن ويعد مهرجان قصر الحصن حدثا اجتماعيا وثقافيا، تدور أحداثه في ساحة قصر الحصن لتعريف الجمهور بتاريخ عريق وثري لعاصمة دولة الإمارات، تجسد عروضه وأنشطته الثقافية العريقة أنماط حياة مجتمع أبوظبي، من خلال رحلتهم في أربعة أركان رئيسية هي ركن البحر، والصحراء، والواحة وجزيرة أبوظبي. أما مهرجان الظفرة في مدينة زايد في المنطقة الغربية فقد كان بحق همزة الوصل التي يلتقي فيها الماضي بالحاضر لما لهذه التظاهرة الثقافية والتراثية من قدرة على سرد قصص التاريخ في نفوس زائريها من خلال أنشطتها وفعالياتها التراثية الثرية بحب الماضي والغنية بالوفاء للتراث الأصيل. أما النكهة التراثية الأصيلة فعنوانها مهرجان ليوا للرطب هذا المهرجان السنوي لعشاق التراث والأصالة وللمحتفين بخير أرض أبوظبي ورطبها، حيث ظلّت رؤية المهرجان وعلى مدى سنواتها المتلاحقة تهدف إلى جعل التمور رمزاً لأصالة الماضي ومصدر خير للحاضر وضماناً للمستقبل. ومهرجان زايد التراثي يعود من خلال فعالياته المسكونة بالأصالة ليذكرنا كل عام بكنوز موروثنا الراسخة على مدى أيامه. أما سفيرتنا إلى التراث العالمي والتي أصرت على حضور الإمارات ضمن لائحة التراث العالمية هي «العين» أول موقع إماراتي على قائمة التراث العالمي للبشرية. فهي القلب النابض للتراث والجهة الأولى للتعرف على التراث الأصيل، إذ لا تزال تحافظ على روحها وتقاليدها وموروثها الثقافي لغناها بمواقع تراثية عالمية وحصون ومتاحف عتيقة وأسواق تراثية، وواحات قديمة لا تزال أشجار النخيل تثمر في مزارعها بالإضافة إلى سوق الجمال الوحيد المتبقي في دولة الإمارات. جماليات الماضي وعند الحديث عن التراث لا بد من التوقف للنظر بالشمس التي تشرق على أفق التراث ومن عبرت عنه بمعانٍ عميقة وهي الشارقة عاصمة الثقافة العربية والإسلامية بأيامها التراثية، وكأنَّ التراث انحصر بين جنباتها، الشارقة التي تسير للمستقبل مستأنسة بالماضي الجميل، حيث تمثل أيام الشارقة التراثية وجهاً حيوياً من وجوه التراث الثقافي الإماراتي، بما توفره من مناخاً مناسباً لجميع الزوار وخبرات تمكنهم من استكشاف جماليات حياة الماضي عبر أنشطة متعددة تلبي تطلع الكثير من أبناء الإمارات نحو الحفاظ على العادات والتقاليد الأصيلة والموروث الشعبي الإماراتي. ويتبنّى مهرجان أيامنا التراثية في إمارة عجمان رؤية شاملة تضم التراث المادي وغير المادي وتسخر من خلاله الموارد للحفاظ على العادات والتقاليد الأصيلة والموروث القديم بالتأكيد على ضرورة التعريف بالتراث وتواصل الأجيال. وتحط القافلة التراثية الإماراتية رحالها في الفجيرة تلك الإمارة التي لاحت في حضن خليج عُمان، هذه القافلة المحملة بالموروث الثقافي بمختلف أدواته وآلياته والتي استقرت في القرية التراثية في منطقة مضب في الفجيرة، والتي تشكل نموذجاً لأسلوب الحياة في الماضي، تحمل هذه القرية بين ربوعها روائع تراثية لجميع الحرف والمهن القديمة. قصة خبرية شغف أحمد الظهوري يقوده إلى جمع المقتنيات والتحف القديمة ياسين سالم (رأس الخيمة) الإماراتي الشاب أحمد عمر الظهوري لديه شغف كبير بجمع التحف والمقتنيات الأثرية القديمة، وهو لا يتردد بدفع المبالغ الباهظة من أجل عيون أي قطعة أثرية يضيفها إلى متحفه المتنقل بين ربوع الوطن، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، فحبه بهذا التراث جعله يحتفظ بفقرة ظهر قرش تم اصطياده قبل 75 سنة، وتسلم هذه العهدة الفريدة من نوعها من جدته لأمه، كما يقول، وهو كذلك حريص على المشاركة في الفعاليات التراثية التي تنظم داخل الدولة. وعن سبب اهتمامه بالتراث وقبل الحديث داخل أحد أركان قرية دبا الحصن التراثية، مع أحمد الظهوري ليحكي تفاصيل شغفه بالموروث الشعبي، لا بد من الإشارة إلى أن أحمد لا يكتفي فقط بعرض ما لديه من مقتنيات أثرية، بل يشكل التزامه بالزي الوطني التقليدي والمكون من الكندورة العربية الأصيلة ذات الفروخة الطويلة المميزة والموشحة بالمحزم المحاط بصف من بيوت الزانة، أي الرصاص ليعطي الزائر من أول وهلة أنه أمام شخص فخور بماضي الأجداد يغوص في الأعماق. مقتنيات أثرية ويقول الظهوري، بدأت اهتم بجمع المقتنيات الأثرية منذ أكثر من عشر سنوات، حتى أصبحت هذه المقتنيات جانباً أساسياً من حياته، وهي متنوعة ما بين الفخار والأسلحة ووسائل الصيد والزراعة القديمة، التي يعود بعضها إلى أكثر من 50 سنة فمدينة دبا، كما يعلم الجميع هي مدينة يعتمد أهلها في الماضي على الصيد والزراعة، لذلك ترى الكثير من المقتنيات الموجودة في متحفي المتنقل تعبر بوضوح وبشكل خاص عن البيئة البحرية والزراعية، ومن أهم هذه الأدوات، القدوم، والمسحاة، والعنتلة، والقفير، واليبان، والمكب، والمرشاد، والسمة، والسرود، والدلة، والمرشاد، والمهفة، والحصير، بالإضافة إلى قدور الطعام والأواني الفخارية مثل اليحلة، والخرس، والشربة، والحب، فضلاً عن بعض الأسلحة الخفيفة التي ترمز إلى الشجاعة والهيبة والقوة، مثل اليرز، والخنجر، والخيزران المرصعة بالفضة والمطلية بالحناء، وهذه جميعها وسائل وأدوات وأواني استخدمها أجدادنا في الماضي، ومن المهم المحافظة على أسماء وأشكال هذه الأدوات وتعريف الناس، لا سيما جيل اليوم بالدور الذي كانت تلعبه هذه الأواني والفخاريات وأدوات الصيد والزراعة الأخرى في العهد الغابر. حياة الأجداد والأهم من كل هذا، كما يقول أحمد الظهوري هو أخذ العبرة، وتبيان كيف عاش الأجداد ظروفاً معيشية صعبة للغاية من أجل الحصول على لقمة العيش والبقاء على هذه الحياة بكرامة؟، كما يضم متحف الظهوري أسطوانات قديمة للمطربين والفنانين الخليجين القدمى، أمثال الفنان الإماراتي حارب حسن، والعماني حمدان الوطني، ومن الممكن الاستماع إلى أغاني هؤلاء من خلال آلة التسجيل القديمة والمعروفة بالبشتختة، ويعود تاريخها إلى أكثر من 60 سنة، وهناك ثلاثة أنواع من البستنة لدى الظهوري، أولها أهديت له من شخص عزيز من دولة الكويت الشقيقة، والأخرى اشتراها بألف درهم من ألمانيا. ويحاول أحمد أن يقتني كل ماله علاقة بالماضي، وهو يدرك، كما يقول أهمية وقيمة المقتنيات الأثرية، لما تشكله من قيمة تاريخية، وتسجل حقبة مهمة من حقب التاريخ الإماراتي الأصيل الموغل بالقدم. الفعاليات تكتسي بألوان الموروث الشعبي مواطنة تقيم قرية تراثية تقاوم رياح الحداثة والعولمة موزة خميس (دبي) الدورة الثانية عشرة لأيام الشارقة التراثية واصلت أعراسها في مناطق إمارة الشارقة، لتعكس كل تلك الجهود التي تكاتفت لتبرز تاريخاً وإرثاً يمتد من الماضي إلى الحاضر، ومن ضمن المناطق التي احتفلت بعرس التراث منطقة البطائح، ومن أكثر ما يميِّز الأيام في البطائح القرية التراثية، التي أقامتها نعيمة الأميري عبر شراكة استثمارية واستراتيجية مع بلدية البطائح، وأصبحت القرية جزءا من مكونات المنطقة، ولها موقع متميز على الطريق العام، وعبر كل ما جمعته عن التراث اكتسبت خلال رحلة بحثها الكثير من الموروث المادي، ولذلك وجدت أن من أكثر ما سوف يبرز تلك القطع، أن يكون لها مكان ثابت لتستقطب الأهالي وكل من يمر بالمنطقة. شجرة عملاقة تقول نعيمة الأميري إن الهوية شجرة عملاقة تحتوي على ثمار، ومن ثمارها كل ما له علاقة بالتراث الإنساني لأي دولة، وكل ما يمكن أن يحافظ عليه من الاندثار بسبب رياح الحداثة والعولمة، وضد الذوبان في عادات وتقاليد دخلت الدولة، حيث تحاول دولة الإمارات التي فتحت أبوابها لدول العالم، ألا تذوب هويتها المحلية ولا يندثر تراثها، وسط التيارات والثقافات لملايين الأشخاص من جنسيات ومشارب ومذاهب مختلفة، ولذلك تجد أن لها دورا مهما أتاحته لها هويتها واهتمامها وبحثها، وشجعها عليه القائمون على النشاطات في دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة وأيضاً البلديات. أيَّام الشارقة التراثية تكرس جميع جهودها لأجل زرع القيم الوطنية والعادات الأصيلة في ذات الأجيال عاماً بعد عام، وأي مكان قد ينظم فعالية لها علاقة بالتراث تجد نفسها تنجذب إليه، لأنها تعتبر ذلك من واجبها، من منطلق أن الفعاليات إحدى آليات إبراز صور الهوية سلوكياً وتراثياً. حس وطني وأضافت: نحن نعمل متكاتفين على ترسيخ الإرث التراثي، وكي ينشأ الأبناء على الفكر والحس الوطني، وقد احتفلنا بتجديد العهد هذا العام، ولا يزال التراث يتألَّق متباهيا بحضوره، وهو يجتاز القرون الماضية قادماً إلينا، ليرافق الأرواح التي تتوارثه، وربما تنتهي الفعاليات ولكن تبقى في النفس ذكريات تحفر للأبد. الأميري لفتت إلى التراث الذي يسكن أبناء الوطن ويحملون له الولاء، والذي يتطور مع الأيام المفعمة بالجديد من نبع العلم الذي لا ينضب، وهو المرغوب سواء كان أدوات أو أزياء أو موروثا شعبيا مسموعا، وأيضاً نكهات الأطباق الشعبية، وهُناك الآلاف من المواطنين والمقيمين، يحرصون على اقتناء شيء من التراث المادي، ليزين أركان البيوت والمكاتب والمباني التي تناطح السحاب، فالجميع يتقدم ويتطور ولكن مع حب اللمسات التراثية من المعمار المحلي العربي أو الإسلامي، حتى في الأزياء والأدوات لا زلنا نرتدي ونقتني الأدوات التراثية، وحتى السياح يفعلون ذلك. وترى أن الهوية لها ظاهر وباطن ورغم كل ما يكتب ويقال عن تأثر المواطن بالقيم الآتية مع الجنسيات المختلفة، إلا أن الإمارات من أكثر الدول العربية حفاظاً على هويتها، وجزء من الهوية هو تراثها المادي والشفهي وغيره، وتطور أبناء الإمارات من حيث القيم التي تعبر عن الأصالة. في أيام الشارقة الـ 12 «الألعاب الشعبية» ترسم ملامح الفرح على وجوه الأطفال أزهار البياتي (الشارقة) بتعابير مبتسمة ونظرات تملأها البراءة والفرح، شاركت الطفلة «سارة» ذات الـ 11 ربيعاً أقرانها البنات في لعبة «نط الحبل»، ليتحلقن بمجموعات نشطة وسط الساحة المفتوحة لأيام الشارقة التراثية في مهرجانها الثاني عشر، مشكّلات صوراً مدهشة تستعيد مفردات أصيلة من زمن الماضي الجميل، وحيث كانت الألعاب الشعبية تعبّر عن المورث الإنساني والاجتماعي لبيئتنا المحلية. والألعاب الشعبية تلعب دوراً كبيراً في عكس عناصر من حضارة وتراث الشعوب، كونها تشغل حيزاً كبيراً من الذاكرة الإنسانية والثقافية للأفراد والمجتمعات، وتعتبر بصورة أو بأخرى انعكاساً لأسلوب الحياة وسمات العادات والتقاليد للسكان، لتشي بجوانب من مورثهم الشعبي، بيئتهم. عبدالعزيز المسلم مدير التراث والشؤون الثقافية في الشارقة والمنسق العام للمهرجان قال: نحن في شارقة الإمارات ومن خلال ترنيمتنا التراثية التي نتنفس عبرها في هذا الموسم من كل عام نفحات من زمن الأصالة والتراث، نحاول أن نلملم كل عناصر وسمات بيئتنا المحلية، ونجمع أجزاء من تراثنا وثقافتنا المجتمعية، لنقرأ من خلالها صفحات من تاريخنا الإنساني وحضارتنا العريقة، ولا شك أن الألعاب الشعبية تشّكل محوراً هاماً في هذا السياق، فعلى الرغم من أنها عادة ما ترتبط بسمات المرح واللعب ونشاط الأطفال في مراحل عمرهم الصغير، إلا أنها تشير بذات الوقت إلى المكون الثقافي والنسيج الاجتماعي للشعوب، وحيث تكون ترجمة واقعية لنوع وطبيعة الحياة عند الأهالي والسكان، لكونها ببساطة تعد نتاجا حتميا لمعطياتهم البيئية ومحيطهم الزماني والمكاني، وتأتي في كثير من الأحيان بنفس نمطهم المعيشي وما يؤمنون به من معتقدات وأفكار. مفردات التراث والألعاب الشعبية كمفهوم وعنوان لها العديد من المضامين والدلالات، كما أنها عادة ما تكون متفرعة من جذور وتاريخ، قد تختلف وتتميز حسب اختلاف الشعب، البيئة، والحضارة التي ينتمي إليها، مرتبطة بمفردات التراث والإرث القديم للممارسات والعادات التي يعتقد بها المجتمع، وكأنها تعبير عن سمات إنسانية واجتماعية متأصلة في الذاكرة، لترمز بكل بساطتها وعفويتها وأدواتها البدائية عن براءة من يصنعها ويلعب بها من الصغار، وتنوه لهذا الأمر ابتسام المسلم مشرفة في إدارة بيت «الألعاب الشعبية» في الشارقة، بقولها إن «الألعاب الشعبية» في إطارها العام عن منظور اجتماعي كبير وقيمة إنسانية هامة، فترتبط عادة بتاريخ المكان وجغرافيته والظروف الحياتية للسكان والأهالي القاطنين فيه، فتنسجم مع ممارستهم المعيشية وتفاصيلهم الحياتية، فسكان الجبال على سبيل المثال لهم ألعاب تختلف عن مجتمع المناطق الساحلية أو الزراعية أو أهل البحر والصيد، أو حتى البدو في المناطق الصحراوية. وتضيف: في بيئتنا المحلية على سبيل المثال كان لبعض الألعاب الشعبية الحركية بشكل خاص علاقة وثيقة الصلة بالفلكلور والإيقاع والحركات والأناشيد الطفولية، مع شيء من الأهازيج الشعبية، ولو رجعنا بالذاكرة للتراث الإماراتي القديم سنكتشف العديد من الأغاني المنغمة المرحة التي ترتبط بنمط معين من ألعاب الصغار القديمة في بيئتنا المحلية، منها ما هو يختص بفئة البنات ومنها ما يكون لشريحة الأولاد فقط، وفي بعض المواسم والمناسبات الاحتفالية كشهر رمضان والأعياد وخلافه، هُنالك ألعاب شعبية ترتبط بالمناسبة والزمن، كلعبة الأرجوحة أو «المريحانة» باللهجة المحلية والمكونة من حبل مصّنع من ليخ النخيل ليربط بين شجرتين ويتم هزه ودفعه بالاتجاه المعاكس ليتأرجح الطفل على إيقاعه الحركي وعلى إيقاع منغم لبعض الأغاني الشعبية والأهازيج. وتصف: إيمان جاسم تربوية وزائرة مواظبة للمهرجان دور الألعاب الشعبية فيه: لعلَّ المتابع لمواسم «أيام الشارقة التراثية» خلال الدورات السابقة، سيلاحظ بلا شك اهتماماً ملحوظاً ومطرداً بهذا النوع من الألعاب من قبل الجيل الجديد، وحيث أصبحت في الآونة الأخيرة تستقطب انتباه الصغار وتجتذبهم لدخول هذا العالم الجميل، ومن خلال الاهتمام الذي توليه إمارة الشارقة في هذا المجال ومن خلال تخصيصها لدائرة خاصة «بيت الألعاب الشعبية»، فقد استعادت هذه الأخيرة الكثير من عناصرها وأدواتها القديمة، بل تحولت لعامل جذب ونقطة التقاء للكثير من الأطفال الإماراتيين، حيث نجد في هذه الأيام أن العديد من أولياء الأمور المواطنين يحاولون الرجوع للتراث وربط أبنائهم بسماته وجذوره القديمة، وكأن هنالك صحوة وعودة لكل ما هو أصيل، بسيط، وعريق، وهذا يأتي عادة بصور مختلفة منها ما هو يتعلق بنوعية الملابس والأزياء التراثية ذات الطابع المحلي، ومنها ما له صلة وثيقة بالألعاب الشعبية المستنبطة من البيئة الإماراتية القديمة. إن الألعاب الشعبية تقسم عادة إلى ثلاثة أقسام، منها ألعاب عضلية وبدنية فيها نشاط حركي وممارسات رياضية، ومنها ألعاب ذهنية تختبر المهارات العقلية واستراتيجية التفكير ومعدلات الذكاء والذاكرة، وثالثة تعد من الألعاب التركيبية والتي تعتمد على الإمكانيات والقدرات الابتكارية، مع النتاج الإبداعي والفني للطفل، بحيث يصّنع ويّركب ألعابه الخاصة من المواد المتوافرة له في بيئته المحيطة. في جلسة عائلية تجمع أجيالاً متعاقبة الحرف اليدوية تروي فصلاً من التاريخ هلا عراقي (الشارقة) تمتلك المرأة الإماراتية ثقافة تراثية جمالية متوارثة منذ مئات السنين، هذه الثقافة التي تنتقل من الجدة إلى الأم، إلى البنت في حلقة تواصلية تنقل هذا الموروث من جيل إلى آخر، وارتبطت الإماراتية ارتباطاً وثيقاً بحرفتها، وتجاوزت علاقتها بها حدود كونها مصدراً للرزق، فأقبلت على تعلمها بحب وفخر منذ الصغر، متأثرة بإبداعات الجدات والأمهات، وقادها إليه واقع البيئة بعاداتها وتقاليدها، وجذورها التاريخية والتراثية والجمالية والفلكلورية. حليمة سيف النقبي التي ما إن بدأت الحديث عن حرفة «التلي» حتى اكتسى صوتها رداء الاعتزاز بحرفة تعتبرها نبتة غالية تسعى لغرسها في قلب كل إماراتية، صوناً لها من الاندثار. الدرس الأول لدى حديثها عن التلي، تحلق النقبي في المدى ليس بنظرها فقط، بل بروحها، لتعود تلك الطفلة ذات العشر سنوات منذ أن بدأت جدتها ووالدتها بالإفصاح لها عن أسرار هذه المهنة. وتوضح “سحرني ذلك البريق المشع من بين أيدي الجدات، والذي مصدره تلك الخيوط المزركشة مولداً في رأسي الصغير العديد من الأسئلة عن تلك الخيوط اللامعة التي تتعانق ملتفة حول نفسها لتشكل ما يعرف «بالتلي»، وكثيراً ما جذبتني تلك الحلقة الدائرية التي يجتمع فيها النسوة ليعزفن على أوتار الخيوط أجمل الألحان”. وتتابع: أحن إلى تلك الأيام التي كنت بجسدي الصغير أشكل جزءاً من حلقة كبيرة من الفتيات حول الجدة والأم والخالات لتلقي درسها الأول. ثم بدأت بأسلوب الجدات القصصي الجميل تسرد حكاية «التلي» منذ أن كان مجرد خيط فقط، فتقول “لعمل التلي نحتاج «للكاجوجة»، وهي القاعدة المعدنية نضع فوقها «الموسدة»، وهي ما يطلقونه علية الآن وسادة نصنعها بأنفسنا من قطعة قماش محشوة بالقطن على شكل بيضاوي، وقمعين متعاكسين ملتصقين تلف حولها «الهدوب» أي الخيوط، بالإضافة إلى إبر التثبيت والخوصة”. أبناد الفريج عن أنواع التلي، تقول أم عبد الله إنها تضم «تلي بوادل»، و«تلي بتول» والمناسبة هي التي تحدد نوع التلي، فإذا كانت المرأة تصنعه لاستعمال العادي في البيت أو الحي، فتغيب به اللمعة وتقتصر خيوطه على اثنين فقط، أي من النوع الخفيف، أما في المناسبات، كالأعياد والأعراس، فيكون مزركشاً براقاً لامعاً وبمجموعة من الخيوط الملونة ويظهر الفن جلياً، عندما نبدأ بالتجهيز للعروس، كانت النسوة في «الفريج» الواحد يجتمعن للتحضير، وكل منهن تتولى مهمة، وكم كانت جميلة تلك المنافسات التي كنا نشجع بها بعضنا بعضاً على إنجاز العمل في زمن طرحت فيه البركة في كل شيء. أما أم راشد، فأبدعت في صنع «البرقع» رغم أن الكثير من النساء الآن لا يرتدي البرقع إلا أننا مستمرون في صنعه كي لا يندثر، فنقوم بتعليم الفتيات الصغيرات على صناعته، ولا حظنا أن هُناك اهتماماً من قبلهن على التعلم، أبرز ما يميز هذه الحرفة هي إتقان قص البراقع بالطريقة الصحيحة التي لا تخلو من الحساب، وأن تكون عينها ميزاناً لتأتي المقاسات متناسبة، وتختلف المقاسات ما بين الكبيرة والصغيرة ومع أنها كانت في الماضي تقتصر على نوع واحد من الأقمشة تسمى «شيلة البراقع» إلا أنها في الوقت الحاضر أدخل عليها الكثير من التعديلات والألوان والاكسسوارات. ومن الأدوات المستخدمة السيف والشبك، بالإضافة إلى الإبر والخيوط والصابونة لتسهيل عملية الخياطة. وبعد الانتهاء من الخياطة نحتاج للمصقلة لصقل البرقع. من خلال إرثه الغني والمتنوع التراث الإماراتي.. جذور في عمق التاريخ تجسد الهوية يفخر مهتمون بالتراث منهم مصبح عبد الله بالتراث الإماراتي، الذي يسعى إلى تجسيده في مناحي الحياة، لأن التراث هو الذي يعبر عن هويتنا، ونستعيد من خلاله حقبة من تاريخ عزيز على قلوبنا نبث فيه روح الحياة ليستمر ويصمد للأجيال القادمة، فيما يتحدَّث صالح ماجد عن الدور البارز الذي توليه الدولة في المحافظة على الرموز الثقافية المادية منها والمعنوية، للحفاظ على الهوية التاريخية، فتعيد إحياء التراث، وتمنحه حضورا متجددا. ويقول “رغم التطور لم نهمل تراثنا، فالمحافظة على التراث مسؤولية مجتمعية تقع على كاهلنا جميعاً في أن نبدأ من البيت بتربية أبنائنا تربية أصيلة، وإشراكهم في المناسبات التراثية”. ويشير فهد آل علي إلى أن “التراث حاضنة التاريخ، والإماراتي ضرب أروع الأمثلة في صيانة تراثه من الاندثار، باستحضار أدوات التراث المادية والمعنوية، وإدراجها ضمن حياته اليومية، مثال اللباس التقليدي، والأكلات الشعبية التراثية، والإبقاء على الكثير من المصطلحات المحلية القديمة في حديثنا وشرح معانيها للأطفال لحماية التراث الشفهي”. ولفت إلى أن الأماكن التراثية تتربع على عرش قائمة أفضل أماكن النزهات الترفيهية العائلية كونها تثري الانتماء للوطن، حيث يسعى الإماراتي إلى سرد قصص الأولين للصغار، التي تتناول نضالهم في تحمل شظف العيش من أجل ترسيخ هذه الهوية. ويفخر أحمد عبد العزيز بمخزون العادات والتقاليد القيمة، التي نسعى لإيصالها بكل ما فيها من جماليات للعالم لنسهم بالتعريف بالتراث المحلي العريق بمختلف طقوسه، فتراثنا هو النبراس الذي يضيء مستقبلنا. وتؤكد موزة سالم أن حرص الإماراتي على تراثه الوطني ينبع من تخوفه على هذا الكنز الثمين في ظل الحداثة، منتقدة تهاون بعضهم في المحافظة على التراث والانجراف في تقليد الغرب. وتوافقها الرأي ميمونة ناصر، في أن الإمارات من الدول التي لم تنشغل بالحداثة على حساب الأصالة، بل سعت إلى غرس الجذور التراثية في نفوس الأبناء بإدراجها ضمن المناهج، كما أن الإمارات تزخر بالكثير من الفعاليات التراثية طوال العام بكل ما تحمله من مفردات التراث الإماراتي من أزياء، وأكلات شعبية، واستعراضات، وشعر، وقصص، وألعاب شعبية. وتتحدث لمياء غزال عن أن التراث الوطني الإماراتي متجذِّر في نفوس أهلها ينقلونه بحب من جيل إلى جيل، ويحرص الإماراتيون على الحفاظ على تراثهم نقياً كي لا تجرفه سيول الحداثة في ظل تعدد الثقافات الموجودة في الدولة. ولفتت إلى أن الدولة تحرص على تشيد المتاحف المنتشرة على امتداد الإمارات، التي تخلد الحياة الماضية. وبرأي عبدلله جمعة فإن المحافظة على التراث جزء من المحافظة على الوطن، وفي الإمارات الفعاليات التراثية لها حضور بارز طوال العام كون هذا التراث مدعاة للفخر. (الشارقة الاتحاد)
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©