الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قاتل بالإيجار

قاتل بالإيجار
17 ابريل 2014 21:25
كانت عقارب الساعة تشير إلى العاشرة صباحا، عندما حضر «علاء» صاحب المعرض الصغير ليبدأ عمله اليومي كما اعتاد منذ سنوات، وبجانبه أحد العمال الذين يعاونونه، في تنظيم البضاعة داخل المحل وخارجه، ويتعامل مع الزبائن ويرد على استفساراتهم، والرجل لا يتدخل ويجلس على مكتبه، يراجع حساباته، أو يخرج بمقعده أمام المحل يحتسي الشاي، اتخذ مقعده على المكتب، وبدأ العامل مهمته التي أنجزها في أقل من ثلاثين دقيقة، ثم اتجه لشراء الإفطار حسب الطقوس اليومية التي لا تتغير، هناك مطعم على بعد عدة أمتار يبتاع منه ما يريده، ويعود به للرجل الذي يكون جالسا في هذا الوقت بلا انشغال، فالزبائن قليلون في هذا الوقت المبكر. مقتل الحاج لم تمض دقائق حتى سمع الجميع أصوات طلقات، لم يعرفوا مصدرها ولا مكانها، حدث هرج ومرج في الشارع كله، خرج الجميع من المحال والبيوت يستطلعون الأمر، البائع لم يهتم بما حدث، فهو لا يريد أن يتعطل، فقط يهتم بما يعنيه، يجب أن يشتري طعام الإفطار ليعود بسرعة ولا يتأخر على الرجل الذي كان ينتظره، وهو يعرف أنه يغضب من التأخير، بجانب أنه وحده، وقد يكون هناك بعض الزبائن، لكن العمال الذين في المطعم توقفوا هم الآخرون عن العمل ليستطلعوا ما يحدث، فلم يعتادوا ذلك في الشارع، ولا المنطقة، ولابد أن هناك شيئا خطيرا يحدث، فتوقفت مظاهر الحياة كلها والبيع والشراء في الشارع، وانشغل الجميع بالسؤال عما حدث وأين ولماذا، وهناك جمع أمام المحل لفت انتباه العامل من بعيد، فتوقع أن يكون الحدث عندهم. تخلى العامل «منتصر» عن شراء الطعام، وعاد مهرولا، ثم جريا، كادت أنفاسه تنقطع ليس من الجري، ولكن من الهلع الذي أصابه، بعدما تأكد أن الناس متجمعون أمام المحل الذي يعمل به، كانوا يحجبون عنه الرؤية، والكلام متداخل ولا يعرف ماذا حدث ولم يسأل، شق صفوفهم واقتحم تجمعهم، ودخل مسرعا ليستكشف ولم يستطع ان يتوقع ما الذي حدث، لم يدر بخلده أن هناك شيئا أكثر من إطلاق رصاص، لكن عينيه أكدتا له أكثر من ذلك، الحقيقة المرة أن الرجل الذي تركه منذ لحظات، غارق في دمه الذي سال على الأرض، ملقى على مكتبه في جلسته بالهيئة التي تركه عليها، لكنه منكفئ على وجهه إلى الأسفل، ويداه تتدليان، ولا أحد يجرؤ على الاقتراب منه فالجميع خائفون من المشهد الذي يثير الرعب، حتى الذين يعرفون القتيل تراجعوا من هول ما يرون، يضربون الأكف استغرابا وهم لا يعرفون من وراء الجريمة ولا سببها. صرخ «منتصر» بأعلى صوته، وكان الوحيد الذي تقدم ليعرف إن كان الرجل قد فارق الحياة أم مازال حيا، رغم أن المشهد يؤكد انه أصبح قتيلا ولفظ أنفاسه وبلا حراك، إلا انه كان يهزه وهو مازال يواصل صرخاته المدوية في المكان، ولا يصدق أن الرجل مات خلال هذه الدقائق التي تركه فيها وحيدا، فهذا شيء خارج العقل والمنطق، لم يفقد الأمل يطلب من الواقفين أن يطلبوا الإسعاف والشرطة، لكن الجميع يوقنون أنه لا جدوى من حضور الإسعاف، فقد قضي الأمر وأنهم أمام حادث قتل ويجب فقط إبلاغ الشرطة للتحقيق، وكشف ملابسات الحادث الذي لا يعرف أحد سببه ولا من الذي ارتكبه. ست رصاصات حضر رجال الشرطة، ووجدوا الرجل على هذا الوضع، مصابا بست رصاصات في الظهر والرأس، في خاصرته مسدسه المرخص الذي لا يفارقه، لأنه تاجر ويحمل الأموال ويتنقل بها هنا وهناك، لكن ثبت انه لم يستخدمه مرة واحدة منذ حصل على الترخيص قبل تسع سنوات، وعندما رأى الواقفون المتجمهرون سلاح الرجل اعتقد بعضهم خاصة من الذين لا يعرفونه، انه ربما يكون انتحر بسبب ديون أو مشاكل مادية أو نفسية، لكن رجال الشرطة لم يضعوا هذا الاحتمال في توقعاتهم، لأنهم بخبرتهم تأكدوا أن الحادث جريمة قتل، فلو كان الرجل انتحر لوجدوا السلاح ملقى على الأرض أو في يده أو بجواره، لكن مازال موجودا في خاصرته وتحت ملابسه وهذا يؤكد أنه لم يستخدمه، بل إن القاتل أخذه على حين غرة وأطلق الرصاص عليه من الخلف، ولم يمهله ليستخدم سلاحه للدفاع عن نفسه. سألوا «منتصر» عما حدث اليوم فأخبرهم بما يعرف وما شاهده بعينيه وشارك فيه، وانه فوجئ بسماع أصوات الرصاص، وجاء ليكتشف الجريمة الشنعاء، وهو يثني على الرجل ويستنكر أن يكون هذا مصيره، وتلك نهايته المأساوية الدامية، لم يعد أمام رجال الشرطة غير احتمالين هما على الأرجح وراء الحادث، أولا أن القتيل تاجر وله علاقات متعددة ومن المحتمل أن يكون هناك خلاف مالي بينه وبين أحد من العملاء، فالتجار يتعاملون بالشيكات والديون، وقد يكون واحد من هؤلاء هو مرتكب الجريمة، والاحتمال الثاني أن يكون وراء الجريمة لص حاول السرقة ولم يستطع وآثر أن يفر من مسرح الجريمة قبل اكتشاف أمره. المعلومات أكدت أن «عمر» القتيل رجل عادي، ولا توجد أي خلافات بينه وبين أحد، مشغول بتجارته، ولم يحدث أن اشتكى منه أحد في هذا الجانب منذ مارس التجارة، فتم استبعاد هذا الاحتمال سريعا، كما تم أيضا استبعاد الاحتمال الثاني، لأنه لم تتم سرقة أي أموال أو بضائع من المحل، وكذلك ليس من المتوقع أن يكون هناك لص بهذا الغباء يأتي للسرقة بهذا الأسلوب في الشارع التجاري المزدحم، وجاءت زوجته التي أخبروها بالنبأ المشؤوم، وهي تولول وتصرخ، وتطالب بإعدام القاتل، فهدأوا من روعها بصعوبة بالغة، وهي تكاد تنهار وبدأ اتخاذ إجراءات الدفن ونقل الجثة إلى المشرحة، ثم إلى الغسل وسار العمل في جمع التحريات لكشف غموض الحادث الغريب. القاتل وقع في شر أعماله، ولم يفلت بجريمته رغم التخطيط المحكم، فلم يحسب حسابا للسبب الذي أسقطه وكشف المستور، فهناك كاميرا مراقبة، يضعها صاحب محل مجوهرات مجاور لمسرح الحادث، التقطت صورته، وهو يدخل ويخرج مهرولا، ثم يستقل سيارة كانت في انتظاره وهرب، لم يكن التعرف على الشخص صعبا، فهو معروف لمعظم العاملين وأصحاب المحال في الشارع، وقد كان يعمل هنا في المحل قبل ستة أشهر، وتم طرده بسبب سوء سلوكه، وخلال ثلاث ساعات، وقبل دفن القتيل ألقي القبض على القاتل الذي ألقى بقنبلة مدوية، ومفاجأة مذهلة لا يكاد العقل يصدقها، صرخ أنا بريء، لم أقتل أحدا، ليس لي ذنب، زوجته هي السبب، ألقى عليها باللوم واللعنات أيضا، وهو يقول ضيعتني هذه الشيطانة، أوهمتني أنها خططت جيدا، وأن الأمر لن ينكشف، منها لله. «خدمة» بسيطة جلس «يسري» القاتل يعترف، قال: كنت أعمل مع الحاج «علاء» -كما كانوا يلقبونه- واختلفت معه ثم طردني من العمل، لأنني سرقت منه مبلغا من المال، عندما كنت أمر بضائقة مالية، ومنذ ذلك الوقت لا أجد عملا، إلى أن جاءني اتصال من زوجته، تطلب لقائي لأمر مهم، في البداية قدمت لي «رزمة» من الأوراق المالية كنت أحملق فيها وأنا لا اصدق، ثم قالت إنها تريد مني «خدمة»، وهي أن أخلصها من «الحاج»، لأنه يريد أن يتزوج عليها، فهي لا تنجب وتخشى إن حدث ذلك أن تأخذه الزوجة الثانية منها، وهي لن تتركه لامرأة أخرى، تأتيه بولد وتحصل على كل شيء وتخرج هي صفر اليدين، وتخسر كل شيء، وفي نفس الوقت لم تمنحني فرصة للرد أو التفكير، قالت ولك مكافأة أكبر من هذا. أمام إغراء المال لم أقاوم ولم أفكر، فقد جاءتني بمسدس، ورسمت الخطة، بان أستغل غياب العامل في لحظة شراء الإفطار، وأتسلل من الباب الثاني وآتيه من الخلف واطلق النيران، وأسارع بالهروب في سيارة استأجرتها لهذه المهمة، ووعدتني فوق ذلك بإعادتي للعمل وإدارة المحل وحدي، أمام هذه المغريات لا مجال للعقل، وقد زين لي الشيطان نجاح الخطة والثراء بعد ذلك ولم أتوقع أبدا أن يتم التوصل إليّ، وبينما المرأة مشغولة في توديع زوجها ومازالت تتغنى بمآثره ومميزاته وأفضاله عليها، وأسفها على فراقه المؤلم، استمرت في تمثيل دور الأرملة الصغيرة. رغم هذا كله تركها رجال المباحث إلى أن انتهت مراسم الدفن، وطلبوها في هدوء بحجة أنها ستدلي بأقوالها في التحقيق، وكانت الصاعقة في انتظارها عندما وقعت عيناها على المتهم في غرفة التحقيق، لم تجد مفرا من الاعتراف بتفاصيل ما حدث، ومع كل ما حاولت أن تظهره من حزن لم تكن حتى الآن قد سقطت منها دمعة واحدة، وفي قيد حديدي واحد اقتادوهما إلى محبسهما. أحمد محمد (القاهرة)
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©