الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

خالد السيابي: لست مغامراً وتعلمت كيفية تسلق الجبال بالفطرة

خالد السيابي: لست مغامراً وتعلمت كيفية تسلق الجبال بالفطرة
8 يونيو 2010 21:18
في أحضان الجبال وبين وديانها كانت نشأته، وهو ما جعله يعشق تسلقها واكتشاف قممها، ومع كثرة الجبال التي مارس فيها هوايته داخل سلطنة عُمان، حيث ولد، أخذ يتطلع إلى ما وراء الحدود ويسعى إلى تسلق أنواع مغايرة من الجبال، غير تلك الصخرية المنتشرة في أنحاء عُمان أو غيرها من الدول المحيطة، وبالفعل عمد إلى تنفيذ مسعاه عبر بلدان أخرى سافر إليها لإرضاء شغفه بالتسلق، حتى تُوجت هذه المحاولات مؤخراً بصعوده إلى قمة جبل إفرست، وهي القمة الجبلية الأعلى والأكثر خطورة على سطح المعمورة. خلال زيارته للعاصمة أبوظبي مطلع هذا الأسبوع خص العماني خالد السيابي «37عاماً» الاتحاد بحديث عن تجربته في عالم تسلق الجبال قائلاً: “أنا من مواليد منطقة مطرح في العاصمة العُمانية مسقط، وهي منطقة معروفة بالجبال، وبيتنا يقع في وسط الجبل ومنذ الطفولة كنا نلعب في أحضان وعلى قمم الجبال الصخرية هناك، ومع كثرة صعود الجبال صارت ألفة بيني وبينها، وكأن هناك صلة قرابة تربطني بها، حيث تعلمت بالفطرة كيفية صعودها وكيف استخدم يديّ وقدميّ في عملية التسلق بمهارة”. ويضيف: “بقيت أمارس هذه الهواية حتى المرحلة الثانوية، بعدها توقفت وأعطيت جل وقتي وتركيزي للعمل والدراسة، إلى أن عدت لممارستها مرة أخرى منذ حوالي 6 سنوات، غير أن ذلك تم بشكل مغاير، حيث سعيت إلى طريقة تعاملي مع الجبال وأدوات تسلقها من أحبال وأحزمة وخلافه، كما بدأت أقرأ بشغف عن عالم التسلق، ومع عدم وجود مراكز متخصصة أو معاهد علمية تهتم بالتسلق، أخذت أطور نفسي ذاتياً، ومع تسلق مزيد من الجبال بطريقة علمية صحيحة، شعرت أن قدرتي على التسلق ومهارتي نمت بشكل كبير”. قمم ثلجية يوضح السيابي: “مع التسليم بأن المتسلق كلما وصل إلى قمة سعى إلى قمة أعلى وأكثر خطورة، بدأت أبحث في كيفية تسلق جبال من نوعية مختلفة عن الصخرية التي أعتدت عليها في عُمان، وتتمثل في الجبال الثلجية والجليدية، ومن ثم وقع الاختيار على دولة نيبال لتكون محطة للتدريب والتجريب على تلك الأنواع من الجبال، كون نيبال من أكثر دول العالم ثراء بالقمم الثلجية، وتضم أرضها أعلى القمم الجبلية وأكثرها خطورة في العالم، وهو ما يجعلها مقصداً لعشاق تسلق الجبال من أرجاء الأرض كافة”. ويقول: “على الرغم من خطورة تسلق الجبال الثلجية والجليدية قياساً إلى الصخرية، حيث إنها عرضة للانهيارات والعواصف الثلجية، والتي قد تكون مميتة في أغلب الأحوال، إلا أنني خشيت ألا يحتمل جسدي الضغط الجوي على مستويات مرتفعة؛ لأن المرء قد يكون على درجة كبيرة من المهارة في التسلق، ولكن عند الوصول إلى ذرى عالية، قد يصاب بمشاكل صحية، خاصة أني ولدت وتربيت في منطقة ساحلية إلى حد كبير وارتفاعات الجبال غير مخيفة ولا تتجاوز الثلاثة آلاف متر، بعكس إفرست الذي كنت أطمح للوصول إلى قمته التي ترتفع عن سطح البحر بمقدار 8848 متراً”. جبل “باموري” عن الكيفية التي أخذ السيابي يتدرب عليها بهدف بلوغ قمة إفرست، يقول: “لدى وصولي إلى نيبال في نوفمبر الماضي، تدربت على تسلق ارتفاعات الجبال بشكل تدريجي، من 4 آلاف متر، ثم خمسة وفي النهاية ستة آلاف متر قبل الوصول إلى التحدي الأول في قمم نيبال، وكان على ارتفاع سبعة آلاف متر عن سطح البحر”. وتابع: “هذا تحدٍ كبيرٍ كون تلك النوعية المترفعة من الجبال تحتاج إلى أسلوب خاص للتسلق، وطبيعة جسمانية مغايرة، خاصة في المقدرة على تحمل الضغط الجوي المنخفض في طبقات الجو العليا، فضلاً عن كل ما سبق، كان هذا الجبل والمسمى (باموري) واحداً من أخطر جبال الهيمالايا، وفنياً يعتبر أخطر من إفرست للعديد من الأسباب ومنها: أنه أكثر انحدراً من إفرست، واحتمالات الانهيارات الثلجية به عالية جداً، طبيعة الجبل متباينة وتضم أنوعاً ثلاثة: مناطق ثلجية، مناطق صخرية، وأخرى جليدية”، ويلفت السيابي إلى أنه المتسلق العربي الأول الذي يتصدى لهذا الجبل، كونه معروفاً بخطورته الشديدة ويتحاشى كثير من هواة التسلق التعامل معه، حتى أن عدد المتسلقين له لم يتجاوز 400 شخص على مدى الأعوام الستين الماضية، وذلك منذ ظهور تسلق الجبال كهواية ومغامرة مثيرة إلى العالم في العام 1949. ويوضح أنه وصل إلى أعلى نقطة في الجبل وبلغت 6800 متر، بصحبة فريق المتسلقين، وهو فريق عالمي تم التقاؤه وتجمعه في نيبال وكان السيابي العضو العربي الوحيد معهم. ويذكر السيابي تعرضه لحادثي سقوط خطرين إبان التدريب في مرتفعات باموري، غير أن ستر الله والاستخدام الجيد للأدوات المساعدة في التسلق منعاه من الانحدار من ارتفاعات عالية وحدوث إصابات جسيمة. مغامرة الصعود عن مغامرة الصعود إلى قمة إفرست والتي كُللت بالنجاح في مايو الماضي، يذكر أنها بدأت بالوصول إلى العاصمة النيبالية كتماندو في السادس والعشرين من مارس الماضي، وفي الأول من أبريل تم الانتقال بواسطة طائرة خاصة إلى قرية لوكلا، والتي تقع على ارتفاع ثلاثة آلاف متر في قلب جبال الهيمالايا، ومن لوكلا بدأ بالصعود سيراً على الأقدام لمدة 8 أيام، حتى وصل إلى المعسكر الأساسي من المعسكرات الأربعة التي تمثل محطات أربع يتعين على المتسلقين اجتيازها قبل الوصول إلى قمة إفرست في المحطة الخامسة، وهذه المعسكر الأساسي يقع على ارتفاع خمسة آلاف وثلاثمائة متر. ويوضح السيابي، أنهم كانوا يحملون أغراضهم بواسطة حقائب خاصة على الظهر، طيلة هذه المدة، ما عدا بعض أدوات التسلق الثقيلة، يحملها حيوان اسمه “الياك”، وهو عبارة عن فصيلة من البقر، وإن كان يتميز عنه بأنه غزير الشعر ويقدر على حمل أوزان ثقيلة في ظروف مناخية شديدة البرودة. وحين الوصول إلى المعسكر، يقول: “بدأنا بتجهيز الخيام والتأكد من سلامة المعدات، وكل أدوات التسلق التي نستخدمها، وبعد 3 أيام، بدأنا عملية التعود على الضغط الجوي؛ لأنه لو حاولنا الصعود مباشرة إلى قمة الجبل فإن حياتنا معرضة للانتهاء خلال ساعة أو ساعتين على أقصى تقدير بسبب الأخطار الناجمة عن تعرض الجسم لتغيير مفاجئ في الضغط الجوي المحيط، وهذا الخطر يبدأ بمجموعة من الأعراض ومنها آلام في الرأس، والعمى المؤقت، والنزيف الداخلي أو من الأنف أو الأذن، واضطرابات في الرئة”. الحدث الفريد يشرح السيابي: “عملية التعود تلك تكون بتسلق مسافات قصيرة وبعد ذلك نجلس ساعة في المكان، بحيث يتأقلم الجسم شيئاً فشيئاً ثم نعود إلى المعسكر، واليوم التالي نحاول صعود مكان أكثر ارتفاعاً ثم نعود إلى المعسكر، ولذلك استمرت عملية صعود إفرست شهرين كاملين، بسبب ضرورة التعامل مع الضغط الجوي بكيفية معينة”. عن المرحلة الرابعة والتي تسبق الصعود إلى قمة إفرست، يشدد السيابي على ضرورة تحديد اليوم المناسب للتسلق قبل الوصول إلى تلك المرحلة، كون الوصول إلى إفرست يحتاج إلى ظروف مناخية مناسبة تتمثل في صفاء الجو، ودرجة برودة معقولة، وسرعة الرياح يجب أن تكون أقل ما يمكن كون سرعة الرياح هي أخطر ما قد يواجه المتسلق، ولذلك وقع الاختيار على يوم 23 مايو الماضي كون سرعة الرياح تراوحت بين 5 و15 كيلومتراً في الساعة، وهي سرعة مناسبة إلى حدٍ كبيرٍ للتسلق بأمان. ويشير السيابي إلى أن عملية التسلق من المرحلة الرابعة وحتى قمة إفرست تستغرق نحو 12 ساعة؛ ولذلك بدأ التسلق منذ الساعة السابعة مساء ذلك اليوم لينتهي في الساعة ذاتها تقريباً من اليوم التالي، حتى يكون الوصول في وضح النهار ويكون وصولاً آمناً ويستطيع فريق المتسلقين التقاط الصور التذكارية لهذا الحدث الفريد. عاصفة ثلجية يشير السيابي إلى أن عملية وصوله إلى القمة تأخرت قليلاً عن زملائه كون مساعده وهو أحد أفراد قبيلة “شيربا” التي تسكن جبال الهمالايا تعرض لمشكلة صحية بسبب الضغط الجوي، وهو ما اضطره لوقف التسلق وعمل الإسعافات اللازمة له وقام بمهاتفة قائد الفريق الذي اتصل بدوره بالإسعاف التي جاءت لنجدته، ومن ثم عاود السيابي صعوده مرة أخرى. أما عن النزول من القمة إلى المعسكر الرابع فقد استغرق حوالي 7 ساعات، وتم ذلك في ظروف مناخية سيئة، حيث هبت عاصفة ثلجية بشكل مفاجئ هددت سلامة المتسلقين جميعاً، ولولا الحذر واتباع الاحتياطات اللازمة، لحدث ما لا يحمد عقباه. ويضيف: “استمر نزولنا نحو 3 أيام، أي أسرع من الصعود بمراحل، وذلك ليس لسهولة النزول بشكل ميكانيكي، وإنما كون الجسم البشري نتيجة وجوده في المرتفعات امتلك قدرات عالية في التنفس وزادت نسبة الهيموجلوبين وكريات الدم الحمراء في الدم، وهو ما جعل أجسامنا أقوى حال النزول مقارنة ببداية الرحلة”. تهذيب النفس يذكر السيابي واحدة من المفارقات المدهشة التي تعرض لها، فيقول إنه ليس مغامراً بطبيعته، ويفعل كل شيء بعد تفكير عميق وروية، ومع ذلك يفعل الكثير من الأشياء التي يعدها الآخرون مخاطرة، ومنها القفز بالمظلات من ارتفاعات كبيرة، وأنه كان يتمنى أن يحقق إنجازات في مجال القفز بالمظلات توازي ما حققه بالصعود إلى قمة إفرست، وأن يقفز من ارتفاع 10 آلاف متر، وهو الحلم الذي سيسعى إلى تحقيقه على المدى القريب. وحول ما اكتسبه السيابي من وراء قيامه بهذه المغامرات المثيرة، يقول: “هذه الهوايات تجعلني أشعر وكأني أهذب نفسي، وذلك عبر التقدير الجيد للأمور المحيطة، وهو ما يجعلني احترم نفسي وقدراتي، وبالتالي معرفة حدودي العقلية والجسدية، وهذا الأمر لا نستطيع معرفته أثناء الجلوس في أماكننا والركون إلى الراحة، فالإنسان قد يعتقد أنه ذكي أو قوي، غير أنه لم يمارس ذلك ولا يعرف حقيقة قدراته، ولكن الوجود في ظروف صعبة وعالية الخطورة، يجعلك تعرف جيداً من أنت وما هي حدود قدراتك. وهل أنت الشخص المتردد أو السريع في اتخاذ القرار وغيرها من الأمور التي لا يمكن أن نعرفها سوى بالمرور بمثل هذه الظروف والتجارب”. وحول معارضة الأهل والأصدقاء لخوض هذه التجارب المثيرة، يذكر السيابي وجود هذه المعارضة في البداية، ولكنهم حين رأوا أنه يتعامل مع هذه الهواية بشكل جدي وبحرص متناه، استطاع أن يكتسب تأييدهم، وانقلبت تلك المعارضة إلى دعم. الأمن والحماية للمتسلق إجراءات الأمن والحماية للمتسلق، يجملها المتسلق خالد السيابي بما يلي: 1- نوع الزي المستخدم لا بد أن يتناسب مع نوعية الجبل وظروف الطقس. 2- الحزام الخاص بالتسلق والحبال وغيرها من أدوات التسلق يجب التأكد قبل الشروع في التسلق من أنهاء تعمل بالطريقة التي نتوقع منها. 3- عدم التسلق منفرداً وإنما لا بد من جود شريك، ويجب تأكد الاثنين من سلامة معدات الآخر. 4- اتباع قواعد التسلق السليمة، والاستخدام الجيد للأدوات المساعدة في عملية التسلق. 5- متابعة المحاضرات التي تقدم عن أعراض الضغط الجوي والإصابات، ومعرفة كيفية التعامل معها أو مساعدة الزملاء حال تعرضهم لها. قبائل الشيربا يقول المتسلق العُماني خالد السيابي: “لا أعتبر نفسي بطلاً، إنما الأبطال الحقيقيون في هذا المجال هم قبائل الشيربا الذين أقدم لهم كل الشكر وآسف كون حقهم مهضوم إعلامياً، غير أن الحقيقة التي يعرفها جيداً كل من ذهب إلى جبال الهيمالايا أن أفراد هذه القبيلة يقدمون الخبرة والمساعدة في كل الأمور وتجهيز المعدات، ويلعبون دور الدليل في أعالي الجبال، ويشيرون علينا بالطرق الصحيحة والآمنة، ويساعدهم في كل ذلك قدراتهم البدنية العالية جداً، التي اكتسبوها نتيجة العيش بين تلك القمم الثلجية”. الانهيارات الثلجية يقول خالد السيابي “رأيت كميات مدهشة من الانهيارات الثلجية، وهو ما يستدعي لفت الأنظار إلى تلك التغيرات البيئية المتسارعة حتى نتعامل معها بحكمة، الصراعات الدولية القادمة ناجمة عن التغيرات البيئية ومنها ما بدأنا نسمع عنه من حروب الماء التي قد تشب بين لحظة وأخرى قي بلدان ليست بعيدة عنا”. ومن الأمور التي يدركها الكثيرون يتابع السيابي أن جبال “الهيمالايا تروي كل من الهند والصين، وتتعرض الجبال لنوبات ذوبان عالية، ولا أحد يقدر هذه خطورة، على الرغم من أن مواطني البلدين يمثلان ثلث سكان المعمورة، علينا أن نتخيل حجم الكارثة التي سوف تحدث لو فقد هؤلاء البشر مصادر الماء والحياة لهم”. الجبل كائن حي يقول خالد السيابي ان الجبل “كائن حي ولابد أن نحترم هذا الكائن ونعطيه قدره المطلوب، وليس أفضل من ذلك استثماره بشكل جيد سواء في ممارسة هوايات المشي بين الجبال أو تسلقها، وهو ما يساعد على التخلص من حزمة من الأمراض عبر رياضة رخيصة لا تتطلب تجهيزات خاصة ، كما يجب التعامل معه بحس اقتصادي مغاير، سيما وأن الجبال تتمتع بقدرات سياحية عالية وتتسم بالديمومة والاستمرارية بعكس كثير من الأنشطة السياحية”. يتابع السيابي “وكما نجح البشر في غزو الصحراء، جاء الدور على الجبال وضرورة تطويعها بما يعود بالنفع على الكثيرين ومنهم أهل القرى ممن يسكنون تلك الجبال، وذلك عبر إقامة منتجعات صحية في ربوعها، وتشجيع الشباب على اختراق مجال السياحة الجبلية في كافة انحاء العالم العربي، والتي تنتشر الجبال في أقطار كثيرة منها”. ويختم “مؤخراً قامت سلطنة عمان بخطوات على هذا الصعيد وقامت بوضع قوانين خاصة بتسلق الجبال وتحديد طرق ومسارات لمرتادي الجبال، وأتمنى لو أن ســـائر الدول العربية تنحو في هذا الاتجاه، خاصة وأن الجبال تســتحق منا ذلك، فهي خـالدة ونحن إلى زوال”.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©