الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الانتخابات الأميركية··· لمن تصوِّت القاعدة؟

الانتخابات الأميركية··· لمن تصوِّت القاعدة؟
11 أغسطس 2008 23:46
قبل أربع سنوات مضت، وبصفتي مستشاراً رئيسياً لقيادة حلف شمال الأطلسي ''الناتو'' في بروكسل، أتيح لي أن أرى عن كثب الكيفية التي تنظر بها أخطر العقول الاستراتيجية في تنظيم ''القاعدة''، للانتخابات التي تجرى هنا أو هناك في الدول الغربية· وضمن تلك الرؤية، كانت العاصمة الأسبانية مدريد قد شهدت في 11 مارس ،2004 أكثر الهجمات الإرهابية دموية، ضمن ما شهدته القارة الأوروبية بأسرها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بفعل التفجيرات التي مزقت محطات قطاراتها، مخلفة وراءها ما يقارب الـ200 شخص بين قتيل وجريح· وللتذكير فقد كان توقيت تلك الهجمات، يأتي بثلاثة أيام فحسب قبيل الاقتراع في الانتخابات العامة الأسبانية· والنتيجة المباشرة لتلك الهجمات: الإطاحة الفورية بالحزب الحاكم آنذاك· وقد تابعت أنا وزملائي العاملون في بروكسل، مدى تضارب التوجيهات التي كانت تتلقاها البعثة الدبلوماسية الأسبانية من قيادتها في مدريد· وبين عشية وضحاها، تحولت أسبانيا التي كانت إحدى أقوى الدول الأوروبية الحليفة للرئيس بوش، إلى أقوى صوت مناهض له في حلف ''الناتو'' كله· وقد عكست هذه المناهضة، الرفض الأسباني العام للحرب التي شنها بوش على العراق، ظناً أنها أضرت بأمن أسبانيا أكثر مما ساهمت في تعزيزه· وبصفتي ضابط استخبارات عملتُ في وكالة ''سي آي إيه'' وغيرها من الوكالات والهيئات الأخرى في مجال مكافحة الإرهاب لعدة عقود، فقد تراكم لديَّ ما يكفي من الخبرة لاستنتاج أن للهجمات الإرهابية التي استهدفت مدريد، علاقة كبيرة بزيادة خطورة التخطيط الاستراتيجي لتنظيم ''القاعدة''، بحيث تتوافق الهجمات وتوقيت السباقات الانتخابية التي تجرى في الدول الغربية· وفيما يبدو، فقد كان الحث على تنفيذ هجمات مدريد صادراً عن القيادة الإقليمية الشرق أوسطية لتنظيم ''القاعدة'' في العراق· وفي اعتقادي أنها وضعت يدها على نقاط الضعف الأسبانية قبل بضعة أسابيع من موعد إجراء الانتخابات العامة، إلى جانب تحليلها الدقيق لثغرات حلف ''الناتو''، واستنتجت بناءً عليه، أن في وسع تنفيذ هجمات دموية على مدريد، أن يدفع بها إلى خارج التحالف الوثيق مع ''صقور'' واشنطن· يجدر بالذكر أن تحليل ''القاعدة'' المشار إليه للأوضاع الأمنية في أسبانيا ولثغرات حلف ''الناتو''، كان قد بُث في عدد من المواقع الإرهابية منذ ديسمبر عام ،2003 ولاشك أن مقاتلي التنظيم في مدريد قد وضعوا أعينهم عليه· وإذا ما حدث ذلك في مدريد، فما الذي يمنع تكراره هنا بطريقة ما في أميركا؟ ذلك أن تنظيم ''القاعدة'' يبدي اهتماماً كبيراً بالدورات الانتخابية التي تجرى في الديمقراطيات الغربية· ومما لا ريب فيه أن يحرص أسامة بن لادن -باعتباره العقل المدبر لأكبر هجمات إرهابية تشهدها أميركا في تاريخها- على الإدلاء بصوته في المعركة الانتخابية الرئاسية الفاصلة المرتقبة في شهر نوفمبر، على طريقته ''الإرهابية'' الخاصة طبعاً· ولكي أصارحكم القول فأنا أعمل مستشاراً لحملة السيناتور والمرشح الرئاسي ''الديمقراطي'' باراك أوباما· وفي اعتقادي أن لتنظيم ''القاعدة'' نمطاً استراتيجياً يمكن التنبؤ به فيما يتصل بالسعي لتوقيت هجماته مع موعد إجراء الانتخابات الحاسمة التي تشهدها الدول الغربية عموماً· ويعود هذا النمط إلى ما يقارب عقداً كاملاً من الزمان، أي منذ إعلانه الحرب على الولايات المتحدة الأميركية· وفي هذا النمط ما يعيننا على التنبؤ بما يمكن أن يقدم عليه التنظيم خلال الأشهر الستة المقبلة· ولنذكر هنا ذلك التسجيل الصوتي الذي كان أسامة بن لادن قد بثه عشية الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام ·2004 وكان القصد من ذلك الشريط، تذكير الأميركيين بأنه لا يزال على قيد الحياة، على رغم تخصيص واشنطن جائزة كبرى قيمتها 25 مليون دولار ثمناً لرأسه· وقد أنهى ذلك الشريط شهوراً عدة من صمت قائد التنظيم· غير أن هناك من القادة ''الديمقراطيين'' من لم تغادر مرارة هزيمة مرشحهم جون كيري، من لا يزال يرى أن شريط بن لادن، قد ساعد كثيراً في إعادة انتخاب الرئيس بوش· وإن صح هذا التحليل، فإنه لا يعني شيئاً آخر سوى إدلاء بن لادن بصوته في انتخاباتنا الرئاسية! وعليه فإن المتوقع أن يبث التنظيم تسجيلاً صوتياً جديداً في وقت متأخر من شهر أكتوبر المقبل، أي قبيل الانتخابات مباشرة، بهدف تذكير الأميركيين بأنه لا يزال باقياً وفاعلاً، إلى جانب محاولة إقناع مؤيديه على امتداد العالم قاطبةً بأنه لا يزال على عهد حربه ''الجهادية'' التي أعلنها على ''الصهاينة والصليبيين''· أما التسجيل الصوتي الختامي خلال الأشهر القليلة المقبلة، فيتوقع أن يبثه التنظيم خلال الأيام الأخيرة لإدارة بوش بحلول شهر يناير المقبل· ذلك أن بن لادن سيحرص أشد الحرص، على وداع بوش الذي تعهد إما بقتله أو إلقاء القبض عليه حياً، وهو ''وداع الشماتة'' فيما يبدو· غير أن مما لاشك فيه أن يرمي التنظيم إلى رفع مطالبه عالياً في انتخابات نوفمبر المقبلة: انسحاب جميع القوات الأميركية من كافة دول العالم الإسلامي، إلى جانب الكف عن دعم إسرائيل ومؤازرة النظم العربية الموالية لواشنطن· وهذه مطالب طبعاً كلها لن تتحقق بمجرد زوال إدارة بوش الحالية· وعلى رغم تكهنات القائلين يميناً بأن أسامة بن لادن لا يبدي حماساً لأوباما بسبب عدم ثقته في خبرته السياسية، ويساراً بأن من المرجح تفضيل بن لادن للمرشح ''الجمهوري'' جون ماكين، حتى يدفع عميقاً بتورط أميركا في مأزقها العراقي، ما يساعد على استقطاب غضب المسلمين واستثماره لصالح مضاعفة أعداد المؤيدين للتنظيم، إلا أن الحقيقة أننا لا نزال نجهل ما ينويه التنظيم، طالما التزم قادته الصمت المطبق حتى الآن· بروس ريدل زميل رئيسي بمركز سابان لدراسات الشرق الأوسط بمؤسسة بروكنجز، ومؤلف كتاب البحث عن تنظيم القاعدة''· ضابط بوكالة ''سي آي إيه ، عمل بمجلس الأمن القومي سابقاً 1997-2002 ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©