الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إطار..

إطار..
5 ابريل 2012
من الخارج إلى الداخل، يتصارع الليل والنهار، يتعاقب الضوء والعتمة، كل شيء يبدو كالشفق المريب، من الداخل إلى الخارج، اسطوانات مُوزارْت المشروخة تتسرب للفوضى الكونية، تندفع هاربةً إلى لا مكان.. من الباب إلى الشُرفة، الشمعدانات تحاصر أركان الهندسة الجنونية، الهالات المعتمة تتسع وتتسع كفجوة تبتلع الأنوار الهزيلة المتكئة على شرفات تلك الشقة المنعزلة في حي قديم، في مدينة منسية، شوارعها بلا أسماء، استقرت بعد سفر طويل على خريطة الوجود أمام بحرٍ، عُبابه يرتطم بذكرياتها التي تكلست على الشواطئ العتيقة، حيث تمتزج الأضواء الهاربة مع البحر في وجودٍ أبدي.. الشفق يتسرب إلى وجنتيها، يثور هناك لتتقد، جنون الكون يُرَقِّعُ جسدها المنهك، والليل يجثم على شعرها الغجري، تُلهِبها الفوضى، يعبث بها الحنين، تعيد ترتيب كلماتها، تلوكُ حروفاً جديدة، تصبغ شفتيها باللون الأحمر، تستعر أكثر، ترفع يديها، ترقص كـ”زوربا”، آه.. المسافة بين الموت والحياة رقصة، عقارب الساعة تحركها بخيوط وهمية، كلعبة قديمة، ترتب غرفتها، تجهز كرسيين صغيرين حول طاولةٍ صغيرة أمام شرفتها، تسكب عصير التوت في كأسين متجاورين، تفصلهما أزهار أوركيدا في فازَةٍ خزفية صغيرة.. الوقت يزحف كأفعى عمياء، تتسمر في كرسيها، تحدق في كرسيه، تنتظره، وتراقب ملحمة الصراع الكونية من وراء شرفتها، وخيوط العنكبوت البائسة التي تلف القمر، وتحاصر الشمس، وتجمع كل النجوم في شبكة واحدة، اقترب، مسْدَ خصلها الليلكية، قفزت إليه، تعانقا طويلا، جلس أمامها يرتشف العصير، تتأمله في شرود، تحفظ قسماته الندية في ذاكرتها المثقوبة.. هل تأخرت..؟ سأنتظرك كل حياتي.. أطْرَقَ بحزن، تمتم: اكسير الأبدية سكب على أعتاب غرفتك.. لن أراك مجدداً؟ لا تخافي.. مُحال أن أتركك، مُحال.. يجول بصرُه في غرفتها المعتمة، يتسول العاطفة من قسماتها الضامرة المستترة خلف ألف قناع، ترتشف العصير، يتأملها، تتأمله، تلتقي عيناهما، يناديها نداءً خفياً لا مناص منه، يُطبق الصمت على شفتيها، شعور مريب يحيك عباراتها بإبرة دقيقة، تتساقط من عناقيدها حبات جمان، تتهشم على وجنتيها، يمسحها يضمها .. “لا تبكي”، تتشبث به، يتشبث بها، يلتحمان وتَحُج حولهما هالات معتمة دون أن تتوقف.. يُطْرَق الباب فجأة، ماما.. افتحي الباب، أنا خائف من الظلام أريد أن أنام معك، يَلْتفِتُ يميناً ويساراً، تنحدر دموعه على خده الشاحب، يهمس في أذنها، قَبِليه وقولي له بابا يحبك، يتخلص من عناقها الطويل، تتشبث به أكثر ثم تستسلم لهروبه الأبدي، يخطو على أثر أرماس الفراق، يعود لمثواه الخشبي، في إطار عتيق معلق على جدار حزين..
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©