يضم متحف سرقسطة الإقليمي، الواقع في مدينة سرقسطة الإسبانية، روائع فنية إسلامية تشهد على ما مر من ممالك حكمت تلك المناطق مع العالم في ظل الفتوحات الإسلامية، ويتكون المتحف من قسمين، أحدهما مخصص للآثار والمقتنيات التاريخية، بدءا من عصر ما قبل التاريخ وحتى نهاية عهد ملوك الطوائف، لاسيما عناصر زخرفية بنائية من قصر الجعفرية الذي كان مقرا للحكم خلال عهد ملوك الطوائف.
أحمد الصاوي (القاهرة) - متحف سرقسطة الإقليمي من المتاحف العريقة في إسبانيا، إذ كانت نواته المقتنيات التي عرضت بمعرض عالمي نظم في سرقسطة عام 1908م، وينقسم المتحف لقسمين رئيسين، أحدهما تعرض به الفنون الجميلة من لوحات ومنحوتات وأعمال تشكيلية مختلفة لأشهر الفنانين من إسبانيا والقارة الأوروبية، وهي تمتد تاريخيا من القرن 12م إلى العصر الحديث، وتحتل أعمال فرانسيسكو دي غويا مكانة مهمة بين معروضات الفنون الجميلة. أما القسم الثاني، فهو خاص بالآثار وبه مقتنيات للفترات التاريخية التي مرت بها المدينة، بدءا من عصور ما قبل التاريخ وحتى نهاية عهد ملوك الطوائف بسرقسطة وبالمتحف العديد من النقوش البرونزية الإيبيرية واللاتينية.
قصر الجعفرية
يضم متحف سرقسطة الإقليمي قسمين إضافيين خارج المبنى، أحدهما خصص لقسم الخزف في حديقة ريفيرا بريمو، ومبنى آخر للمقتنيات الإثنوجرافية.
وتشتهر مدينة سرقسطة الإسبانية بقصر الجعفرية، الذي شيده المقتدر التجيبي في القرن الخامس الهجري، وظل مقرا للحكم خلال عهد ملوك الطوائف من أسرة بني هود وحتى بعد سقوط سرقسطة بيد ألفونس الأول عام 1118م أصبح الجعفرية مقرا لإقامة ملوك الأراجون، وأصبح ميدانا خصبا لإبداعات المدجنين، أو المسلمين الذين أجبروا على التنصر. ومع استيلاء فرديناند وإيزابيل على غرناطة حول قصر الجعفرية إلى مقر لهما، وظل مقرا للملوك الكاثوليك بين عامي 1492م و1594م.
وفي القرن السابع عشر الميلادي، تم تحويل قصر الجعفرية لقلعة حصينة ذات أسوار وخنادق وإبان الحرب الأهلية الإسبانية استخدم كثكنة عسكرية، وأخيرا تم ترميمه في النصف الثاني من القرن الماضي ليصبح مقرا للمجلس التشريعي لمقاطعة أراجون.
ونظرا لتعرض قصر الجعفرية للدمار الجزئي، سواء أثناء هجوم نابليون على سرقسطة في القرن 19م أو بسبب الحرب الأهلية، فقد كان من الضروري إعادة ترميم بعض زخارفه الجصية البديعة، ونقلها لتعرض بالمتحف الإقليمي لسرقسطة مع بعض القطع الفنية، سواء كانت بالقصر، أو لدى أفراد وبعض مؤسسات المدينة.
ومن القطع الرائعة التي يقتنيها المتحف من العناصر الفنية الأصلية لقصر الجعفرية تاج عمود من الرخام يعود لمنتصف القرن الخامس الهجري، وهو محفور بزخارف بديعة تعكس الطابع الفني للزخرفة الإسلامية في فترة حكم ملوك الطوائف.
ورغم أن ارتفاع هذا التاج لا يتجاوز 35 سم، إلا أنه يحتشد بالزخارف النباتية التي صفت في نطاقين متتاليين من بعد رأس التاج أو قمته التي كانت تحمل رجل العقد؛ ففي قمة التاج نجد كتابة بالوسط من كل وجه من الأوجه الأربعة للتاج، وهي تحمل كلمة نعمة بالخط الكوفي المورق، وعلى جانبي الكلمة زخرفة من أوراق نباتية تشبه سعف النخل، وقد جعل الفنان للتاج أربعة أركان بارزة برشاقة عن سمت التاج تحوي في صدر البروز رسوم المراوح النخيلية المحفورة بدقة، وفي الجانبين نجد رسما لمروح نخيلية وسط نصفي مروحة نخيلية، أما وسط قمة التاج فبه وحدة زخرفية مكررة قوامها مروحة نخيلية بالوسط على جانبيها بتماثل دقيق أنصاف مراوح نخيلية. وينتهي هذا القسم بشريط دقيق من زخارف هندسية رسم معين بالوسط على جانبيه رسوم لمستطيلات ودوائر متبادلة. ويلي ذلك منطقة وسطى بها نطاقات متوجة ببروز عددها ست وهي محفورة بزخارف شديدة التنوع في أوضاعها، على الرغم من أن قوامها رسوم المراوح النخيلية الكاملة وأنصافها، ويلي ذلك نطاق آخر به أيضا ست مناطق بارزة، ولكنها أقل ارتفاعا وبها زخرفة نادرة ومركبة تجمع بين أوراق نباتية رمحية.
زخارف بنائية
يعرض المتحف العديد من العناصر الزخرفية والبنائية التي كانت بقصر الجعفرية، ويعد المالك الأكبر في إسبانيا لتلك القطع الفنية التي لا يشاركه فيها سوى متحف الآثار الوطني بمدريد، والذي استعار بعضا من تلك الأعمال الفنية بغرض أن يكون المتحف الوطني الرئيسي ممثلا في معروضاته لكافة المنتجات التي تعرضها المتاحف الإقليمية بالدولة وللتعبير عن الشخصيات التاريخية المتفردة للمقاطعات الإسبانية.
ويمتلك العديد من الهيئات الرسمية والمؤسسات الدينية في سرقسطة بعض التحف الفنية الإسلامية وتعتز باقتنائها وعرضها على الزائرين ويندر أن نجد كنيسة أو ديرا لا يقتني تحفا إسلامية بين كنوزه القديمة.
ومن القطع الفنية الرائعة التي يحتفظ بها مجلس مدينة سرقسطة صندوق صغير من العاج يعود إنتاجه لنهاية القرن السابع الهجري، وهو على هيئة اسطوانية، ولا يتجاوز ارتفاعه 9,4 سم، بينما يصل قطره على 11,5 سم.
ولهذه العلبة التي تعرف عادة باسم «الُحق» نظرا لضآلة حجمها رتاج له مفتاح، ما يشير إلى أنه كان يحتوي الأشياء الثمينة من حلي ومجوهرات، وهذا الرتاج من الفضة المطلية بالذهب، وقد شكل على هيئة أربعة أشرطة معدنية تشكل نهاياتها قاعدة للحق، وقد استكملت تلك الأشرطة بغطاء الحق، ومنها ثلاثة أشرطة حرة تماما أوسطها به قفل الرتاج، ويقابله تماما الشريط الرابع المرتبط بمفصل بالشريط المثبت ببدن الحق حتى لا يتحرك الغطاء بعيدا عن الحق. وتعكس الكتابات المسجلة على الرتاج الفضي مدى التدهور البسيط الذي لحق بإجادة الفنانين المدجنين للغتهم العربية الأصلية، إذ يمكن قراءة عبارة «الملك لله» المكررة مع بعض التجاوز عن طريقة الوصل بين الحروف العربية.
أما الحق، فله غطاء دائري منقوش بزخارف حفرت بعناية حفرا غائرا في العاج، وتبدأ هذه الزخارف بإطار من زخارف الجدائل التي بداخلها تشكيلات من زخارف نجمية تتمحور كل وحدة منها حول دائرة بالوسط مثلما تنتهي عند الزخارف المجدولة بدائرة حتى تشكل الدوائر نطاقا إضافيا يفصل بين الجدائل والأشكال النجمية. أما القسم الأسفل من الغطاء ففيه زخارف مجدولة رائعة التكوين.
وبدن الحق مقسم لعدة نطاقات زخرفيه تبدأ من اسفل بزخارف مجدولة في نطاقين الأسفل منهما أكثر اتساعا، ويلي ذلك منطقة عريضة محصورة بين زخارف من دوائر وقوام الزخرفة فيها الأشكال النجمية التي رأيناها في غطاء الحق.
وتنتهي زخرفة بدن الحق الاسطواني بشريط من كتابات عربية بخط النسخ المغربي يتوج بصف من الدوائر الصغيرة وقد سجل بهذا الشريط الكتابي أبيات من الشعر تفصح عن الغرض من صناعة هذا الحق، وهي
تفصح عن استخدام الحق لحفظ الودائع لامرأة «مليحة»، ويعد الحق العاجي على صغر حجمه إحدى القطع الفنية الرائعة التي انتجها الأندلس.
أهم مدن شمال إسبانيا
سرقسطة من أهم مدن إسبانيا في القسم الشمالي الشرقي منها، حيث تقع مقاطعة أراجون وهي عاصمة المقاطعة في الوقت الراهن. وتعود تسميتها إلى أن مشيدها هو القيصر أغسطس، وقد فتحها المسلمون مع ما فتحوه من مدن الأندلس، حيث عرفت باسمها العربي سرقسطة، وكان يطلق عليها الثغر الأعلى، نظرا لقربها من جهة الشمال من الممالك النصرانية وتعرضها دائما لهجماتها. وحكمت سرقسطة أسر عربية بعد انهيار دولة الخلافة الأموية بالأندلس، منها بنو تجيب من كنده، ثم بنو هود.
عدد اليوم
